يأتى هذا التساؤل الحائر والمزمن – على آلسنة وفى عقول الكثيرين – فى الاتجاه المعاكس، وعلى النقيض مما حققه الشعب المصرى الاسطورى من ثورتين فى عامين: 25 يناير، و30 يونيو !!، وهى أسطورة غير مسبوقة لدى دول العالم، وكتعبير عن حالة الضبابية والارتباك فى المشهد السياسى الراهن، وحالة المرواحة فى المكان، بل التقهقر للخلف. ونقطة الارتكاز فى تلك المحاولة الأولية، تتمحور حول الإشكالية الرئيسية: ثورات بدون حكومات ثورية!!. وبداية، لا أقصد الشخوص، ولا المزايدة على وطنيتهم، أو النيل من تاريخهم، وانما القصور لدى غالبيتهم عن امتلاك، فعلاً وقولاً، لرؤى وسياسات ثورية تتوافق وتنسجم مع خصوصية حالة الثورة، وما واكبها من زخم جماهيرى وشعبى مؤيد لحدود غير مسبوقة، وقادر على تحمل تبعات أى مرحلة انتقالية محدودة، شريطة امتلاك البوصلة الحقيقية للوصول بسفينة هذة الثورات إلى بر الأمان، واستعادة الحياة الطبيعية لشعب حالم بمستوى حياة أفضل، ورؤية الأهداف الرئيسية لثورتى 25 يناير، و30 يونيو: عيش ، حرية، وعدالة اجتماعية، متجسدة على أرض الواقع، أو على الأقل، وضوح الرؤية لكيفية تجسيد ذلك، ولو بعد حين. وفى الوقت الذى ثار فيه جموع الشعب على استبداد حكم الرئيس المخلوع، مبارك، وفساد نظامه، وتجريفه للحياة السياسية، ثم على استبداد من نوع جديد فى عهد الرئيس المعزول، مرسى، ومسعى إقامة حكومة دينية، مهما كان زيف الشعارات المطروحة، لا تتوافق مع الخبرة التاريخية لنسيج ومكونات الوطن الواحد، غابت الأهداف الوطنية العليا، لصالح أهداف تنظيمية لجماعة واحدة، تتصادم بشدة وقوة، مع ما تتطلع، وترنو إليه، غالبية الشعب. والحقيقة، أن الجميع يتحمل المسئولية، حتى بدرجات متفاوتة، عن الوضعية التى وصلت إليها البلاد، خاصة، الشعب، والنخبة، وعدم ممارسة الضغط والرقابة الشعبية، عن وضع خريطة طريق فعلية تتوافق وتضع الأساس لمرحلة استقرار حقيقى، تتوافق مع آليات تجسيد شعارات الثورة. ودون الدخول فى التفاصيل، فقد بات من الضرورى إستقالة الحكومة الحالية، المرتبكة والمرتعشة، والتى هى بالفعل "حكومة الوقت الضائع" لشعب لا يملك رفاهية هدر الوقت. وفى المقابل، حتمية حكومة ثورية فعلية، ليس على مستوى الشخوص فحسب، وانما الرؤية والبرامج والسياسات، لتحقيق جملة من الأهداف فى مرحلة زمنية محددة. ويتوجب على حكومة الثورة المقبلة، والتى بحكم التعريف، ستخرج من معسكر الثورة الحقيقى، أن تتوافر لها القدرة، والإرادة السياسية، التواصل والانفتاح على كافة أهل الخبرة والاختصاص فى مصر، وهم كثرة، تدرس بعمق، مقترحاتهم وتوصياتهم، القابلة للتنفيذ السريع، كما يتحتم عليها أن تضع فى صدارة أولوياتها، السعى الجاد لعودة الأمان فى الشارع المصرى، بتكثيف التواجد الأمنى وكفالة الحقوق والحريات الشخصية، ومواجهة قوى الثورة المضادة بحزم، ووفق القانون واحترامه، وقطع الطريق على من يحلمون بعودة النظام المعزول، ومبادرة وزارة العدل بإيجاد محاكم خاصة، وليست استثنائية تربطها وحدة الموضوع لسرعة الفصل فى القضايا. وبنفس درجة الأهمية، إيلاء التعليم والصحة الأهمية الواجبة، من خلال برامج التطوير لكافة عناصره ومراحله وتحسين مستوى الخدمات المقدمة منهما لانهما نقطة إركاز ذات أهمية قصوى يصب مخرجاتها مباشرة لصالح المواطنين، وكذلك التواجد الأمنى فى مناطق السياحة وعودة الحياة فيها، حتى يشعر من تضرروا أن مصلحتهم فى الاستقرار وديمومته، فيكونوا الظهير الأكبر فى حمايته والدفاع عنه. ومما له صلة،إحكام الرقابة والمتابعة لأسعار السلع الضرورية لعامة الشعب، خاصة ذوى الدخول المحدودة. وفى هذا السياق، يتوجب حل مشاكل ومعاناة القطاع الزراعى، وكفالة وصول السلع من المنتج للمستهلك مباشرة وهو ما يفتح المجال لفرص عمل لشركات جديدة صغيرة تنجز هذه المهمة، عطفاً على إصلاح حقيقى لأوضاع الجمعيات التعاونية الزراعية ودورها فى تزويد الفلاحين بالأسمدة والبذور التى تزيد من غلة الفدان ، وتيسير أوضاع الفلاحين المتعسرين كما يتوجب حل مشاكل المتعسرين فى قطاع الصناعة وجدولة ديونهم، بما يزيد من القدرة على تدفق منتجاتهم ، وتشجيع الأستثمار بتوفير محفزات له. ومن شأن ذلك أن يكفل الحد الأدنى لعجلة الانتاج للدوران ، وما يتبعه ذلك من عودة الحياة لقطاعات أخرى ، وسط السعى لخلق ثقافة شعبية بأن الخروج من النفق المظلم لاوضاعنا الراهنة لا سبيل سوى بمزيد من العمل والانتاج، ومن ثم تحسن الأوضاع، سواء على صعيد المواطنين، أو المجتمع ككل. تلك الملامح العامة والعاجلة، دون إدعاء بمعالجة الصورة الكاملة ، بمختلف زواياها، فذلك حديث أخر لكل زاوية على حدة، عبر حوار ونقاش عام، بكل موضوعية وشفافية، حاولت فيه التأكيد على أن سبيل الخروج ممكن وينبغى معرفة البوصلة الفعلية التى تمكن البلاد من بلوغ شاطئ الأمان، والمضى فى الاتحاه الصحيح لتحقيق شعارات الثورة من عيش وحرية وتغيير وعدالة اجتماعية, وتلك مسئولية وطنية مقدسة على الجميع المشاركة فيها وعدم التهرب من تحمل تبعاتها. ولن نمل من ترديد أن الثورة لسة مستمرة.. ثورة حتى النصر .