بدأ الإخوان استعدادهم للدخول على مشهد إحياء ذكرى محمد محمود مبكرا أو مباشرة بعد فشلهم فى يوم جلسة محاكمة محمد مرسي، فوضعت الترتيبات وفتحت الخطوط الساخنه مع الجماعات الإرهابيه للقيام بأعمال إرهابية متنوعه تصعد من حدة المشهد وتصيب الأجهزة الأمنية بالإرتباك اللازم فى هذا التوقيت، فى اللحظات الأخيرة تخلت جماعة الإخوان عن الحشد الجماهيري فى الشارع ومحاولة إستخدام الحركات الثورية فى إشعال الموقف، وإكتفت بإتفاقات العمل الإرهابي فى مراهنة على الضغط بالدم على معادلة السياسة للخروج بمكتسبات ما تحسن من شروط التفاوض مع النظام السياسي، فى ظن راسخ لديها بأن النظام لن يحتمل أعمال تصعيدية تكشف بأن الأمر خارج نطاق السيطرة وتضع ضريبة الدم فى مقابل الدخول إلى المشهد مرة أخرى. أول العمليات الإرهابية والتى اختير هدفها بدقة بالغة هى عملية إغتيال المقدم محمد مبروك أحد الوجوه البارزة فى جهاز الأمن الوطني وأحد أبناء إدارة مكافحة التطرف والجماعات الدينية، وهى إدارة تمتع بسمعة واسعة وتاريخية فى حربها ضد الجماعات الإسلامية والإخوان طوال سنوات جهاز أمن الدولة القديم، وإستطاعت تحقيق نجاحات ملموسة فى هذه الحرب وحجمت دورها فى أضيق نطاق ممكن وفككت أكثر من تظيم قوي وقادت المراجعات الفكرية ونقلت مشهد الإرهاب الذي كان يواجه الدولة فى حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي إلى مربع المحاصرة والسيطرة واكتسب الوزير حبيب العادلي سمعته الأمنية المدوية من خلال هذا النجاح الذي تحقق بالفعل على الأرض. المقدم محمد مبروك إبن هذه الإدارة وشريك فاعل فى هذا النجاح وإكتسب من الخبرات الثمينة فى هذا المجال ما جعله صيد ثمين إذا أمكن إصطياده، وللأسف نجح الإرهاب فى إصطياد الفريسة فقد تم استهدافه بواسطة مسلحين يستقلون سيارتين، إحداهما صفراء والأخرى حمراء في حوالي الساعة العاشرة مساء وهو يتحرك من منزله بمنطقة الوفاء والأمل بمدينة نصر أمام (السراج مول) متجهًا لعمله مساءً، شهود الواقعة سمعوا أصوات طلقتين في الهواء بعدها تحركت سيارتان قامتا بقطع الطريق على الضابط القتيل وأطلقا عليه وابلاً من الرصاص، 14 رصاصة منهم 7 طلقات في سيارته (رينو كحلي) واخترقت جسده 7 آخرين ولاذوا بالفرار، حاول أهالي المنطقة اللحاق بمرتكبي الواقعة إلا أنهم فشلوا واتجهوا إلى المُقدم القتيل لمحاولة إنقاذه لكنه كان قد فارق الحياة فورا. جميع من كانوا قريبين من مكان العملية أجمعوا بأنه تم اصطياده باستخدام أسلحة آلية فصوت دفعات النيران كانت واضحه فى هذا المكان المزدحم بالحركة، بعدها أغلقت قوات الأمن مداخل ومخارج مدينة نصر منذ العاشرة والنصف مساء الأحد وحتى الرابعة فجر الاثنين، وتواجدت فى أماكن عديدة تشكل دائرة واسعه كمائن شرطية مسلحة تحيط بالمنطقة، حيث سادت حالة من التفتيش الإحترازي لجميع السيارات والمارة ومنع غير ساكني مدينة نصر من الدخول. جاءت سيارة الإسعاف لنقل جثمان الضابط، وسيارة المعمل الجنائي لمعاينة مكان الحادث، وتواجدت النيابة ورجال المباحث، بعد حوالي ثلث ساعة من الحادث، ليبدأ مباشرة العمل على فك طلاسم هذا الحادث ومحاولة الوصول السريع لمفاتيح الواقعة التى ستحدد مرتكبها، بالطبع معلوم أن الضابط كان يتابع نشاط جماعات التطرف الديني ومنها جماعة الإخوان داخل قطاع الأمن الوطني وأنه يعمل هو ومجموعة ضيقة على قضية التخابر التى ستقدم إلى نيابة أمن الدولة العليا والتى سيتهم فيها محمد مرسي بشكل مباشر، ولذلك فإن من المعلوم بالضرورة أن هناك عناصر محترفة قد قامت برصد تحركاته وقاموا بتصفيته جسديًا، فى عملية بطبيعتها تحمل من الرسائل العديد من الإستهدافات ففضلا عن هذه القضية الخطيرة والدقيقة التى يعمل عليها الضابط فهى رسالة شديدة السلبية للضباط العاملين فى هذا النشاط وتهديد مباشر لوضعهم على لائحة الإستهداف، وأظن التهديد الأكبر بأن هناك القدرة على إختراق السياج الذي سيحيط بهذه النوعية من القضايا ليتسع التهديد ليشمل القضاة وأعضاء النيابة والشهود أيضا. وقبل الإسترسال فى التخمينات والتحريات اللازمة حول هذا الحادث الخطير والمتورطين فيه، أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسئوليتها عن اغتيال ضابط الأمن الوطني محمد مبروك، وقالت جماعة أنصار بيت المقدس – سرية المعتصم بالله – في بيان لها نشر على المنتديات الجهادية أنها ضمن "سلسلة