تثير هيمنة شخصيات طاعنة في السن على الحياة السياسية في تونس، مزيجًا من مشاعر الاشمئزاز والإحباط في صفوف شباب "الثورة" الذين لعبوا دورًا حاسما في "إسقاط نظام" الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مطلع 2011. وبدأت "الثورة" يوم 17 (ديسمبر) 2010 في مركز ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب) عندما اضرم البائع المتجول محمد بوعزيزي (26 عاماً) النار في نفسه احتجاجا على مصادرة الشرطة البلدية عربة الخضار التي كان يعتاش منها. وفجرت الحادثة تظاهرات واحتجاجات شعبية عارمة في كامل البلاد انتهت بهروب بن علي إلى السعودية يوم 14 (يناير) 2011. ورغم أن الشباب كانوا المحرك الرئيسي للثورة إلا أنهم وجدوا انفسهم، بعد الإطاحة بنظام بن علي، خارج الحياة السياسية التي هيمنت عليها "ديناصورات" سياسية، على حد قول الصحفية نعيمة الشرميطي (32 عاما) مديرة الموقع الإخباري الاليكتروني "أرابسك". وتقول الشرميطي ل"القدس دوت كوم" بحزن "لقد صودرت ثورة الشباب من مسنين كانوا خلال انتفاضة الشعب إما مختبئين في منازلهم، أو هاربين في المنافي". وأضافت: "منذ الثورة و"ديناصوراتنا" يقولون ان المستقبل السياسي للشباب، لكن الواقع عكس ذلك"، ويقطن تونس أكثر من 10 ملايين نسمة بينهم 51 في المئة أعمارهم دون 30 عاما، و10 في المئة تجاوزوا 60 عامًا وفق إحصائيات رسمية. ويهيمن على الحياة السياسية في تونس كل من راشد الغنوشي (73 عامًا) رئيس حركة النهضة الحاكمة، والباجي قايد السبسي (86 عاما) رئيس حزب "نداء تونس" أكبر احزاب المعارضة العلمانية. وقضى راشد الغنوشي نحو 20 عاما في المنفى وعاد إلى تونس سنة 2011 بعد الاطاحة بنظام بن علي، أما السبسي فقد سبق له تقلد مناصب وزارية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي سنة 1956. وتولى السبسي أيضاً رئاسة البرلمان في عهد بن علي، كما تولى رئاسة ثاني حكومة تشكلت في تونس بعد الاطاحة بنظام بن علي. والشهر الحالي، اقترح الغنوشي على المعارضة تكليف أحمد المستيري (88 عاما) رئيسا لحكومة مستقلة ستحل محل حكومة علي العريض القيادي في حركة النهضة، بهدف إخراج البلاد من أزمة سياسية حادة اندلعت إثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 (يوليو) 2013. واقترح السبسي من ناحيته تكليف محمد الناصر (79 عاما). وأحمد المستيري ومحمد الناصر وزيران من عهد الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس من 1956 إلى 1987. وقابلت وسائل إعلام محلية ونشطاء انترنت، بالانتقاد والاستهزاء تصريحات لراشد الغنوشي قال فيها إن أحمد المستيري "هو رجل المرحلة" الحالية في تونس وأن حركة النهضة "لا ترى بديلا عنه" رئيسا للحكومة المستقلة. ونهاية (أغسطس) الماضي ألغى المجلس التأسيسي (البرلمان) الذي يرأسه مصطفى بن جعفر (73 عاما) بندا من مشروع دستور تونس الجديد كان يحدد السن القصوى للترشح للانتخابات الرئاسية ب75 عامًا. وتعتبر النخب السياسية في تونس الشباب "غير كفؤ" لتولي المناصب السياسية، حسب تقدير سالم العياري الأمين العام ل"اتحاد أصحاب الشهادات (الجامعية) العاطلين عن العمل" غير الحكومي. وقال العياري "هؤلاء لا يؤمنون أن جيلا شابا يمكنه أخذ المشعل منهم"، ولفت الى أن "هذه العقلية نفسها كانت سائدة في عهد الرئيس المخلوع بن علي الذي أقصى الشباب من الحياة السياسية". ويرى سليم بن عبد السلام (43 عاما) النائب في البرلمان عن حزب "نداء تونس" ان "أكبر خطأ هو تجاهل الشباب في الحياة السياسية". وأشار إلى نقص في قدرة الاحزاب السياسية على جذب الشباب الذين "ليس لهم ثقة" في التنظيمات السياسية، لكنه لفت في المقابل إلى ان تونس التي تواجه تصاعد عنف جماعات سلفية جهادية وتعاني من أزمات سياسية ومصاعب اقتصادية، تحتاج إلى سياسيين ذوي خبرة. وقال: "يجب وقف الشعبوية والتمييز ضد كبار السن، تونس في وضع لا يسمح بتعيين شخص ليس لديه خبرة رئيسا للحكومة، وإذا كنا لا نريد شخصا محسوبا على نظام بن علي، علينا الاعتماد على شخصيات من عهد بورقيبة".