اللافت فى الأجواء التى شهدتها مصر فى الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير هو وجود عدد من الشباب مازالت الحيرة تتحكم فيهم، يهتفون ضد الإخوان والفلول والعسكر وهم أنفسهم لا يعرفون هم مع من بالضبط.. بعض هؤلاء الشباب إما قاطع الاستفتاء أو ذهب وأبطل صوته لأنه استنتج أن نعم على الدستور تعنى نعم للفريق أول عبد الفتاح السيسى، فقرر إبطال الصوت رغم تقبله للدستور، لكنه خشى أن تكون نعم دليل على تأييده للسيسى. هؤلاء الشباب أصيبوا بصدمة كبيرة حينما رأوا صورة للرئيس الأسبق حسنى مبارك مرفوعة فى ميدان التحرير فى الذكرى الثالثة للثورة، واعتبروا أن ذلك دليل على الانحراف الذى وصلت إليه الثورة.. الانحراف الذى كان نتيجته أن يكون الفلول فى ميدان الثورة يحتفلون بالذكرى الثالثة للثورة التى خلعت الرئيس الذى يرفع البعض صوره فى ميدان الثورة.. ويا لسخرية القدر أن الثوار فى هذا اليوم كانوا ينوون الاحتفال فى ميدان مصطفى محمود الذى كان فى ثورة الخامس والعشرين من يناير متنفس أنصار مبارك وقتها. نعم حدث ذلك فى الذكرى الثالثة للثورة.. وسيحدث الأكثر منه مستقبلا إذا لم يفق ثوار يناير من غفلتهم ويخرجوا من عالم الإنترنت الافتراضى، ويعيشوا المشاكل التى يعيشها المصريون ليشعروا بها . لدى يقين ثابت بنبل ووطنية كل من شارك فى الثورة، لكن النبل ليس نهاية المطاف، لأن السياسة تحكمها قواعد أخرى تتعارض فى الغالب مع القيم النبيلة. حينما شارك المصريون فى ثورة 25 كانت لديهم إرادة ورغبة حقيقية فى التغيير ولإزاحة النظام الفاسد ورفعوا شعار عيش حرية عدالة اجتماعية فى وجه نظام مبارك، لذلك ألتف المصريون حولهم من أقصى الجنوب إلى الشمال، كلهم كانوا يعيشون أمل التغيير.. البعض كانت لديه حالة من القلق على مستقبل مصر إذا لم يكن هناك بديل قوى وقادر على تحقيق مطالب الثورة، لكن القلق تلاشى نسبيا وسط حالة الانتشاء الثورى، والنتيجة النهائية ل25 يناير بإجبار مبارك ونظامه على الرحيل فى 11 فبراير 2011 .. واختفى القلقون خوفا من أن يلحق بهم وصمة عار الفلول.. فكل من يخالف الإرادة الثورية كان فى عرف الثوار والتحرير وقتها فلول، لذلك ارتأى كثيرون أن يتواروا خلف الستار ليشاهدوا ما سيحدث للبلد.. وفى نفس الوقت درسوا مطالب الشارع واستفادوا من أخطاء من تصدروا المشهد السياسى منذ رحيل مبارك وحتى بعد رحيل مرسى. وقتها اختفى الفلول وأعضاء حزب الكنبة وتركت الساحة للثوار والتيارات السياسية الأخرى التى ملأت الساحة ضجيجا ووعودا.. وتوالت الأيام إلى أن قفز الإخوان على السلطة باستخدام سلم الثورة، ومساعدة الثوار وبتحالف مع عدد من أعضاء المجلس العسكرى، وللأسف وقع الثوار فى خطيئة كبرى، حينما وقعوا فى شرك الإخوان الذين دفعوا شباب الثورة للاشتباك مع الجيش فى وقائع متعددة بدءاً من محمد محمود ومرورا بمجلس الوزراء وماسبيرو، ووسط ذلك بدأ شعار "يسقط حكم العسكر" فى الظهور.. فبدأت الفتنة تشق صفوف الثوار، ومعها اختلفت الرؤى، واهتم كثيرون بالظهور الإعلامى والآخرين بالبحث عن مكاسب سياسية، وما بين هذا وذاك تاهت مطالب ثورة 25 يناير، وتاهت معها أهم شىء يبحث عن المصرى البسيط وهى الشعر بالأمن. المشكلة أن هؤلاء الشباب ثاروا على نظام مبارك ولم يجدوا البديل فظهر من سرق الثورة.. وهم يكررون نفس الخطيئة الآن.. كثير منهم يعادون الشعب والمواطن البسيط دون أن يدروا.. لا يريدون أن يؤمنوا بأن قواعد اللعبة السياسية تغيرت.. لقد مل المواطن البسيط المظاهرات وإسالة الدماء وتوقيف الحال وغياب الأمن.. لذلك كان البديل لدى هذا المواطن هو اللجوء للبديل الذى يختاره هو بنفسه، والبديل من وجهة نظره فى مبارك ونظامه.. نعم يعترف الشارع المصرى بأن نظام مبارك أفسد الحياة السياسية فى مصر، لكنهم كانوا يشعرون بالأمن وقتها، وبدأنا نسمع فى الشارع من يترحم على أيام مبارك. الترحم على أيام مبارك كانت رسالة قوية لمن ثاروا ضد نظامه، لكن الرسالة ضلت طريقها، ولم ينتبه لها الثوار، بل ساروا عكسها، فزادت الخلافات واشتدت معها الاشتباكات، فكانت النتيجة المنطقية أن المواطن المصرى البسيط أو ما نطلق عليهم حزب الكنبة، اشتد حنقهم على الثورة والثوار.. فهم لم يروا منهم أى شىء يدعوهم للتعاطف.. لم يجدوا سوى منظرين سياسيين ونجوم فضائيات. الثوار وقعوا فى الخطيئة الكبرى حينما افتقدوا البوصلة.. ثاروا على نظامين ولم يهددوا هدفهم.. ثاروا على مبارك وكانت وجهتهم ضائعة فقفز الإخوان على الحكم.. ثم ثاروا على الإخوان فانقسموا بعدها ما بين مؤيد ومعارض ومتردد، إلى أن وصلنا لدرجة أن المترددين زادوا واستمروا فى ترددهم وحيرتهم دون جدوى.. لم يتعلموا الدرس بعد.. ساروا فى طريق مخالف لما يريده المواطن البسيط.. فقدوا التعاطف الشعبى لأنهم تمسكوا بقيم مثالية دون أن يدركوا أن هذه القيم لن يكون لها مردود شعبى إذا لم تحقق الأمن للمواطنين. لم يدرك عدد من ثوار يناير أن رفع صور السيسى فى الشوارع ليس إيمانا منهم بأن السيسى سيحقق لمصر النهضة الاقتصادية المأمولة، لكنهم وجودا فى شخصه كعسكرى الأمن الذى افتقدوه.. الأمن هى كلمة السر التى لم يدرك الثوار معناها حتى الآن وسحرها لدى البسطاء .