«رجالة السويس بيحبوا الموت أكتر من الحياة، وإسرائيل مكانتش متوقعة كده..». هكذا فسرت مريم نجيب، سبب هزيمة الجيش الإسرائيلي في حصار السويس سنة 1973، وهي التي رأت بعينيها العدوان الثلاثي، والنكسة والإنكسار، وصمود مدنيتها، حتى لحظة العبور والنصر، وتحمل تجاعيد وجهها ملامح كفاح محافظة السويس. وقالت، وهي المولدة بحي الجناين، إنه عقب دخول الإسرائيليين لسيناء، بدأت القوات المسلحة تهجير عدد كبير من أسر السويس، وكانت أسرتها ضمنهم، واستقرت بمنطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة، وبالرغم من المعاملة الطيبة التي لاقوها هناك إلا أنها تذكُر أن والدها كان دائمًا مهمومًا، ويعاني من آلام الغربة، حتى وهو وسط أهله، ولكنها تذكر أن تجربة الهجرة كانت تجربة مريرة لخصتها بجملة "كفاية إنك بتمشي في شوارع مش بتاعتك". وأضافت أن أسرتها عادت للسويس مرة أخرى، عقب وقف إطلاق النار، حينها أدركت معنى حب الوطن، ولذا رفضت أسرتها الهجرة عقب نكسة 1967. وحينما اقتربت حرب 1967، هتفت في شوارع السويس، أن الجيش المصري سيكون في مساء يوم الحرب فاتحًا للقدس، وكانت الأهالي ترسل أولادهم للجيش، لينالوا هذا الشرف. وفي صباح 5 يونيو، كان الراديو يذيع أنباء تبشر بالخير، وبالفعل المصريين احتفلوا بالنصر، ولكن في اليوم التالي علم أهالي السويس حقيقة ما حدث، حيث أن بيوت المدينة احتضنت الجنود العائدين، وجراح طلقات النار، وإنكسار الهزيمة. في تلك الفترة كانت بيوت السويس ملجأ لهم، يجدون فيه ما يحتاجون له، بالرغم أن بعض أهالي المحافظة استقبلوا الجنود بالسخرية والاستهزاء، ولكنهم فئة قليلة جدًا. وحينما طلبت القوات المسلحة من أهالي المحافظة مغادرة بيوتهم للمرة الثانية، رفضت أسرتها قرار التهجير، وترك محافظتهم خاوية، كما أصروا على أن يكونوا ملاذًا للمقاتلين، سواء من القوات المسلحة أو من المقاومة الشعبية. وبالفعل كان رجال من المقاومة الشعبية يعبرون بشكل منتظم الحاجز المائي في عمليات فدائية ضد العدو، ورد العدو الصهيوني عليهم بقصف شركات البترول والمناطق السكنية، متعمدًا على إحداث خسائر وسط المدنيين، لكسر عزيمة أهل المحافظة، وخاصةً أن لديهم مدفع بعيد المدى. خرج أهالي السويس يرقصون في الشارع ويغنون أغاني الصمود، وسط أصوات القصف المستمرة، بعد أن أذاع الراديو نبأ عبور القناة، يوم 6 أكتوبر، حيث كانت الاشتباكات تحدث أمامهم على مرمى البصر. ولما رأى الإسرائيليون أن نهايتهم قد اقتربت، حاولوا الإلتفاف على الجيش المصري ومحاصرته عن طريق دخولهم السويس، ولكنهم لم يكونوا يعلموا "أن دخول السويس كان أكبر غلطة في تاريخ إسرائيل". فبعد دخول (شارون) المدينة، استعان بضابط في الجيش الإسرائيلي من أصول مصرية، وجميع أهالي الجناين، وأخبروهم أن دخول السويس لم يكن هدفهم الأساسي، وأن عليهم احترام الجيش الإسرائيلي، وإلا سيكون هناك العديد من القتلى. لكن رجال السويس في ذلك الوقت، أثبتوا لإسرائيل أن المدينة حصن مصر المنيع الذي يصعب اقتحامه، وعكف بعض الرجال على سرقة القمح من الجيش الصهيوني وعبور الساتر المائي لفك حصار الجيش المصري، كما أنهم كانوا دائمًا ما يسحبون العدو للشوارع الضيقة، ليتمكنوا من اصطياد الجنود وتدمير مدرعاتهم. ولعل موقعة السويس هي ما جعلت الإسرائيليين يطالبون بوقف إطلاق النار، هربًا من جحيم المقاومة.