ستظل الهجرة غير الشرعية أزمة حقيقة تواجه الدولة المصرية، لأنها ترتبط بعدة ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية معقدة ومركبة، ولكن يبقى السؤال حول البنية التشريعية المصرية التي تنظم الهجرة، والإجراءات والآليات التي وضعتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحماية المهاجرين بشكل غير شرعي، وماذا فعلت مصر للقضاء على تجار البشر الذين يدفعوا بالشباب إلى الهاوية. قال المستشار "مرسي خليل" مدير مركز دراسات العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إنه لا يوجد أي قانون مصري يتصدى لظاهرة الهجرة غير الشرعية، فهناك نقص تشريعي واضح، يجب ملأه من خلال المشرع في مجلس الشعب المقبل، ويسن حزمة من القوانين بعقوبات رادعة على السماسرة الذين يتاجرون بأرواح الشباب وحياتهم. وأضاف أن الدولة تتعامل حتى الآن مع الهجرة غير الشرعية على أنها ظاهرة اجتماعية، وليست ظاهرة تحتاج إلى قوانين صارمة لوقفها بالتوازي مع الحلول الاقتصادية للبطالة والفقر. أما على مستوى الاتفاقيات الدولية، فقال خليل إن التنظيم القانوني لمنظمة العمل الدولية للهجرة والمهاجرين والتي تأسست عام 1919 تنظمه ديباجة محددة تدعو إلى حماية مصالح العمال في بلدان أخرى غير بلدانهم، ومن ثم الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل، تجعل حماية حقوق العمال المهاجرين هدفا لها. وأشار إلى أنه يوجد عدة اتفاقيات لتنظيم الهجرة غير الشرعية للعمال، منها الاتفاقية الدولية رقم (97) لسنة 1949 بشأن الهجرة للعمل، وتعتبر من أهم الاتفاقيات التي عالجت موضوع الهجرة، حيث دخلت حيز التنفيذ في مايو 1952م وبلغ عدد الدول التي صادقت عليها (43) دولة من بينها دولة عربية واحدة فقط هي الجزائر. وأكد خليل أن صلاحيات الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية ستظل حبرا علي ورق، لأنها جميعا تركز على العامل المهاجر الشرعي وتستثني أفراد أسر العمال المهاجرين بشكل غير شرعي أو غير نظامي. بينما يرى "عصام شيحة" المحامي بالنقض وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن مبدأ المواطنة في حاجة إلي تفعيل بشكل قوي، حيث من يتم القبض عليه في الخارج يتنصل من جنسيته المصرية مقابل اللجوء في هذه الدول حيث يدّعون أنهم عراقيون وفلسطينيون، وهناك قرارا وزاريا برقم 20 لسنة 1984 خاص بإنشاء سجل قيد للراغبين للهجرة، لكن هذا القرار مهمل تماماً وفي حاجة لتعديل، وطالب رجال الأعمال باتخاذ مسئولياتهم الاجتماعية تجاه أبناء الوطن، حيث أصبحت الفروق الطبقية واسعة وواضحة وتستفز مشاعر الناس، مؤكدا على أهمية الإعلام وضرورة تغيير أرسالته كي تعود الثقة فيه، كذلك ربط التعليم بالسوق وأن يكون معيار الكفاءة هو الحاكم بين المتنافسين على فرص العمل بالإضافة إلى احترام حقوق الإنسان. ويرى "عادل ويليام" رئيس مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان، أن القوانين والتشريعات ليست هي الحل الوحيد لمواجهة الظاهرة، بل نحتاج إلى دولة بجميع مؤسساتها، لديها إرادة القضاء على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، حيث لم تصل الثورة مثلا إلى وزارة القوى العاملة، وعندما تم ابتكار حلول بعقد اتفاقيات ثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث تسفر الدولة 10 آلاف عامل إليها بشكل رسمي، اعتمد المشروع على الرشاوى والمحسوبية. وأكد أن فكرة منع الهجرة غير الشرعية هي من الأساس غير قانونية، وتتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تقر بحق الانتقال باعتباره حق إنساني أصيل، مشيرا إلى أن مصر أصبحت تواجه خطرا كبيرا من الهجرة غير الشرعية بعد الثورة، ومن المتوقع تزايد الأعداد بكثافة، في ظل الفقر الذي يطحن الريف ليصل في تصديره للضحايا حوالي 98%، فضلا عن ارتفاع الأسعار والتضخم وغياب الحد الأقصى للأجور، وغيرها من العوامل التي تؤكد أن الدولة لا تنحاز إلى الطبقات الكادحة الفقيرة الذين يفقدون الأمل يوما بعد يوم. ويشير إلى أن حالة الغربة التي يعاني منها هؤلاء الشباب، تجعلهم يتنازلون عن جنسيتهم المصرية، بل يخفون أي دليل يكشف عن هويتهم لدرجة أنهم يمزقوا أي بطاقة مكتوب عليها "صنع في مصر" والتي توجد على الملابس، خوفا من الترحيل والعودة لجحيم الوطن. ونبه ويليام إلى أن الفشل في الهجرة هربا من الفقر والبطالة، سيؤدي إلى ثورة جياع تقضي على الأخضر واليابس، مطالبا بضرورة ابتكار حلول من خارج الصندوق، تبدأ بقيام مصر بعلاقات صداقة اقتصادية مع إيطاليا وفرنسا واليونان وغيرها، وتستغل المليارات التي تضخها هذه البلاد من أجل تأمين الحدود والسواحل، والتي أثبتت فشلها، ومن ثم ضخ هذه الأموال في مشروعات صغيرة لهذه المجتمعات الريفية بدلا من هجرة أولادها. وأكد وليم أن الدول الأوروبية ليس لديها نية حقيقية في وقف الهجرة غير الشرعية، لأن مواطنيها لن يقبلوا العمل في الوظائف السيئة التي يقبلها المهاجرون غير الشرعيين، خاصة أنها تخفض من أجور العمال ابتزازا لهم لعدم امتلاكهم أوراقا رسمية.