من عصام شرف إلى كمال الجنزورى ، مرورا بهشام قنديل ، ووصولا إلى حازم الببلاوى وانتهاءا بابراهيم محلب ، وبكل ما جرى من تعديلات وزارية أو تغييرات للحكومة منذ ما بعد 25 يناير 2011 ، يبدو جوهر المشكلة واضحا ، فالسياسة لم تتغير ، وحتى ان تغيرت بعض الوجوه ، وبقى أغلبها يذهب ثم يعود .. لا يزال من يديرون مصر يحكمون بنفس العقلية ولا يستطيعون الخروج من أسر طريقة التفكير التى تحكمنا منذ 40 عاما ، فيختارون حكومات من نفس التوجه ونفس الانتماء والانحياز وان تفاوتت درجاته نسبيا . الملفت هذه المرة ، ليس فقط التوقيت المفاجئ – حتى وان جاء متأخرا – فى استقالة الحكومة ، ولا غموض الاسباب – رغم توافر الكثير من الاسباب التى كانت تدعو لتلك الخطوة منذ فترة طويلة – ، وانما أيضا أن هذه الحكومة تخلصت من كل الوجوه المحسوبة التى انتمت لثورة 25 يناير وخطها دون استثناء ، ولا ندعى أن هؤلاء ضربوا نموذجا عظيما ، بل ربما أضر بعضهم بتاريخه ومواقفه عبر أدائه فى الحكومة ، واجتهد البعض الآخر قدر الامكان فى ظل ظروف صعبة للوطن كله ، وقيود لا تزال قائمة ومكبلة فى فكر وفهم الدولة المصرية ومسئوليها ، لكن أن يخرجوا جميعا دون استثناء ، ولا يتم الاستعانة بوجه وحيد بديل ينتمى لنفس الخط بوضوح ، فهى دلالة ينبغى الالتفات لها والتوقف أمامها بامعان ، خاصة فى ظل مساعى الفصل بين يناير ويونيو ، ومحاولات الركوب المتجددة التى تلحق بكل موجة ثورية عظيمة ، تارة بالاخوان ، وتارة ببقايا نظام مبارك . ولم يكن أحد ليستطيع أن يدافع عن حكومة الببلاوى أو ينبرى للدعوة لاستمرارها ، فقد وقعت الحكومة – رغم كل التفهم للوضع الصعب والمعقد التى كانت تعمل فيه – فى أخطاء متوالية ومتكررة ، ولم تدرك منذ اللحظة الأولى أنها حكومة جاءت بعد موجة ثورية عظيمة فى 30 يونيو ، فكررت نفس الأداء المترهل البطئ الضعيف لسابقاتها من الحكومات ، ولم تقدم منجزا ملموسا يشعر به الناس على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى ، ورغم أنها أول حكومة تطبق قرار الحد الأدنى لللأجور إلا أن تطبيقه المختل الذى أفرغه من جوهره ومضمونه كمطلب جاد للعدالة الاجتماعية جعله وكأنه لم يكن ، وانخرطت فى مواجهة أمنية صعبة لكنها شهدت بالذات فى الاسابيع والشهور الاخيرة قدرا بالغا من الانتهاكات والتجاوزات واستعادة ممارسات أمنية مرفوضة فى مواجهة من يرفع رأيا مخالفا ، وتبنت حزمة من التشريعات محل خلاف بينما لم تلتفت لأولويات أخرى مثل العدالة الانتقالية على سبيل المثال ، وأضف إلى كل ذلك ملف الجامعات المتفجر بالعنف والفوضى والذى لم يواجه إلا يمثله من عنف أمنى وعشوائية فى القرار ، وأخيرا ، اعلان كثير من وزراء هذه الحكومة عن مواقفهم السياسية تجاه انتخابات الرئاسة المقبلة ، دون أن يلتفتوا لحظة لدورهم كمسئولين تنفيذيين فى مرحلة انتقالية وضرورة بقائهم على الحياد بحكم مواقعهم . يبدو ملفتا أيضا ، عودة ظاهرة ترشيح رجال أعمال فى بعض المواقع الوزارية فى الحكومة الجديدة ، وهو ما أثار جدلا وخلافا فى بعض الوزارات ، فتم الاستجابة لبعضه وتجاهل بعضه الآخر .. لكن فى المجمل يبقى أن حكومة محلب أمامها تحديات حقيقية ، هى ذاتها التحديات التى تواجهنا منذ ما بعد 30 يونيو ، وربما قبلها ، بالذات فى الملفات الاربعة الرئيسية : الوضع الاقتصادى والاجتماعى بالذات مع بدء الاحتجاجات الاجتماعية مرة أخرى بدرجة متسارعة تؤكد ان مطلب العدالة الاجتماعية هو الأولوية الحقيقية فى هذا المجتمع ، والوضع الأمنى ومواجهة الارهاب مع ضمان عدم تحول ذلك لغطاء كثيف لممارسات أمنية بشعة بالقبض العشوائى وتلفيق التهم والانتهاكات العائدة داخل الاقسام والسجون ، ثم ملف الجامعات الذى يحتاج لطرق مواجهة وعلاج مختلفة عن اقتصارها على الجانب الأمنى واستعادة دور للأمن فى مواجهة الطلاب الآن بحجة حماية الجامعة والمنشآت والطلاب وتمتد لاحقا لمصادرة الانشطة الطلابية وحقهم فى التعبير ، وأخيرا ملف ادارة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وضمان أن تكون هذه الحكومة محل حياد كامل تجاه تلك الانتخابات والمرشحين فيها سواء فى الرئاسة أو البرلمان ، خاصة فى ظل تهديدات حقيقية لنزاهة وجدية الانتخابات وتكافؤ الفرص فيها اذا استمر ما نراه من مؤشرات تجلت مثلا فى الاستفتاء على الدستور بدور لأجهزة الدولة فى التوجيه لرأى بعينه .