يعتبر التقرير الصادر من "المركز المصري للحق في الدواء"، بمثابة الكارثة التي تهدد المرضى المصريين، حيث أن عدد الأدوية التي اختفت من السوق المصري منذ بدء أزمة نقص الدواء، أي منذ حوالي عامين، تعدى 900 صنف، وقد تعدت الأزمة نقص الأدوية لتصل إلى نقص نحو أكثر من 30 مادة فعالة، تستخدم لصناعة أكثر من 100مستحضر دوائي، مع عدم توافر بديل أو مثيل لهذه المواد. وأول من يتأثر بهذه الأزمات هم محدودي الدخل، والمرضى الذين يعتمدون على التأمين الصحي لتلقي علاجهم، ويعجزون عن شراء الأدوية من نفقتهم الخاصة، وكان ل"البديل" هذه الجولة للتعرف على معاناة المستضعفون في العلاج على نفقة الدولة، وشكواهم من شهادة الفقر التي أصبحت المتحدث الرسمي باسم الشعب المصري. قال أسامة عبد الجليل "55 عاما" ويعمل في إحدى ورش الحدادة، إنه مريض بالسكر والقلب، ويحتاج للكثير من الأدوية ولا يستطيع شراءها، ويستفيد من التأمين الصحي في العلاج، ولكن دائما ما تقابله بعض المشكلات في هذا الشأن، وعلى رأسها أزمة نقص الدواء، حيث يكتب له الطبيب أدوية غير متوفرة ما يضطره إلى العودة للطبیب لكي يكتب له بديلا إلا أن البديل لا يكون موجودا أيضا، وفي هذه الحالة ينتظر لحين توفر الدواء، أو يقوم بشرائه من صيدلية خاصة. ويشير إلى أنه يعاني من صعوبة الحصول على العلاج المقرر له ، رغم أهميته بالنسبة له كمريض سكر، لافتا إلى أن العشر سنوات الأخيرة شهدت مشكلة حقيقية، تطلب إيجاد حل جذري؛ فارتفاع تكلفة العلاج في الصيدليات الخاصة تحول دون شرائه على نفقته، كما أن الأزمة مستمرة منذ فترة طويلة ولم تتمكن أي حكومة أن تقضي عليها بشكل نهائي. أما حسين عطية "58 عاما" موظف حكومي، فيشكو من عدم توفر الأدوية في التأمين الصحي، خاصة أنه يعاني من أمراض مزمنة، حيث تمثل عملية الحصول على أدوية القلب معاناة في كل مرة، هو وكل من على شاكلته سواء في ظروف المرض أم الأجور التي يتقاضونها شهريا، مؤكدا أن الأزمة ليست وليدة اليوم ولكنها متوغلة في كل المستشفيات التابعة لقطاع التامين الصحي منذ عدة سنوات، وحتى الآن لم يأتي وزير قادر على وقف مسلسل شح الأدوية وانقطاعها المستمر، خاصة أن الظروف المعيشية تحول دون التمكن من شراء العلاج على نفقتنا. وتابع أنه يضطر إلى قبول الأدوية المتوفرة رغم قلتها، ولا تصرف له الجرعة العلاجية كاملة، فيعود مرة أخرى إلى المستشفى التابع لها، ويكمل صرف الوصفة الطبية في منتصف الشهر، لافتا إلى أنه كثيرا ما يحاول صرف علاجه إلا أنه لا يجد أغلب الأدوية المقررة، وبالتالي يعود للطبيب مرة أخرى ليكتب له بدائل تكون متوفرة في المستشفى؛ حتى لا يلجأ إلى الصيدليات الخاصة. وعلى سبيل المهانة والذل، تحكي المواطنة "سهير محمود" ربة منزل،عن معاناتها وكيفية تفنن الحكومة في إهدار كرامة المصريين – على حد قولها – حيث قالت إنها أرملة ولديها ثلاث بنات أكبرهن "23 عاما"، وليس لها عائل وحين بدت عليها أعراض الإصابة بمرض القلب والكوليسترول، وصف لها الطبيب الخاص علاجا لدهون الدم سعر الشريط الواحد 70 جنيها وتحتاج لاثنين في الشهر، بالإضافة إلى الأدوية الأخرى. وتقول إن بعض المقربين نصحوها بعمل تأمين صحي والانتفاع بخدماته، وبدأت بالفعل في عمل الإجراءات اللازمة في العام الماضي، وكانت المفاجأة في أنهم طلبوا منها تقديم "شهادة فقر"!، ولن تتم الإجراءات إلا بعد الحصول على هذه الشهادة. وبعد نوبة بكاء شديدة تصرخ قائلة :" يعني مش كفاية إننا راضيين بحالنا وساكتين، كمان عاوزين حاجة تثبت إننا فقرا ومش لاقين نتعالج!"، وطالبت الحكومة بوقف العمل بهذه الشهادة في الحال، فليس مقبولا أن يتم إعفاء الطلاب من المصروفات بشهادة فقر، أو يعالج المريض على نفقة الدولة بنفس الطريقة، وتساءلت :" فين بقا الكرامة اللي الحكومة وجعت قلبنا بيها وهما أول ناس بيدوسوا على الفقير بجزمهم؟". الجدير بالذكر أنه حتى عام 1996 كان لا يتم علاج أي مواطن على نفقة الدولة إلا إذا أجري عليه بحثًا اجتماعيًا يؤكد استحقاقه العلاج المجاني لضيق اليد ولكن عندما تولى الدكتور إسماعيل سلام، وزير الصحة الأسبق، مسئولية الوزارة في ذلك العام قرر إلغاء تقديم هذه الشهادة بالنسبة لمرضى الفشل الكلوي وبعد مرور عامين أضاف إليهم مرضي الأورام والكبد. وفي عام 2010 أصدرت وزارة الداخلية مرسومًا بإلغاء 7 شهادات كان من بينها شهادة الفقر، ولكن في عام 2012، وفي ظل وجود دستور الإخوان عادت مرة أخري فكرة شهادات الفقر تتردد على مسامعنا في ظل انهيار الكيان الاقتصادي، وذلك من خلال إحدى مواد الدستور التي تقضي بضرورة الحصول على شهادة الفقر لتلقي العلاج، والشهادة التي تحط من كرامة وكبرياء المصريين كانت إحدى الإنجازات التي حققها المعزول!