بعد الثورة ظننت بأهل مصر خيرا ومازلت أحسبهم على خير ولكن هناك أناس مهما تغيرت الدنيا من حولهم فطباعهم ونفوسهم تظل كما هى تعشق البقاء فى مستنقعات الحياة لا تريد ابدا ان تحرك ساكنا وتطفوا على السطح فكما يوجد فى قيعان البحار اللآليء والدرر يوجد أيضا في مستنقعات الحياة الجيف والرمم. وشتان بين الأولى والأخيرة عندما قامت فى مصر ثورة مرت على الناس وكأنها عروس بحر خرجت تلوح لهم بأن يوم جديد قد أشرقت شمسه ولكن ظن هؤلاء وهم فى قلب المحيط يصارعون أمواجه العاتية وقد أوشكوا على الهلاك بأن تلك الفتاة خرجت لتذكرهم فقط بأنهم مازالوا أحياء. ولكنها فى حقيقة الأمر القت إليهم بطوق النجاة ولكنهم لم يحسنوا استغلال الفرصة ظنا منهم بأن طوق النجاة أصغر من أن ينقذهم فهم الآن فى انتظار سفينه تمر عليهم لتحملهم جميعا إلى بر الأمان . ولكن أى أمان يظن هؤلاء الواهمون أنه ينتظرهم وأى سفينة تلك التى تمر عليهم وظلام الليل حالك ولكن يبقى الأمل فى بصائر بعضهم لترى نور الحق ولا أقول ابصارهم. أعتذر أعزائي القراء، فكلماتى السابقة هى مقدمة لما هو آت ربما تكون قد مللت ولك الحق ولكن انتظر ربما تتعجب من سلوك بعض من نظنهم أنهم اصحاب ضمائر. هو رجل فى أواخر الثلاثينيات يملك مطعم شعبى فى إحدى المناطق الراقية فى قلب القاهرة كان يذهب دائما الى ميدان التحرير كل يوم جمعة كان يتحدث عن الثورة وكأنها ابنته التى جاءت على كبر بعدما فقد الامل فى الإنجاب. كنا نعده من المثقفين بفطرتهم رغم تعليمه المتوسط كنت أحيانا أتحدث معه عن مستقبل مصر ومصير كل من ظلم الشعب المصرى وهم خلف القضبان الآن. كان يجيبك وكأنه العقاد فى زمانه أو ابن المقفع فى بلاغته كنت متفائلا جدا لوجود أمثاله من الطبقة شبه المعدومة رغم أنه يملك مطعم الا أنه متوسط الحال فقد جاء من الصعيد برفقة بعض أصدقائه للبحث عن لقمه العيش . ومنذ يومين وانا كعادتى كل صباح أمر من أمام المطعم، فألقى عليه السلام وإن اتسع الوقت تجاذبنا أطراف الحديث عن ما آلت إليه الأحوال فى مصر. ولكن مر يومين ولم أراه فاستغيبته وسألت عنه أحد العمال فى المطعم فقال لى إنه عاد إلى بلدته ليجهز لخوض انتخابات مجلس الشعب . فسعدت بهذا الخبر ودعوت له ولكن كانت الكارثة عندما أكمل الرجل وقال لى إن هناك حزبا جديد قد انشئ وصاحبه ((فلان )) عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطنى 2010 عن دائرة البساتين وصاحب أكبر مجموعة شركات بترول. لم يكمل الرجل حديثه وإذا بى أجد نفسى أقف فى حالة من الصمت والإزبهلال والدهشة والسرحان والغثيان . وتذكرت حديثى معه عن هذا الرجل صاحب النفوذ ((وعضو الحزب الوطنى المنحل )) وعن جشعه وسطوته ونفوذه. ووقفت فى حسرة لا أدرى لماذا أقدم على هذا الفعل ؟؟ أليس هو رجل المبادئ وصاحب الكلمات الساحرة ومستعد أن يضحى بنفسه ويقدم نفسه قربانا من أجل أن تنجح الثورة؟؟ أليس هو من قال لى ذات يوم مجازا !! شرف لى أن أحمل الجنسيه الإسرائيليه على أن أحمل كارنيه الحزب الوطنى ؟؟ للأسف هوالآن يضع يده فى يد عدو الأمس نعم عزيزى القاريء، فأعضاء الحزب الوطنى كانوا أعداء الوطن لأنهم رؤوا الفساد وشاركوا فيه ونموه فى المجتمع ومن أعضاء الحزب من يحمل بطاقته ولكنه لايشارك فى أى فعليات ولكنه هو أيضا مشارك فى عداء الوطن بصمته. سقط صديقى كما سقط الحزب الوطنى باع نفسه ومبادئه من أجل حفنة من الجنيهات أعلم أنه لن يصل إلى البرلمان وحتى إن وصل وكسب الجوله فقد خسر نفسه خسر كرامته وضحى بكرامة وطنه من أجل أطماعه وشهواته. لذالك لا تغتر بكل من يحدثك عن الثورة أو يقسم لك أنه أمين عليها لا تنصت الى أقواله فحسب بل انظر إلى افعاله أولا لعلك تجد ما يغير رأيك فيه. فقد آن الآوان لأن نقف مع أنفسنا ولنعلنها صراحة أن ضمائرنا أغلى من الدرر فى قاع البحار فهنيئا لكل شريف فى عصر أصبح الشرف فيه وصمه عار.