تذكرني رؤية المشير عبد الفتاح السيسي المرشح المحتمل المتأخر في إعلان ترشحه لحل أزمات مصر الاقتصادية بكلمات أغنية "بوتيكات" لعم أحمد فؤاد نجم، والشيخ إمام، "هتقول الفقراء، ومشاكلهم، دي مسائل عايزة التفانين وأنا رأى نحلها رباني ونموت كل الجعانين، وبهذا محدش هيجوع لو نعلن هذا المشروع". لم يتخيل إمام الذي مثل صوته "كرباج" الفقراء على ضهر الأغنياء، يفضح التفافهم على حقوق المواطنين، وسياسات الانفتاح الاقتصادي، والخصخصة، أن يأتي من يتبني هذا المشروع الهزلي ويحوله من حالة انتقاد لاذعة لسياسات الإفقار، والتجويع الذي بدأت مع السادات، وتفحشت في عهد مبارك، إلى مشروع يتبناه مرشح محتمل للرئاسة بعد ثورة 25 يناير، وموجتها الأعظم في 30يوينو. فأفصح السيسي عن انحيازة بشكل واضح للأغنياء ورجال الأعمال في كلماته التي ألقاها مؤخراً، فنجده يطالب الفقراء الذين دفعوا ضريبة سياسات الاحتيال، والنصب، والارتماء في أحضان التبعية الأمريكية طوال ال 40 سنة الماضية، للاستمرار في دفع الثمن، وتناسي المرشح الرئاسي، أن العدالة الاجتماعية، كانت أحد أهم أهداف ثورة 25 يناير التي أطاحت ب"مبارك"، لكنها لم تطيح بنظامه حتى الأن. فجاءت كل رسائل السيسي موجهة للفقراء، ولم يوجه رسالة واحدة في طي كلماته التي ألقاها في مناسبات مختلفة لرجال الأعمال، فكان أول من طالب المصريين بالاستيقاظ مبكراً، والذهاب للعمل، بل ورفع عدد ساعات العمل، في وقت يناضل العمال في كل مكان في العالم لخفض ساعات العمل، وكان من الأولى أن يطالب رجال الأعمال بدفع الأجر العادل للعمال، و عدم التهرب من سداد الضرائب، ورد ما نهبوه وما زالوا من ثروات الوطن، كما طالب الطلاب بأن يتخذوا "الموتورجل" كوسيلة مواصلات خلال ذهابهم للجامعة، على الرغم من أن الطلاب يضطرون لذلك بسبب الفقر، ولم يتحدث عن وسائل مواصلات تمكن المواطن من الحفاظ على كرامته، وآدميته الممتهنة في كل لحظة. ظهر السيسي في كلماته، يرمي بمسؤولية الأزمات الاقتصادية على الفقراء، يرمي بالاتهامات المعتادة، الكسل، وعدم الرغبة في العمل، والتبذير أحياناً إن لزم الأمر، ليذكرني ذلك أيضاً بأحد أغاني الربط في مسلسل الوسية، "بقي يسرقونا ويتهمونا إحنا فيها" . فالأمر يتعلق بالتوجهات والانحيازات، فإما أن تنحاز للفقراء أو رجال الأعمال، تختار الاستقلال الوطني وترفض التبعية الأمريكية وسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو تتمسك بها وتسير في طريق مبارك ومرسي وأنت أعلنت انحيازاتك بتحميل الفقراء المسؤولية ..ونحن نتبني العدل الاجتماعي نحن ننحاز لأنفسنا لأهلنا للفقراء ..وأنت للأغنياء