بعد إعلان اللجنة العليا للانتخابات نتيجة الاستفتاء على تعديلات الدستور، وفى ضوء الأرقام المعلنة، يتجدد التساؤل الملح: ماذا بعد؟. وفى عجالة سريعة، وبقدر ما تسمح به حيز هذه المقالة، يمكن القول بأن ثمة استحقاقات تفرض نفسها على المشهد السياسى، وتتوافق مع ما هو منصوص عليه فى خريطة الطريق. وحسناً فعل رئيس الجمهورية المؤقت، بإعلان أن الإنتخابات الرئاسية ستكون فى شهر مارس المقبل، مقدمة على الانتخابات التشريعية . وفى هذا السياق، أرى أهمية أن تكون منافساتها تعددية، بصرف النظر عن ترشح الفريق السيسى من عدمه، فإذا حسم أمره، بالترشح، يكون مواطناً عادياً، شأن غيره، ينتخبه من يريده، وله فى ذلك مبرراته، و ينتخب غيره من المرشحين الآخرين، وله فى ذلك أيضاً مبرراته. ويتوجب على كافة وسائل الإعلام مراعاة تكافؤ الفرص بين المرشحين كافة، وتجنب " زفة " التسخير لصالح مرشح بعينه، وتترك لعامة الشعب الفرصة الكافية لمعرفة برامج المرشحين كافة ، وفريق العمل الذى يعتمده كل مرشح لمساعدته فى تجسيد هذا البرنامج على أرض الواقع ، والذى أرى أن يكون متوافقاً ومجدسداً لاهداف ثورتى 25 يناير و 30 يونيو ، والشعارات الرئيسية من حرية وكرامة انساتية وعدالة اجتماعية وتغيير، خاصة مع تزايد حجم التوقعات الجماهيرية فى إحداث تغيير ملحوظ ، وحتى لو كان تدريجياً ، فى نوعية نمط حياة الناس ، والأولويات العاجلة والملحة، وفى ضوء الأمكانيات المتاحة ، وحتى لا تحدث أزمة إخفاق هذه التوقعات، وخاصة للفئات المهمشة والطبقة المتوسطة المطحونة ، والتى تزيد معاناتها يوماً بعد يوم . وبطبيعة الحال، وفى ضوء المدة الزمنية المتوقعة ما بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، والتى لا تتجاوز ستة شهور من تاريخ الموافقة على تعديلات الدستور ، يتوجب بداية إجراء تغيير وزارى شامل للحكومة الحالية ، بحيث يخرج منها من تفرض تحديات المرحلة الراهنة خروجه ، ويبقى فيها من يستطيع معالجة هذه التحديات . وحيث أن الشعب المطحون لا يملك رفاهية هدر الوقت ، يجب ان تدرك هذه الحكومة الجديدة أنها ليست " حكومة الوقت الضائع " ، بل حكومة تأسيسية تضع البرامج والسياسات لمرحلة ما بعد الثورة ، وبما يتوافق مع شعارات هذه الثورة ، وبطبيعة الحال ، يتوجب تمثيل شباب الثورة فيها بصورة ملموسة ، سواء ، على صعيد الوزراء ، أو نوابهم ، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة وما لعبته من دور ايجابى فى كافة التطورات السابقة والقادمة ، وبالمثل المصريون الأقباط ، ولتكريس مبدأ المواطنة . ومما له صلة ، يتوجب على الرئيس المؤقت أن يبادر بإصدار قوانين تفرضها طبيعة المرحلة ، خاصة المتعلقة بالانتخابات وكيفية أن تكون . وبالمثل ، يتحتم على الجهات المسئولة ، بعد الطرح للحوار المجتمعى ، تحديد المواد المثيرة للجدل والمختلف عليها ، توطئة لعرضها على البرلمان المقبل لتعديلها . وفى السياق نفسه ، وفى ضوء النسبة المتدنية للغاية ، لتصويت المصرييين بالخارج ، وهذا موضوع مقالتى المقبلة باذن الله ، يتوجب وضع كافة الصيغ للتغلب على هذه العقبات التى تحول دون مشاركة هذا القطاع من الشعب ، والذى لا يستهان بتعداده ، على الأقل لرفع نسبة المشاركة الشعبية من جملة من يحق لهم التصويت ، والذين تتراوح أعدادهم ما بين 10 – 15 مليون مصرى فرضت الظروف المعروفة للكافة تواجدهم بالخارج ، لم يصوت منهم فى الاستفتاء الأخير سوى 800 ألف مواطن فقط !!! فى مشارق الأرض ومغاربها . كذلك حالة الفئات العمرية الشبابية التى تدنت نسبة مشاركتهم إلى حدود غير مسبوقة ، وهم الحاضر والمستقبل كله ، ولا يعتد فى ذلك بمقولة تزامن الامتحانات مع التصويت ، بما يفرض فتح حوار واسع وايجابى معهم ، عبر ممثليهم ، لمعرفة أسباب إحجامهم عن المشاركة ، ووضع الحلول الكفيلة بترضيتهم . فليس من المعقول لثورتين قامتا على اكتاف الشباب ، من الجنسين ، أن يتوارى هؤلاء جميعا عن مشهد الإستفتاء بهذا الشكل ، خاصة بعد تعرض النشطاء منهم للحبس، والتشوية المتعمد، مما يفرض سرعة تقديم ما يدين البعض منهم ، والمبادرة بإطلاق سراح من لم تثبت إدانته . وفى التحليل الأخير، وبتكرار أن البلاد لا تملك رفاهية هدر الوقت والجهد ، ولتفويت الفرصة على قوى الثورة المضادة والمتربصين بالبلاد، يتوجب سرعة معالجة هذه الاستحقاقات العاجلة ، وغيرها ، بقرارات حازمة وقوية ، بعيداً عن الأيادى المرتعشة، فى سياق سياسات وبرامج تتوافق مع طبيعة المرحلة الهامة من تاريخ البلاد، حتى يستشعر المواطن العادى أننا نعيش فى خضم ثورة أبهرت القاصى والدانى، ومن باب أولى أن تبهر، بالعمل، وليس بالتصريحات وحدها ، المواطن العادى الذى هو الظهير الحقيقى لجعل الثور مستمرة، وحتى تحقيق كامل أهدافها ، حتى وإن طال السفر بعض الوقت.