منذ 52 وحتى 67 تداخلت الحياة العسكرية بالحياة السياسية. كان المشير عبد الحكيم عامر يعلم كل شيء: وزيرا للحربية ورئيسا لنادي الزمالك، قارئا لروايات نجيب محفوظ بحثا عن عبارة هناك أو هناك تنتقد النظام، ليؤلب عليه الرئيس، يتحفظ على كمال الطويل من اجل أن يلحن لعبد الحليم حافظ أغانيه الجديدة فى عيد الثورة، ويهندس الاحتفالات ، كان يتحدث في كل شيء الفقه والقانون .. والدستور والسياسة والاقتصاد والفن .. والإنتاج السينمائي والموسيقى . في الاجتماع الذي سبق المعركة سأله عبد الناصر هل ستستطيع رد الهجوم الإسرائيلي أجابه بثقة : برقبتي يا ريس. رغم ذلك. كانت نزر الهزيمة وقتها واضحة للجميع،( تراجع القصائد والروايات التي كتبت قبل 67). ولم يشفع وجود قدر من العدالة الاجتماعية حبب المصريين الفقراء في الثورة لعبد الناصر ورفاقه، وخاصة مع الغياب التام للحريات السياسة. كان انجازا بالتأكيد أن يستطيع الجيش المصري خلال ست سنوات قدرته وبناء ذاته، خاض حرب الاستنزاف بشرف، وخاض الجنود حرب أكتوبر بثقة وحققوا انجازا هائلا ( اختصر الانجاز فيما بعد فى شخص واحد) ..كما ان النتائج السياسية للحرب حولها إلى نصر منقوص! ولكن الدرس الأهم الذي قدمه المصريون إن النصر لم يكن ذا تأثير قوى في نفسية المصريين كالهزيمة...ربما لأننا انكرناها ولم نعترف بها. ربما يكون الاعتراف داخل صفوف أو الأسرار الكهنوتية داخل المؤسسة العسكرية نفسها ..ومن هنا عزلت نفسها عن العمل السياسي تقريبا، حتى لا يتكرر ما جرى فى 67 مرة أخرى. مبارك والسادات هما عسكريو الصدفة، ألقت بهما المقادير ليصبحا رؤساء بدون مؤهلات تقريبا... رغم أنهما من العسكر إلا أن عسكر الجبهات ظل بعيدا عن العمل السياسي، فقط من يخرج إلى التقاعد يضمن عملا مدنيا بحكم ” الكوتة ” سواء كمحافظ أو رئيس حي أو موظف امن فى شركة ..لكن ليس لهم الإفتاء في أمور السياسة .. أو حتى معرفة الفرق بين الإخوان والسلفيين. وأعتقد أن الشهور التسع الماضية أوضحت قلة خبرة العسكر في أمور الإدارة السياسية، قلة خبرة تصل أحيانا إلى الغباء الناتج عن عناد المتولد من طبيعة الحياة العسكرية التي لا تحتمل النقاش ، بل إلقاء الأوامر أو تنفيذها فقط بدون مناقشة. واحدة من أزمات الثورة المصرية هى من إدراك العسكر أنهم يعرفون كل شيء..ولكن الواقع يثبت عكس ذلك تماما ولذلك من أجل “الحدود” التى خلق الله الجيوش من أجل تأمينها ينبغي أن يدرك العسكر أن عليهم الرحيل حتى لا تتكرر مرة أخرى مأساة 67. ولهذا ينبغي أن تهتف كل مصر من أجل مصر وجيشها ” المجلس لازم يمشى”. “