كدت أكذب أذني من هول ما سمعت وانا اشق ريقي بوجبة الافطار وانشط عقلي بخاطرة عفوية صباحية، لقد فاجأتني زوجتي بالقول "ابشر.. لقد اصبحت طابور خامس يا عزيزي!"، يا للمصيبة.. إنها المؤامرة التي طالما حاربها المرء بقلمه، حتى كادت تدمر أعصابه وتحرق شرايين عقله، ها هي تنقلب اليوم الى تهمة اسرية تلف حبل الاعدام حول رقبته على طاولة طعامه، وتفتح الباب واسعا أمام تساؤلات الصغار العفوية حول معنى "الطابور الخامس" وان كان يمكن الاصطفاف فيه خلال طابور الصباح المدرسي!.. أهكذا يمكن أن تحاصرني التهمة لمجرد التجاسر فكرا والتساؤل همسا: لماذا لا يخوض المشير عبدالفتاح السيسي مناظرة رئاسية ساخنة مع اشرس منافسيه حمدين صباحي؟!!. بلى، هو السيسي (نور عين مصر) الذي واجه بجسارة متناهية مخططات الغرب وامريكا وذيولها في تركيا وقطر ومصر، ولا سبيل أمام المرء إلا أن ينزل على حقيقة أنه نور عين حكومة المنزل التي تحكم وتتحكم بتأييد ابوي واخوي للمشير دون جدل أو نقاش، لا بأس.. فذلك مما يمكن قبوله كترجمة لحقائق التاريخ السياسي والاجتماعي للمصريين رجالا ونساء وشبابا، والتي تضع جيش مصر ورجاله كرقم صعب وأصيل في الدولة المدنية الحديثة ، بحيث يدير بنو المحروسة مؤشر العقل دائما صوب موافقه الوطنية المشهودة، ويعتبرونها نافذة تاريخية عريضة يطلون عبرها على عالم الحداثة والتطور منذ عصر محمد على باشا، ليختصر كل ذلك في صورة السيسي كقائد نادته (نداهة) التاريخ وتفاعلات الأزمة، ودفعته نحو التسخين لنزول الملعب تحت ضغط شعبي عاصف، ثم أوقعه نفس الظرف في مواجهة عصرية مع التواصل التاريخي الممتد لجيل الأفندية في عصر ما بعد محمد علي ممثلا في السيد صباحي. لا مفر إذن أن يقول طالع مصر كلمته واضعا الجميع أمام ضرورة تناظر الرجل العسكري القوي السيسي والمناضل الشرس صباحي، وألا يستسلم المشير لرغبة بعض الناصحين من حوله بالبقاء قيد قفص زجاجي محكم، دون احتكاك سياسي علني او اختبار لملكاته الابداعية، تكشف صفاته القيادية وقدراته على الدفاع عن وجهة نظره، والتمسك بآرائه والإقناع بها، وهي مسألة لا يصح تجاهلها أو التشكيك فيها بوصفها فريضة هامة واول امتحان حقيقي لزعيم عصري ديمقراطي تتمناه مصر، حتى لو كان منافسه هو حمدين المعروف بحنكته السياسية وتمكنه من أدوات الخطاب السياسي الشعبي. لنتذكر، أن امتحانات المستقبل لا مجال فيها للأسئلة الاختيارية أو إهمالها عمدا أو الاستعانة بصديق، وإذا ما كان التجاهل أو الهروب هو مصير المناظرة كأول تجربة سياسية حقيقية قبل الاستحقاق الرئاسي، فما البال بأسئلة أصعب ستخوضها مصر تحت قيادة سياسية جديدة، وستختبر بكل تأكيد قدرات رجل الرئاسة القادم، في الوقت نفسه فإن تلك المناظرة ان جرت ستتحول إلى تقليد انتخابي في كل استحقاق رئاسي مقبل، لأن من ارتضى هذا التقليد وأقره كسابقة هو رجل عسكري سابق أطاح بالصورة التقليدية لرجال الجيش تحت كاميرات السياسية، وهو الدور نفسه الذي يجب أن يقوده رجال الجيش في كل انتقال مصري نحو مرحلة جديدة من التحديث والمدنية. فلتكن تلك المناظرة جواز مرور لتجربة ديمقراطية مصرية اصيلة، تعيد مصر تعليم العالم درسا ديمقراطيا جديدا بمرشحين لا يجادل في وطنيتهما الا معلول النية، فيبرهن من خلالها المارشال السيسي جدارته، ويعيد فيها المناضل حمدين تأكيد استحقاقه، بما يتصدى للدعاية الغربية والصهيونية الاخوانية المتواصلة التي تشكك في العملية الديمقراطية المصرية، وهو ما لا يصح أن يجري في فضاء غير محكوم ويعيد انتاج مهزلة مناظرة الاستحقاق الرئاسي السابق، بل وحبذا لو تمت تلك الموقعة الديمقراطية تحت اشراف لجنة وطنية يرأسها سياسيون وإعلاميون يحددون مدونة سلوك ومعايير هذه المناظرة، ويبثها التليفزيون الحكومي وحده دون أي وسيلة اعلامية أخرى، بما يعيد لكافة مفردات الدولة المصرية اعتبارها. [email protected]