فك الأسيرات" من أيدي الطغاة قامت باغتيال المرتد المقدم محمد مبروك رئيس ما يسمى بنشاط التطرف الديني، وهو أحد أكابر طغاة أمن الدولة، وذلك ردًا على ما قام به هذا الجهاز الخبيث من اعتقال للنساء الحرائر العفيفات، واقتيادهن للتحقيق في أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة، وتأتي هذه العملية المباركة ضمن سلسلة عمليات فك الأسيرات من أيدي الطغاة. وأضافت الجماعة إنه "تم تكليف سرية (المعتصم بالله) بتحرير الأسيرات وتعقب كل من ساهم وشارك في أسرهن من ضباط وأفراد وزارة الداخلية، فبدأت بفضل الله وحده بقتل أخطر هؤلاء المجرمين المطلوبين وأشدهم عدوانًا على المسلمين في عقر داره وأمام بيته، جزاءً وفاقًا وإنا لأمثاله – بعون الله – لَبِالْمِرْصَادِ". وتابع البيان: "إلى الأحرار الشرفاء في مصر وربوعها، ماذا تنتظرون بعد اعتقال نسائكم وانتهاك أعراضكم، هبوا للدفاع عن أعراضكم ولو ذهبت في ذلك أرواحكم، فمن قتل دون عرضه فهو شهيد كما اخبر بذلك رسولنا – صلى الله عليه وسلم – الذي أخرج يهود بني قينقاع وأجلاهم عن ديارهم بسبب الاعتداء على امرأة واحدة، فكيف بنا وقد اعتقلت مئات النساء واعتدي عليهن". ودعت الجماعة المصريين لتزويدها بالمعلومات التي تساعد في تتبع وتعقب "الطغاة المجرمين الذين شاركوا في أسر الأخوات، وذلك عبر وسائل التواصل الإلكترونية المتاحة"، ودعت الجماعة "طغاة وزارة الداخلية وأمن الدولة إلى إخراج جميع النساء من المعتقلات وأقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة، وإلا فانتظروا الحلقات القادمة من السلسلة – بإذن الله وتوفيقه". وبعد هذا البيان تعود "جماعة أنصار بيت المقدس" لتطل برأسها من جديد وخلال شهور قليلة ظهرت فيه فى تبنيها لمحاولة إغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، فى بيان ومقطع مصور لمراحل العملية شوهد على القنوات الفضائية ومواقع التواصل الإجتماعي بتفصيلات الإستعداد والرصد و تنفيذ التفجير الذي أفلت منه الوزير بأعجوبة، وفى نفس سياق حادث إغتيال الضابط محمد مبروك بث التنظيم مقطع مصور آخر لعملية قديمة نسبيا وهى إستهداف مبنى مديرية أمن جنوبسيناء وظهر فيه منفذ العملية وطريقة تجهيز السيارة المفخخة التى أستخدمت فى مهاجمة مبنى المديرية، وإعتماد طريقة التصوير المحترف للعمليات الإرهابية والحرص على نشرها وبثها على المواقع الإخبارية هو " أسلوب تنظيم القاعدة" التى تربى فى كنفها قيادات هذا التنظيم، وقد وصف هذا التنظيم بأنه قد يكون الوكيل الحصري للتنظيم الأم فى صحراء سيناء، وأنه يقوم بدور جمع شتات التنظيمات الإرهابية الصغيرة بعد الضربات الأمنية الناجحة التى شنتها عليهم قوات الجيش لصناعة تنظيم متماسك يستطيع مجابهة الأمن والجيش فى حربهم المعلنه عليهم، ومبكرا ظهر التعاون الوثيق والخطوط المفتوحة مابين هذا التنظيم وجماعة الإخوان وأعتمد أكثر من منسق بين الطرفين ففي فترة مبكرة ظهر صفوت حجازي مندوبا عن الإخوان لدى هذا التنظيم ينقل التكليفات والأموال من مكتب الإرشاد إلى جنوب مدينة الشيخ زويد حيث يقبع التنظيم، ثم توالى بعد وصول محمد مرسي لمنصب الرئاسة العديد من الشخصيات التى لعبت هذا الدور وبعضهم كان قريبا جدا ومكلفا شخصيا من خيرت الشاطر، وإجمالا اعتمد تنظيم أنصار بيت المقدس كذراع إرهابية لجماعة الإخوان يستخدمونها فى ترسيخ ترتيباتهم الخاصه بسيناء ومحاولة توطين الفلسطينيين فيها، وفى شكل آخر لتنفيذ العمليات القذرة فى العاصمة القاهرة أو فى أى مكان آخر من الجمهورية لذلك دأب التنظيم على إعداد الكوادر والخلايا النائمة التى زرعت فى أماكن عديدة إستعدادا للتنفيذ فور التكليف الإخواني، وجاءت 30يونيو لتدخل أنصار بيت المقدس بالفعل إلى ساحة الحرب فى صف الإخوان المسلمين ضد الجيش والشرطه، فعادت للممارسة عمليتها الأثيرة بتفجير خط الغاز فى الرابع من يوليو صبيحة عزل محمد مرسي بعد توقف دام عام كامل، وتدخلت خلاياها النائمة فى محافظات الدلتا لتشعل الموقف بعمليات محافظة الشرقية والإسماعيلية، ومن القاهرة دأبت على الضغط بالدم فى أكثر من رسالة إلى النظام الجديد لعل الأمر يتغير وسط معادلات الحكم القائمة ليعود الإخوان يقبضون ثمن التهديد الذى خرج قبل إنتخابات الرئاسة وعاد ليطل مرة أخرى، أما نحن وإما حريق الوطن تلك المعادلة الصفرية التى تواجه مصر الآن وتربك الوضع رغما عن الجميع.