وجد الإنسان الأول نفسه حائرا يكبله عجزه أمام الطبيعة من حوله، وكان الخوف من المجهول يسيطر على عقله، وكان الغد بالنسبة له يمثل تهديدا على حياته وأمنه، وحين أعيته محاولات البحث عن تفسير للظواهر الطبيعية التى تشكل حياته، أدرك أن ثمة قوى عليا تسيطر على المشهد وتتحكم فى مجرياته، ومن هنا توجه الإنسان للبحث عن رمز ميتافيزيقى، وكان ظهور التدين والبحث عن معبود. وشأن كل فعل إنساني تطور مفهوم التدين وتبلورت معالمه على مدار آلاف السنين، منذ بدأ التدوين لوجود الإنسان على ظهر الأرض وحتى يومنا هذا، ولقد بلغ الأمر بالجماعات الإنسانية إلى تقديم قرابين بشرية على مذابح آلهتهم التى هداهم تفكيرهم لعبادتها، يستوى فى ذلك من عبدوا النار أو الحجر أو الشجر ومن اهتدوا لوحدانية الله الحق المطلق. وكانت القرابين تقدم لإرضاء الآلهة تارة، أو لاستمالة الكهان تارة أخرى ليكونوا وسطاء بين الإنسان وإلهه، ومن العجب أننا بعد كل هذا النضج الذى وصل إليه العقل البشرى – أو المفترض أنه وصل إليه – نجد أن ثمة جماعات تعيش بيننا يسيطر عليها هاجس القرابين البشرية هذا، ونراها تزهق الأرواح وهى تكبر باسم الله! مع أنها تفعل ذلك بغية شياطينهم الكامنة فى نفوسهم المظلمة التى امتلأت حقدا وكرها بعدما تم تعريتها وفضح فاشيتها، ومنذ مشاهد تعذيب المصريين على يد هذه الجماعة الإرهابية عند أسوار قصر الاتحادية فى ديسمبر 2012 بحجة الدفاع عن دميتهم التى كانت موضوعة فى القصر الرئاسى لتحكم باسمهم،ظهرت ساديتهم وتعرت حقيقتهم التى جاهدوا طويلا لإخفائها، ولقد أعادنا مشهد الاعتداء الهمجى من قبل كوادر جماعة الإخوان الإرهابية، على الشرطى الشاب أمام كنيسة عين شمس نهاية الأسبوع الماضى إلى مجتمع القبائل الوحشية التى كانت تسكن الأرض فى العصور المظلمة من تاريخ البشرية، حين كانت القدرة على القتل من أهم مقومات الإنسان حينئذ، ومن الغريب أننا نصف التصرفات الدموية بأنها حيوانية مع أن الإنسان قد بلغ مراتب وحشية أبعد بكثير مما تفعله الحيوانات التى درجت طباعها على هذا السلوك أصلا بسبب السياق الذى يلفها و تعيش وفق شروطه. أحاط كوادر الإخوان بالشرطى الشاب وانهالوا عليه طعنا بالمطاوى والسنج والسكاكين وهم يكبرون ويهللون؟! كيف لا وهم يقدموا قربانا جديدا على مذبح جماعتهم الإرهابية التى اتخذوها إلها من دون الله، لكنهم لم يدركوا أنهم بجريمتهم تلك، وبجرائمهم التى يرتكبونها كل ساعة فى حق الوطن وفى حق المواطن المصرى، يجعلوننا أكثر تصميما على مواجهة جرمهم ومجابهة إرهابهم واستئصال كراهيتهم لكل ما هو خير وحق وجمال، وما شهداء مصر الذين يسقطوا يوميا فى معركة التحرر من ظلام هذا التيار المتطرف إلا مصابيح تضيء لنا الطريق وتحثنا على مواصلة الكفاح والمضى قدما فى سبيل الخلاص من ربقة ذلك التطرف اللعين، الذى نبت فى أرضنا وأمام أعيننا على مدى عقود طويلة،والذى شاركنا فى صنعه بشكل أو بآخر حين صمتنا عنه، وها نحن ندفع ضريبة الصمت.