لاتزال الاتهامات والمكايدة تنهال على حمدين صباحي لقراره بالترشح لمنصب الرئاسة والحقيقة انه ترشح مرفوض من الكثيرين لا لشيء إلا لأن حمدين يسعى للفوز بحق وليس لمجرد طرح أسهم خاسرة في بورصة الانتخابات وهو تصرف بات معتادا في مصر شأنها شأن الكثير من دول العالم الثالث بل وحتى بعض الدول المتقدمة، فحتى الولاياتالمتحدة شهدت في السابق أكثر من مرشح معدوم الفرصة في النجاح يصر على طرح نفسه منافسا لمرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي . أما في مصر فقبل حمدين المرشح المنتحر بسنوات كان هناك صباحي آخر يستبق لقبه حرفي (ال) وكان يدعى أحمد لا حمدين. الحاج أحمد الصباحي مع مراعاة اختلاف التشكيل بين اللقبين كان يختلف جذريا عن صباحي ما بعد الثورة كان رئيس لحزب الأمة الذي لم يسمع به أحد لاقبل الانتخابات ولا بعدها الا في التنازع على كرسي الرئاسة وقت ان كانت الدولة وقتها تمول الأحزاب لدعم وجودها الديكوري ف الحياة السياسية وكانت الرئاسة تعني مغنما ماديا. كان الصباحي يخوض الانتخابات بغرض خسارتها ولا يخجل من اعلان ذلك . ففي عام 2005 طرحت تسعة أسماء لمنافسة الرئيس الأسبق كان ثمانية منهم يعلمون يقينا انهم ما خاضوا هذه الانتخابات الا دعما لخصمهم فيما اسماه مطبلو ذاك العصر – وأغلبهم عاد لمهنة التطبيل مؤخرا- بمنحة الديمقراطية وعرسها . كان المرشحون وقتها عدا واحد منهم حريصين على اجتناب نقد خصمهم او فترة حكمه التي امتدت وقتها نحو ربع قرن بل كان بعضهم أشد من مؤيديه حرصا على الاشادة وكان سبب الترشح معلوما للجميع هو مبلغ الأصفار الستة التي منحتها الدولة لما اسمي بالدعاية الانتخابية التي لم يرى منها المواطن ما يساوي قيمة صفرين. انفرد وقتها أحمد صباحي بقوله (اذا فزت ف الانتخابات- لا قدر الله – فسوف اتنازل للرئيس مبارك)!! وهي عبارة شديدة الغرابة فالرجل يتمنى هزيمته وفوز غريمه بل ويعد بالتنازل له وهو ما لايحق له اصلا. رغم ذلك كله صمتت الالسنة على الصباحي فلا أقلام خاضت في عرضه ولا برامج نالت من أسرته ولا غضب عليه مقدمو التوك شو ليتهموه بالعمالة والخيانة ولا ألمحوا لتسجيلات تنال من شرفه ولم يسمعها سواهم . كل ما سبق من اغتيال معنوي انهال على الصباحي الآخر حمدين الريفي المدني الذي تجرأ دون خجل –حسب رأيهم- فأعلن ترشحه قبيل الأب الجديد للمصريين الذي لم يحسم أمره بعد. لم يكن الغاضبين على حمدين من حملة المباخر دون سواهم بل ان كثير من المصريين يرون في ترشحه عيب وعار ان مجرد فكرة ترشحه في ذاتها تشبه أن يقوم موظف صغير بتحد لمدير المؤسسة أو أن يعارض الابن أبيه .هذه الفكرة المريضة السيئة تعمقت في نفوس قطاع واسع من المصريين جراء أسباب تاريخية ومجتمعية عديدة على رأسها حقبة مبارك. ردد الكثير من الغاضبين أن الترشح طمعا في المنصب وكان المفترض أن يكون المرشح الرئاسي عازما على الخسارة راغبا فيها، ان صباحي الأول يأبى أن يغادر عقولهم بل هو قابع فيها ولسان حاله في أذهانهم (عيب تحاول تقعد مكان أبوك). لم يشفع للرجل تأكيده على دعم أي مرشح ان هو تبنى ما يحقق أهداف الثورة وعلى رأسها العدل الاجتماعي من خلال فريق رئاسي جاد واعتبرها الكثيرين رغبة في القفز على مقعد جديد بعد استحالة الوصول لكرسي الرئاسة، والسؤال: أليس تعاون الخصوم في فريق واحد أمرا عاديا بل ومطلوبا بعد انتهاء المعركة في كافة الديموقراطيات؟ ان ما ذكرته لا يرتبط بشخص الرجلين وانما يرتبط بثقافة غائبة في المجتمع هي حضور المعارضة الجادة الراغبة في السلطة لأجل تحقيق برنامجها ورؤيتها السياسية وهي الحلقة المفقودة في العمل السياسي المصري فالطبيعي بل والمطلوب أن يسعى كل معارض سياسي إلي نقد عيوب خصمه الحاكم ليس بغرض هدم الدولة أو تفتيت المجتمع وإنما بغرض كبح السلطة ومنعها من الجنوح فيكون النقد لأجل الصالح العام دون أن يستتبع ذلك هدما للدولة أو خلقا للعقبات التي تعيق الحاكم عن تحقيق مشروعاته القومية، بل ان المعارضة مطالبة بدعمه في حالة الخطر المحدق والمعارك المؤثرة دعما للدولة وليس تأليها او تمجيدا لشخص الحاكم هذه الصورة الوسطية الطبيعية غائبة في المشهد المصري كما أن كل أمر وسط هو غائب في بلادنا، فالمعارضة في العقل السياسي عندنا إما مستأنسة تدعم تأليه الحاكم وتعارضه في خجل كما كان الحال في الحقبة المباركية أو هي تسعى لافشال وتدمير الدولة واسقاط الجيش كما تحاول الجماعات الارهابية الآن. نحتاج ان نسلك طريقا طبيعيا وسطا لنؤسس لمشهد سياسي يدوم ولا ينتهي بثورات جديدة ندخل من بعدها في دوامة عدم الاستقرار نحتاج رئيس تحاسبه معارضة تسعى للسلطة بالسبل الشرعية فإذ هي وصلت اليها تبدلت الأدوار فالحاكم المؤله او المعارضة الإجرامية كلاهما أمر لا تستقيم معه أي حياة سياسية في أي مجتمع وينجم عن ذلك أن ينتهي الأمر بالثورات جراء توريث السلطة لحاكم مؤله آخر، او الحروب الأهلية جراء الاستقطاب الناجم عن معارضة التخريب. حفظ الله مصر