من المسائل التي تحير الباحثين والمراقبين للساحة السياسية الإسرائيلية مسألة التذبذب تجاه عملية السلام مع الفلسطينيين في موقف حزب «شاس» الممثل لليهود السفاراديم. لقد بدأ الحزب في عام 1979 وهو عام معاهدة السلام مع مصر في إظهار مواقف مؤيدة للسلام ومرحبة به، وهو نفس الموقف الذي اتخذه عام 1993 عندما أيد توقيع اتفاقية أوسلو باعتباره حزباً مشاركاً في حكومة رابين . غير أن هذا الموقف الذي جعل السياسة الخارجية المصرية تعتمد على شاس في دفع سائر الأحزاب الإسرائيلية نحو الاعتدال وقبول فكرة التسوية مع الفلسطينيين، سرعان مع تغير إلى النقيض فأصبح رافضاً للفكرة وأصبحت صورته السياسية أمام العالم كصورة حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يقوده المتطرف أفيجدور ليبرمان الذي يرفض فكرة المفاوضات مع الفلسطينيين من حيث المبدأ، كما يعلن رفضه الصريح لإقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة. إذا حاولنا فهم هذا التذبذب في موقف «شاس» والذي وصل إلى الاحتجاج على رئيس الوزراء في حينه إيهود أولمرت -والذي وكان الحزب شريكاً في حكومته- لقيامه باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، فإن علينا أن نعود إلى المفهوم الديني الذي ينطلق منه الحاخام عوفوديا يوسف الزعيم الروحي للحزب . لقد أطلق هذا الحاخام فتوى في عام 1979 في أعقاب موافقة الحكومة الإسرائيلية برئاسة مناحيم بيجين على إعادة شبه جزيرة سيناء إلى مصر في إطار معاهدة السلام، وكانت هذه الفتوى مؤسسة على عدة عناصر دينية، العنصر الأول: اعتبار أن سيناء بالمفهوم الديني اليهودي جزء عضوي مما يعتبره الحاخام أرض إسرائيل، العنصر الثاني: أن الرب ملتزم عندما يرسل المسيح اليهودي المخلص من السماء ليحقق الخلاص لبني إسرائيل وليقيم مملكة العدل والتقوى والتوبة بأن يوطن اليهود في فلسطين وأن يضيف إليها أراضي أخرى واسعة، العنصر الثالث: فريضة دينية هي فريضة حفظ النفس اليهودية والحفاظ على سلامتها من المخاطر وبالتالي تجنيبها ويلات الحروب كلما أمكن ذلك. العنصر الرابع: أن «فريضة» الاستيطان في فلسطين واستعمارها فريضة دينية مقدسة، لكن قداسة فريضة حفظ النفس اليهودية تعلو عليها وتسمو فوقها . واستناداً إلى تلك العناصر الدينية أفتى الحاخام عوفوديا بصحة موقف حكومة بيجين في التنازل عن سيناء التي يعتبرها جزءاً من أرض "إسرائيل"، طالما أن هناك معاهدة تضمن حفظ النفس اليهودية من الخطر والتهديد من جانب المصريين اطمئناناً إلى أن الرب سيعيد سيناء إلى أرض إسرائيل عندما يأتي زمن المخلص اليهودي . لقد اتبع الحاخام عوفوديا نفس فتواه هذه عندما أيّد اتفاقية أوسلو، غير أن التحول في موقفه حدث عندما سيطر على عقله عدد من جنرالات اليمين المتطرف الطامعين في الضفة، لقد أقنعه هؤلاء أن الانسحاب من أجزاء من الضفة يتناقض مع الفريضة الدينية لحفظ النفس اليهودية وسلامتها وصوروا له أن سيطرة الفلسطينيين على الضفة ستؤدي إلى إهدار دماء الإسرائيليين وأنه لا يمكن الوثوق في وجود شريك فلسطيني يحافظ على السلام مثلما هو الحال مع مصر. من هنا بدأ التراجع عن تأييد المفاوضات والسلام مع الفلسطينيين عند «شاس ». والسؤال الموجه للفلسطينيين هو: هل يستطيعون إبطال تأثير جنرالات اليمين على عقل «شاس» ليكسبوه مرة أخرى في معسكر السلام؟ نقلاً عن : المصدر: صحيفة الإتحاد الإماراتية