يردد الكثيرون أن 30 يونيو والنظام السياسي المصري أوقفوا مشروع الشرق الأوسط الكبير..مشروع الولاياتالمتحدة لتفتيت المنطقة.. ما هي دلائل هؤلاء على ما يقولون؟ الحقيقة أنه لا يعني اضطرار أمريكا للقبول بالصراع على السلطة بين الجيش وجماعة الإخوان التي كانت تدعمها وما تزال إدارة أوباما، لا يعني وقف للمشروع في المنطقة، فالعراق منقسمة ومتناحرة وكذلك ليبيا وسوريا فضلا عن السودان والصومال، أما باقي الدول ومنها الخليجية فتقسيمها يتوقف على سقوط أنظمتها إذا ما قررت الولاياتالمتحدة ذلك وكان في مصلحتها. مصر شأنها شأن باقي دول المنطقة تم وضع العديد من السيناريوهات لها للسيطرة على قرارها السياسي وكذلك للسيطرة على اقتصادها ونخبتها، وللأسف وجدت سياسات الولاياتالمتحدة من ينفذ هذه السياسات من الداخل منهم من شارك في ذلك إيمانا بوجهة النظر الأمريكية واعتقد أنها في مصلحة مصر ومنهم من له أطماع في السلطة أو مصالح شخصية، المهم…النتيجة دولة مثقلة بالديون الخارجية والداخلية ونسبة بطالة وفقر عالية، وقد اتخذ من الثورة أداة لإظهار الانقسامات داخل مصر والتي كان أساسها الدين سواء بين المسلمين والمسيحيين أو بين المسلمين بعضهم البعض… منها ما نجح على الأرض ومنها ما لم ينجح. ولكن الثابت هو أن أساس الصراعات سياسي وليس ديني… فوجود جماعة مثل جماعة الإخوان وصلت للسلطة ثم أجبرت على تركها من الشعب والجيش يدفع أمريكا للعمل على إذكاء هذا الصراع لتستخدمه للضغط على النظام القادم مهما كان مسمى رئيسه، فالتيار الديني والجماعات الإرهابية ستكون احد تحديات النظام القادم… ومن ثم الحرب على الإرهاب يجب ألا تطول لأنها استنزاف لمقدرات الجيش من ناحية كما سينظر الشعب لاستمرار هذه الحرب بأن الجيش غير قادر على إنهائها وهذا ما ستلعب عليه المعارضة لتكسب جزء من شعبية النظام القائم والقادم (إذا كان هو نظام 30 يونيو)، كما يجب أن تجد صيغة لاحتواء التيار الإسلامي بشكل يصب في مصلحة النظام وأهداف الثورة. مما لاشك فيه أن الولاياتالمتحدة لا يعنيها من في السلطة في مصر بقدر ما يعنيها من يحقق مصالحها في المنطقة وأهمها أمن إسرائيل وقناة السويسوسيناء…فأمريكا لن تسمح لأي نظام بتعمير سيناء فمازال هناك أطماع لدى إسرائيل وأمريكا فيها… وهذا ما جعلهما يرحبان مرحليا بوجود إرهابيين لإقامة إمارة إسلامية فيها حتى يتسنى لها إقامة الدولة اليهودية لطرد عرب إسرائيل ثم الفلسطينيين من باقي الأراضي إلى مصر. هذه الأهداف قد يقلل من أهميتها الكثيرون في الداخل المصري ويدعون بأن ذلك لا يبرر قهر السلطة القادمة وقمعها للحريات لكي تحافظ على تماسك الدولة، وهنا لابد من القول للنظام القادم … أنك لن تستطيع وقف المشروع الأمريكي في المنطقة ولكن عليك بإرساء نظام ديمقراطي حقيقي به أحزاب قوية ومعارضة قوية نابعة من الداخل وليس لها ارتباطات خارجية ووضع برنامج اقتصادي يمكنه وضع مصر على المسار الصحيح. إذا لم يدرك ويقدر النظام القادم كم التحديات الخارجية والداخلية التي ستنجم عن قمع الحريات والنيل من أهداف الثورة… فهو إلى زوال… فضلا عن أنه يعمل على بناء معارضة هدفها إسقاطه ليس إلا والمناخ الداخلي يهيأ لذلك من قبل شعب تحركه عواطفه ووعيه الفطري ورغبته في الحياة… فالمنقذ من وجهة نظره اليوم سيكون ضده غدا… والمشكلة هنا تكمن في أن الساحة المصرية لا يلعب بها فاعل واحد وهو النظام كما اعتقد نظام مبارك ولكن يوجد فاعلين إقليميين ودوليين مصالحهم متضاربة وقادرة على إحداث فوضى عارمة في كل أرجاء البلاد. فمن يقرأ نتيجة الاستفتاء على الدستور يستطيع الخروج بنتائج كثيرة، أهمها العزوف السياسي من قبل محافظات الصعيد المهمشة اقتصاديا والتي تمثل قنبلة موقوتة لأي محاولات للانقسام والفيوم ومرسى مطروح التي يسيطر عليها تيارات إسلامية والتي يمكن عزلها عن مصر. على الجميع أن يعي…أن النظام القادم …مرحلة في مشروع الشرق الأوسط الكبير… سوف تستطيع أمريكا أن تستفيد من وجوده لتحقيق مصالحها في المنطقة… علينا نحن أن نحدد بوصلة وطننا ونعلم أن ما بعد النظام القادم ليس معلوما لنا… ولكن علينا أن نعمل عليه جيدا… مصر دولة ليست مؤثرة اقتصاديا ولكنها ملهمة للمنطقة بأكملها…ولعل ما حدث بها من سقوط التيار الإسلامي بها دفع النظام السياسي في تونس إلى التراجع المرحلي خطوة للوراء لإقرار دستورها، وبمجرد تمكن هذا التيار أكثر من السلطة سوف يجرى تعديلات عليه رغم أنف التيار المدني فيه. ومن ثم علينا أن نقدم للمنطقة نموذجا ديمقراطيا بخلاف نموذج إسرائيل التي لا ترغب في وجود دولة ديمقراطية مثلها في المنطقة، لتحافظ على تميزها وتستمر في جذب التأييد والمساندة الغربية، ومساندة أمريكا التي تريد السيطرة على العالم وتأخذ من منطقة الشرق الأوسط نقطة انطلاق لتجزأته لنقل عدوى التفتيت إلى آسيا، حيث القوي الصاعدة المتوقعة وخاصة الصين وروسيا والهند والتي تريد إضعاف اقتصادياتها وإنهاكها بالصراعات الداخلية. على النظام القادم أن يعي خطورة اللحظة التاريخية التي نعيشها ومقبلين عليها بناء على المعطيات السابقة، وتكون نقطة انطلاقة التغيير الشامل داخليا وإرساء نظام ديمقراطي في مصر، يكون قادر على رأب الصدع الذي أحدثه التيار الإسلامي فيها منذ قيام ثورة مصر المجيدة 25 يناير ووقف مخططاته المستقبلية للعودة للحكم.