ألقت قوات الامن القبض على قيادات «الصف الأول» من قيادي جماعة الاخوان المسلمين, «الطرف الثالث» اندس بين الثوار وتسبب فى اندلاع الاشتباكات بين الثوار والأمن, فلان «طابور خامس» وثورة مضادة.. كل ما سبق عبارات ومسميات ترددت على مسامع المصريين مئات ان لم يكن ألاف المرات على مدار الثلاث سنوات الماضية والتي لم تكن افضل سنوات الوطن الذي تعرض لهزة قوية فى كل ثوابته ومفاهيمه ودمرت خلالها كل الخطوط الحمراء وأصبحت الفوضى سبيلاً, والتنظير منهجاً. منذ أن بدأت ثورة يناير, وبدأ معها مصطلحات لم تكن لتتردد على مسامع المصريين من قبل, وربما حتى بعدما ترددت مثل هذه المصطلحات لا تزال غريبة او غير مفهومة عند غالبية الشعب المصري, ولكنها الثورة تأتي بالمخلصين ولكن ايضاً تأتي بنخبتها وافاقيها وأحداثها ومصطلحاتها السياسية والشعبوية, فمنذ بدأت ثورة يناير كانت الكلمة تردد هنا أو هناك من اعلامي معروف أو ناشط سياسي ما أو أحد الشخصيات العامة فتسري كالنار فى الهشيم, في الأحداث الاولى كانت هناك بعض المصطلحات مثل «جمعة ال ……..», «مليونية ال ……. », «فلول», وكان من الممكن ان تلصق كل المفردات باسم مبارك فى النهاية لتبدو مثقفاً امام الجميع , فكان من الممكن ان تقول «داخلية مبارك» , أو «قضاء مبارك» وغيرها من المصطلحات الاخرى , وبعد فترة اصبح مصطلح «عسكر» يتردد فى جميع الاوقات والمناسبات حتى انك من الممكن ان تقول لأحدهم صباح الخير فيرد : يسقط حكم العسكر , والأخير بالمناسبة مصطلح ظهر قبل تولي الاخوان السلطة , اختفى بعد وصولهم للحكم , عاد للحياة بعد عزلهم من السلطة وهو ما يشير بوضوح من روجه ولأي غرض . فى الفترات اللاحقة انتشرت عدد من المصطلحات الجديدة مثل العدالة الانتقالية, الحكومة الانتقالية, البرلمان الانتقالي, كل الاشياء اصبحت انتقالية حتى الان لدينا رئيس مؤقت انتقالي, ونعيش فى مرحلة «خارطة الطريق» الانتقالية, بعد خلع الرئيس الإخواني الانتقالي والآن ونسعى لانتخاب رئيس جمهورية وبرلمان أخشى ان يكونوا انتقاليين أيضاً. من بين مئات المصطلحات التى مرت على اذاننا خلال الفترة السابقة, اعتقد ان المصطلحات المرقمة تعلق بالإذن كثيراً, فالمصريين يحبون الارقام ولعل ذلك تفسيراً للعبة الارقام الشهيرة التى انتشرت فى الاونة الاخيرة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك», اختيار يوم 25 كان رقماً اختير ليخلد, واختيار 30 يونيو رقم اخر اختير كسابقه, و6 ابريل عام 2008 كان نقطة فاصلة وكاشفة, وجماعة 6 ابريل كانوا من أشهر الحركات وأكثرها تشوهاً فكرياً بل وان بعضهم عليه من علامات الاستفهام ما تكفي لإدانته ضمنياً دون انتظار أحكام القضاء, كما هناك أرقاماً اخرى تتمثل فى كلمات مثل الصف الأول, والميدان الثالث, والطرف الثالث, والطابور الخامس, واليوم السابع, وغيرها الكثير. في الحقيقة ما أحاول الاشارة اليه هنا, ان مصر غرقت فى حالة من التنظير من الصغير والكبير, المفكر والجاهل, الصادق والكاذب ,حالة مذرية من التنظير والتكاسل والإهمال وصلت الى ذروتها فالجميع يتحدث فى كل شيء وفي اي وقت, الجميع يزين كلامه ببعض المصطلحات ليعطى نفسه هاله من الثقافة الزائفة , حتى ان بعض من هؤلاء المنظرين من كثرة تزيينهم للكلام وإجادتهم له اختيروا فى خلال حكومات متعاقبة لتولي مناصب ومسئوليات كبرى تجاه هذا البلد فاكتشفنا انهم مجرد بائعي الكلام والمنفصلين كلياً عن الواقع , ولذلك اصبح لزاماً عند اختيار الوزراء والحكماء الذين سينقذون هذا الوطن مستقبلاً أن نختار اشخاص ذوى خبرة ورؤى واضحة حتى وان كانوا مغمورين اعلامياً, أشخاص أكاديميين على مستوى علمي وعالمي, يجب ان نستفيد من تجارب الدول الناجحة قدر الامكان, كما يجب الابتعاد عن الاشخاص الذين يوصلون الليل بالنهار فى التنظير على شاشات التلفزيون فهؤلاء اثبتوا فشلهم مراراً, هؤلاء صنعوا قوالب جاهزة للتنظير واحترفوا ذلك فقط , يمكن حتى التوقع بكلماتهم ففى الحوادث الطائفية يجب ان يضع الجميع كلمة «النسيج الواحد» في جملة مفيدة, فى الحوادث الارهابية يجب ان تندد ب «الإرهاب الاسود», فى حالات الاهمال الحكومي يجب ان تبدأ بيانك الصحفي بالمطالبة «برحيل الوزير» دون وضع اى بديل أو خطة, عند اثارة مشكلة اطفال الشوارع يكفي ان تتكلم كثيراً وتضع فى كلامك جملة «انهم ضحايا المجتمع», وفى كل الحالات اذا تم القبض على احد المشهورين ابدأ كلامك بكلمة «الحرية ل ..» حتى دون ان تعرف ما التهمة الموجهة اليه , وعلى هذا الحال دائماً. اختتم حديثي ببيت شعر لعمنا الراحل فاد نجم يقول فيه: يعيش المثقف على مقهى ريش.. يعيش يعيش يعيش,, محفلط مزفلط كثير الكلام,, عديم الممارسة عدو الزحام,, بكام كلمة فالصو,, وكام اصطلاح.. يفبرك حلول المشاكل اوام , يعيش المثقف.