كان فكر وطريق ونضال جمال عبد الناصر، بل وكانت ملحمة نضاله كلها: "في سبيل الحرية". الحرية السياسية أي الاستقلال الوطني، والحرية الاجتماعية أي الكفاية والعدل الاجتماعي، ومهما كانت المعارك والتضحيات في سبيل هذه الحرية. واللافت أن "في سبيل الحرية" كان عنوان الرواية المشهورة التي كتبها جمال عبد الناصر وهو لا يزال بعد شاباً يافعاً، مما يعبر بقوة عن شواغله وهمومه المبكرة، وأنه "مثقف وطني ثوري" بحق في خضم الحركة الوطنية المصرية.. وليس كما قال الحمقى: "عسكر"، أو أنه أسس "حكم العسكر"!. وهكذا خاض جمال عبد الناصر معارك حرية مصر وأمتها، وإجلاء الاحتلال البريطاني الذي دنس التراب الوطني لأكثر من سبعين سنة (منذ 1882). وهكذا خاض جمال معركة تأميم قناة السويس التي حفرها المصريون بالسخرة واختلطت بدمائهم، لتصبح في 1956 شركة مساهمة مصرية، ولتنتزع من القوى الاستعمارية كحق مصري خالص. وهكذا خاض جمال مقاومة عدوان القوى الثلاث، على بورسعيد المقاتلة وعلى شعب مصري باسل قاوم في كل موقع، التحم بقيادته الوطنية الثورية وزعيمه الجسور الشاب، ومعه الشعب العربي وأنبل من في الإنسانية في كل مكان!. وهكذا خاض جمال معركة بناء السد العالي، أعظم مشروع هندسي في العالم في القرن العشرين وأعظم ملحمة بناء في تاريخنا الوطني، كجزء وذروة من ذرى معارك العدالة الاجتماعية والحرية السياسية والاجتماعية في آن!. وقد انتصر جمال عبد الناصر في كل هذه المعارك. وكان طبيعياً أن يحتشد تحالف "أعداء الحرية" محلياً وإقليمياً ودولياً وأن يعدوا العدة ويحكموا المخططات، للإجهاز على مشروع ناصر التاريخي الكبير، الوطني التنموي، فكانت عملية العدوان الاستعماري الأمريكي الصهيوني في 1967. ونقول "الأمريكي" قبل "الصهيوني"، لأنه لولا دور وتدبير البيت الأبيض ورئيسه جونسون والبنتاجون وسي آي إيه، والدعم الأمريكي غير المحدود كقوة استعمارية وعظمى، لما تمكن الطرف الصهيوني من شئ، مهما كانت الأخطاء من جانبنا. ولقد كانت هناك أخطاء حقيقية على ناحيتنا: لكن لم تكن بالأساس في جبهتنا الداخلية (على طريقة سيناريو "العصفور" للطفي الخولي في فيلم شاهين!)، ولم تكن حتى في قواتنا المسلحة، ولا حتى قياداتها التي كان معظمها بالفعل على كفاءة عالية، وإنما فحسب في "ثنائية عامر بدران"، خاصة في لحظة انفرادها بقرار الانسحاب في 7 يونيو (لذلك هي في اعتقادنا نكسة 7 يونيو!)، وإذا كان جمال عبد الناصر قد حمل نفسه: "المسئولية كلها"، ففي رأينا هي على التحديد أو في حدود مسئولية سياسية عن وجود تلك الثنائية أو بالأحرى استمرارها.. وإن كان لذلك أسباب حقيقية نعرف أنها تفسر، لكن نعترف بأنها لا تبرر!. ومع ذلك فقد قاوم القائد النبيل الجريح واستبسل، وأعاد بناء الجيش ليصبح في أقل من ثلاث سنوات على أحسن مما بلغه الجيش المصري في تاريخه الحديث كله، وشن حرب الاستنزاف العظيمة، أطول حرب ضد العدو الصهيوني، كفاتحة وتجهيز شامل للعبور والتحرير، وقد كانت هذه السنوات الأخيرة (قبل استشهاد جمال عبد الناصر: في سبيل الحرية)، هي أمجد ثلاث سنوات في حياته ومن أمجد الملاحم الوطنية في تاريخنا القومي. ونقول: كان طبيعياً أن يحتشدوا، ويعدوا العدة ما وسعتهم القوة والغدر للإجهاز على مشروع جمال عبد الناصر الكبير، التحرري الوطني التنموي. لأنه كان مشروعاً قومياً: بكل معنى الكلمة!. ولأنه كان تأسيساً وانجازاً ل "نهضة": بجد!. ولأنه كان نضالاً من أجل الاستقلال.. و"في سبيل الحرية": بحق.