"سنودن" و"وكالة الأمن القومي الأمريكية"، لفظان ترددان خلال الفترة الماضية، حيث إن "إدوارد سنودن"كان موظفا سابقا بوكالة الأمن القومي وهي وكالة تجسس أمريكية، وقد سرب العديد من الوثائق السرية التي أظهرت تجسس الأمريكان على زعماء دول العالم، من تصنت على هواتف ورصد إيميلات، من خلال بناء غرف تجسس صغيرة فوق السفارات الأمريكية في عدة دول، ومن هذه الوثاق أيضا، وثائق تجسس على المواطنين الأمريكان أنفسهم، وهذا يعد انتهاكا لخصوصيات الشعب وما تنادي به أمريكا شخصيا من حرية وديمقراطية إضافة إلى وثائق تضم معلومات تتعلق بالجيش الأمريكي ومقدراته العسكرية، الأمر الذي أضر وأغضب قوات الجيش. البداية كانت في مايو الماضي، عندما تقدم "سنودن" بإجازة من عمله، وفي20 مايو، هرب "سنودن" الذي يواجه اتهامات بالتجسس في بلاده، من أمريكا إلى هونج كونج بعدما سرب تفاصيل برامج المراقبة السرية لصحيفتي "الجارديان" البريطانية و"واشنطن بوست" الأمريكية، ثم سافر بعدها إلى موسكو. وفي 21 يونيو2013، وجه له القضاء الأمريكي رسميا تهمة التجسس وسرقة ممتلكات حكومية، ونقل معلومات تتعلق بالدفاع الوطني دون إذن والنقل المتعمد لمعلومات مخابرات سرية لشخص غير مسموح له بالاطلاع عليها. وفي 23 يونيو2013، قالت حكومة هونج كونج إن "سنودن"غادر البلاد، وذلك بعد يوم واحد من تقديم الولاياتالمتحدة طلبا إلى حكومة هونج كونج لتسليمه بسرعة، وألغت جواز سفره، ولكنه تأكد من تسليمه كل الوثائق لصحفيين في هونج كونج، قبل أن يتوجه إلى روسيا، وقد حصل "سنودن" سنة 2013 على جائزة "سان أدامز". وفي إطار الحشد الدولي لمواجهة خطر التجسس الأمريكي علي قادة العالم، كشفت مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة عن مشروع قرار ألماني- برازيلي بالجمعية العامة للمنظمة الدولية، يطالب بوضع نهاية لعمليات التجسس وانتهاك الحياة الشخصية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة، في أعقاب هذه السلسلة من التسريبات. ولم تقتصر تداعيات الوثائق المسربة، على علاقات الولاياتالمتحدة مع حلفائها وخصومها الخارجيين فقط، بل أثارت عاصفة من ردود الفعل الداخلية، واستغل نواب جمهوريون في واشنطن قصة "سنودن" لتصوير "أوباما" على أنه زعيم غير كفء وضعيف على صعيد السياسة الخارجية، واستغلال روسيالأمريكا. ولكن تجاوزت قضية "سنودن" فكرة تجسس دولة على أخرى، بل فضحت دولة تصور نفسها بأنها (فردوس الحرية والديمقراطية)، أقدمت على التجسس على الأعداء والحلفاء والتنصت على هواتفهم المحمولة، وكان أكثرها دوياً التجسس على هاتف المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، إلى جانب زعماء إسرائيل والمكسيك والبرازيل وملايين المكالمات في العديد من الدول حول العالم. وفى مارس الماضي فقط، جمعت وكالة الاستخبارات الأمريكية من دول العالم 97 مليار تقرير استخباراتي، حيث احتلت إيران، المرتبة الأولى بين الدول الأكثر خضوعا للرقابة خلال تلك الفترة، ب 14 مليار تقرير، ثم باكستان ب13.5 مليار، فالأردن ب12.7 مليار، ومصر ب7.6 مليار، فيما جمعت الوكالة 3 مليارات تقرير من الولاياتالمتحدة نفسها. ومما لا شك فيه، أن أزمة التجسس قد أضرت بصورة أمريكا، بعد الكشف عن معايير مزدوجة تجمع بين أمن الشبكة العنكبوتية وبين الخصوصية الإلكترونية، وبعد مضى نحو 6 أشهر على كشف فضيحة التجسس، سلطت قضية سنودن الضوء على 4 عناصر على مستوى اللعبة الاستراتيجية الدولية، وهى العلاقات الأمريكية- الروسية، ونفوذ الولاياتالمتحدة فى أمريكا الجنوبية، وعلاقات الولاياتالمتحدة بأوروبا، والتقارب الأمريكى- الصينى، ولا تزال القضية تشبه كرة الثلج التى تتدحرج وتكبر مع كل يوم تنشر فيه وثائق جديدة. وقد أوصى مجموعة خبراء في الاستخبارات والقانون اختارهم البيت الأبيض بالحد من صلاحيات الوكالة، واقترحوا 46 تعديلا، قبل أن تقرر واشنطن التجسس على زعماء أجانب، كما حذر الخبراء من أن نشاطات الوكالة في إطار الحرب على الإرهاب ذهبت بعيدا، إضافة إلى تحذير قاض فيدرالي من أن نشاط الوكالة في التنصت على مكالمات كل الأمريكيين مخالف للدستور. ومن هنا أكد أوباما أن وكالات الاستخبارات الأمريكية توقفت عن التجسس إلا في الحالات الاستثنائية، من اتصالات قادة الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن زعماء الدول الصديقة يعلمون أنه إذا أراد أن يعرف ما يدور بخلدهم إزاء قضية ما، فسيتحدث معهم على الهاتف واتصل بهم ولن يلجأ إلى المراقبة، وأضاف أن الإصلاحات التي اقترحها ستعطي الشعب الأمريكي ثقة أكبر في أن حقوقه محمية حتى مع احتفاظ أجهزة المخابرات وإنفاذ القانون بالأدوات التي تحتاجها للحفاظ على سلامة المواطنين.