منتقدا الفقر والظلم الطبقي والحكومة كشف تقرير حقوقي عن غرق 23، وفقد 12، واختفاء 60، وخطف 38، وتعرُّض نحو 413 مواطنًا مصريًّا للنصب من قِبل عصابات تسفير الشباب في 46 حادثةً من حوادث الهجرة غير المنظمة خلال النصف الأول من عام 2009م. وأكد مركز الأرض لحقوق الإنسان في تقريره الذي صدر مساء أمس حول مشكلات المهاجرين غير المنظمين لأوروبا والعمال المصريين ببعض الدول العربية؛ أن ما يدفع المهاجرين غير المنظمين لتلك المغامرة هو الفقر وانعدام الأمان.
واستنكر التقرير استمرار التصريحات" الكرنفالية" للمسئولين في مصر حول معالجة مشكلات الهجرة غير المنظمة، وإبداء مبرِّرات واهية لفشل سياستهم في معالجة أسباب الظاهرة، مثل تصريح وزيرة القوى العاملة بأن المشكلة "أن الشباب يرفض أن يتعب ويصبر؛ لذلك يلجأ إلى الهجرة غير المنظمة"، ووزيرة السكان التي صرَّحت "بأنها سوف تخاطب محافظتي الفيوم والشرقية للبدء في مشروع تجريبي لمنع الهجرة غير المنظمة وحل المشكلة"، وذلك دون عمل حقيقي وإستراتيجية حكومية واضحة لمعالجة المشكلة من كافة جوانبها.
وانتقد التقرير الفساد والاستبداد وعدم العدالة في توزيع الثروة ونهب ثروات البلاد من أصحاب النفوذ، مؤكدًا أن جميعها أسباب أدَّت إلى تدهور أوضاع البلاد في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وندَّد التقرير بصمت الحكومة وإهمالها في حلِّ مشكلات المصريين العاملين بالخارج، فضلاً عن انحيازها لصالح رجال الأعمال والشركات العاملة في الخارج؛ حيث يتمتع رجال الأعمال بحرية الإقامة والتنقل والحماية بفضل ممارسات الحكومة ولجانها بالخارج، في نفس الوقت الذي يتمُّ التعامل فيه مع العمال؛ باعتبارهم عناصر زائدة يجب التخلص منها.
وأشار إلى أن مشكلات العاملين بالدول العربية تتركَّز في المعاملة السيئة والاستيلاء على حقوقهم ومرتباتهم من قِبَل "الكفيل"، مستنكرًا تساهل حكومات تلك الدول مع مواطنيها المخالفين للقانون، ولم تقم بمحاكمتهم، وسهَّلت اتهام المصريين بقضايا ملفَّقة أدَّت إلى حبس بعضهم وترحيل البعض الآخر دون حماية أو حقوق.
وأظهر التقرير أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة أثّرت في العاملين المصريين بالخارج؛ حيث قامت دولة الإمارات بفصل 150 ألفًا، بينما تمَّ الاستغناء عن 32 ألفًا آخرين بدولة قطر، وقامت ليبيا بفرض رسوم مغادرة؛ مما أدى إلى رحيل 25 ألف مواطن.
وأوضح التقرير أن أبرز الحوادث تمثلت في هجرة 1500 طفل من محافظة بني سويف إلي إيطاليا بصورة غير شرعية؛ مما أدى إلى استغلالهم جنسيًّا والتعامل معهم كعمالة رخيصة، وفي النهاية يقبع 100 منهم في سجن لامبادوز بإيطاليا.
وأضاف أن معظم المهاجرين غير المنظمين كانوا من محافظات ريفية، مثل الفيوم والقليوبية والشرقية والبحيرة، فضلاً عن آخرين من المنيا وأسيوط وشمال سيناء، "ويؤكد ذلك سوء الأوضاع في الريف المصري، خاصةً بعد تطبيق قانون تحرير الأرض والزراعة المصرية، وتفشي الفساد بالأجهزة الحكومية، والاستمرار في تطبيق نفس سياسات السوق الحرة، رغم الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم وآثارها السلبية على العمال والفلاحين والمنتجين الصغار".
وقال التقرير إن الدول التي رغب الشباب المهاجر في الوصول إليها كانت على الترتيب: إيطاليا واليونان (11) مرة، ليبيا (7) مرات، الأراضي المحتلة (5) مرات، السعودية (4) مرات، أوروبا (3) مرات، وكل من الكويت وفرنسا والصومال مرة واحدة.
وعلى الجانب الآخر أشار التقرير إلى أنه تمَّ القبض على مهاجرين غير منظمين من جنسيات مختلفة، بلغوا نحو (38) من إفريقيا و(14) من باكستان و(7) من الهند وغيرهم، فيما تنتهك السلطات المصرية العديد من حقوق المهاجرين غير المنظمين؛ حيث يتعرَّضون للاعتقال وإساءة المعاملة والتعسف، كما أن عمليات القبض عليهم تخضع لممارسات أمنية غير قانونية، على حد وصف التقرير. وطالب مركز الأرض بتحسين أوضاع حقوق الإنسان المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ بإلغاء قانون الطوارئ والسماح بتداول السلطة، وكفالة الحق في الإضراب والتظاهر والتنظيم والتجمع والعيش اللائق، وفرص العمل الكريمة، والحيازة الآمنة للأرض والسكن والرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية وكفالة الخدمات العامة للمواطنين.
ودعا أعضاء مجلس الشعب والشورى إلى التصديق على اتفاقيات وبروتوكولات منظمات العمل الدولية والأمم المتحدة المتعلقة بحماية حقوق المهاجرين ورقابة أعمال الحكومة؛ لإلزامها بتطبيق بنود الاتفاقيات التي وقّعت عليها.
وشدَّد على ضرورة أن توقف وسائل الإعلام الحكومية والمستقلة "إنتاج الوعي المزيَّف حول قضايا الهجرة"، معربًا عن أسفه لتصريحات بعض المسئولين التي ذكرت "أن المهاجر هو شخصٌ أنانيٌّ وطمَّاعٌ؛ لأنه يترك أهله ويهرب ليحقق حلمه بالثراء".
كما طالب مركز الأرض وزارة القوى العاملة والهجرة بوضع آليات لحماية المهاجرين والعمال الأجانب والعمال المصريين بالخارج، وأن تعمل الحكومة على تعويض ضحايا الأزمة الاقتصادية الذين تمَّ ترحيلهم من دول الخليج؛ عن طريق مطالبة الحكومات الخليجية بتعويض العمال الذين تمَّ فصلهم أو إنهاء خدمتهم.
ودعا وزارتي الداخلية والعدل إلى احترام حرية التنقُّل للمهاجرين واللاجئين، ووقف كافة أشكال العنف وإساءة المعاملة والاحتجاز والاعتقال وإخلاء سبيل من تمَّ اعتقاله بتهم الهجرة أو التسلل دون ضمانات ووقف محاكمة المهاجرين واللاجئين أمام محاكم استثنائية؛ لما يشكل كلُّ ذلك خرقًا للمواثيق والمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.