دائمًا ما رأى العالم الفرنسي الراحل «أندريه بارنيو»، المتخصص في الشرق الأدنى القديم، «سلفادور دالي» التناقض مجسدًا، والتحدي مشخصًا، كما كتب مقدمة مؤلفه «أنا والسوريالية». في مثل هذا اليوم، رحل عن عالمنا «سلفادور دالي»، وبالتزامن مع الذكرى ال25 لوفاته، تقرأ لكم البديل في مقدمة "بارنيو" عن الكتاب الصادر ضمن سلسلة كتاب "دبى الثقافية"، بترجمة أشرف أبو اليزيد. يقع الكتاب في 330 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن تسعة عشر فصلاً، منها: «الحياة مع الموت، ذكريات المرء مع أبيه، كيف ترقى بالنزوة حتى تشكل نظامًا؟، كيف يكتشف المرء عبقريته؟، كيف تكون شهوانيًا وتظل عفيفًا فى آن واحد؟، كيف تصبح سورياليًا؟، كيف تمتلك البارانويا النقدية؟، كيف تقرأ لوحات دالى؟، كيف تحكم عل بيكاسو، ميرو، ماكس إرنست وبضعة فنانين غيرهم؟، كيف يفكر دالى فى الآخرين». ويقول أندريه بارينود فى مقدمته للكتاب: هذه قصة دالى، وإذا تحدث بطل القصة بضمير المتكلم فهذا أسلوب متعارف عليه، ودالى لم يقل أبدًا "أنا" بالفرنسية دون أن يعنى "اللعب"، و"أنا" الخاصة به تعنى جميع حيل العين، دالى هو كلا من نعم ولا، إنه التناقض مجسدًا، والتحدى مشخصًا، فعندما يستعمل "أنا" فهى لا تعنى فقط دالى الذى يتكلم ولكن أحد "الدالات" المحتملة لقد عرفت وسمعت من بين آلاف الآخرين المتجسدين فيه. ويتابع: ولو أن نيتشه عرف دالى لأحس أنه قد وجد فيه نوع من السوبرمان "الزرادشتى" وذلك فى قوة إرادة دالى وفى محاولته المستمرة ليتفوق بنفسه، وفى وضوحه الفائق وتحديه الدائم للموت، وللأخلاقيات، وللمؤسسات، وللناس التاريخ كما ورد إلينا فى الأدب أو الأساطير الثابتة يعرض لنا أمثلة قليلة من الوجود الذى يؤكد نفسه دون خجل، فى أقصى الإفراط وبأحد الذكاء ليبلغ هذا الهذيان المنساب فى أعلى نوباته، وتتعدد المجالات، فظاهرة دالى نموذجية، كفنان واسع الموهبة، وكسيكولوجى عظيم، وكمفكر موسوعى، الرجل المدهش ونجاحه المجيد، بعد عشرين عامًا كرستها لعلاقتى معه لا أزال شغوفًا به كما كان شغفى فى أول يوم. تتبع «بارينود» العلامات الرئيسية وآثار فكر "دالى" المدهش من خلال كتاباته، ومذكراته وشهادات المقربين إليه وأصدقائه والمحادثات، والمقابلات المسجلة على الأشرطة، والأبحاث، وتم الاستعانة بكل تقنيات التحليل لعرض آراء "دالى" فى سياقها الصحيح وفى إطارها المرجعى. ويوضح "بارينود" التواريخ والوقائع بالنسبة ل"دالى" ليس سوى فرص لترجمة الحاضر وخلق المستقبل ووفق مبادئ منهجه فى البارانويا النقدية التى تتيح التجربة التلقائية لعدد من الحاضر فى موقف معين أو استدعاء العدد من الصور المختلفة وفق قدرات المرء التخيلية وما توحى به. يذكر أن سلفادور دالى (11 مايو 1904 – 23 يناير 1989) فناناً إسبانياً كاتالانياً، ويعد من أشهر رسامى القرن العشرين، كرسام بارع، يعرف أكثر لأعماله السريالية المميّزة بصورها الغريبة الشبيهة بالأحلام، ومهاراته التصويرية تكون منسوبة فى أغلب الأحيان إلى تأثير سادة عصر النهضة، ووجد ذوقه الخاص حوالى عام 1929 وتأثر بالنظريات الفيزيائية فى عصره حيث نجد الساعات المنصهرة المرتخية علامة على نسبية الزمن، والزرافات المشتعلة. أكمل عمله الأشهر (إصرار الذاكرة) فى عام 1931، بالإضافة إلى الرسم تضمّنت ذخيرته الفنية الأفلام، والنحت، واحتلت زوجته جالا مكانا كبيرا فى حياته وأدخلها كعنصر أساسى فى كثير من لوحاته.