ليلة رمضانية قضاها من تبقى من المدنيين داخل مدينة الإسماعيلية كباقي الليالي الرمضانية ينتظرون في أي لحظة أصوات التنبيهات للإعلان عن بدء غارة جديدة للطيران الإسرائيلي فيفر الجميع نحو المخابئ تجنبا لإصابتهم بشظايا قاتلة أودت بحياة رفاقهم على مدار سبعة سنوات مضت . لم يلحظ الجميع أن فجر هذه الليلة هو فجر النصر وان هذا الظلام الحالك والدمار الذي أصاب المدينة آن له أن ينقشع مع صباح يوم العاشر من شهر رمضان المبارك. هذه الذكريات لا تمحيها الأيام ولحظات لا زالت محفورة داخل وجدان الاسمعلاوية ممن عاصر منهم لحظة عبور الجيش المصري من مدينتهم الباسلة والتي فقدت آلاف الشهداء وهجر منها مئات الآلاف جبرا بعدما أثقلتها الطائرات الإسرائيلية بضربات يومية موجعة منذ هزيمة يونيو 1967. ...على لسان من عاصر هذه اللحظات وشهد بعينه انطلاق الجيش المصري نحو تحرير سيناء حاولنا أن نرصد أجواء النصر داخل المدينة التي تشهد ضفافها الممتدة من الدفرسوار على البحيرات المرة وحتى القنطرة انطلاق الزوارق المطاطية وجسور الدبابات المصرية نحو تحرير سيناء. جلال هاشم قائد المقاومة الشعبية لفرق هيئة قناة السويس أحد المرابطين الذين حالفهم الحظ ولم يطبق عليهم قرار التهجير الإجباري، سجل لحظات الصمود والتحدي لسنوات الهزيمة بشظايا القنابل ودانات المدافع الإسرائيلية وصنع منها تمثالا يتوسط اكبر ميادين الإسماعيلية الان . وبعين امتلأت بالدموع روى جلال هاشم لحظة انطلاق الزوارق المطاطية نحو سيناء من امام منطقة نمرة 6 يقول: ما ان سمعت بنبأ العبور الذى دوى بأرجاء مصر كلها هرعت نحو مكان عملي بمستشفى نمرة 6 المواجهة لقناة السويس لأسجل لحظات العبور بعيني حيث كانت كلمة الله اكبر تزلزل المكان تخرج من أفواه الجنود بتناغم وتنظيم وكأنهم اتفقوا على ترديدها . ويضيف: لا يمكن ان أنسى هذا المشهد عندما تنقلب الزورق في قلب القناة فيهم الجنود بالقفز عليها مرة أخرى ومواصلة سيرهم نحو الضفة الشرقية ، ويقول ظللت لايام ارقب هذه اللحظات التي لن تتكرر ما فيها من مشاعر وتعاون وتضافر بين الجميع لنحقيق النصر. ويتابع من قلب الإسماعيلية تلاحم الجميع فقد كانت روح الصمود قد فاحت من قلب المدينة لسبع سنوات وانتقلت الى جميع الأرجاء في مصر لذا كان تطورا طبيعيا أن تتضاعف مشاعر الفرحة والفخر هنا . ويضيف :لا زلت أتذكر هذا الجندي الذي يدعى خليل كان يسير في شارع مصر في ساعة متأخرة من الليل باحثا عن أحد يصلح له حذاءه حتى يتمكن من الانتقال سريعا نحو الجبهة للالتحاق بزملائه على خط النار. ويواصل :"تسابق الجميع نحو الجندي وقدموا له طعام السحور وقام أحدهم بمحاولة لإصلاح حذاء الجندي حتى يتمكن من مواصلة سيره نحو الجبهة ، وشاءت الاقدار ان يتوفى محمد عمر حجازي وهو أحد أهالي الاسماعيلية المهاجرين في الشرقية صباح السادس من اكتوبر فما كان من أهله إلا أن حملوا جثمانه وتوجهوا به للاسماعيلية لدفنه بمقابر الاسماعيلية" . وتابع :"أثناء الجنازة فوجئ المشاركون بالجنازة بالطائرات المصرية تحلق فوق رؤوسهم في طريقها لسيناء وكانت بداية الحرب..مشاعر متناقضة بين الحزن على الفقيد الذي عشق الاسماعيلية ووصى ان يدفن بها رغم ظروف الحرب والهجرة وبين الفرحة التي دبت في قلوبهم بلحظة الانتصار والعودة لاحضان المدينة التي أجبر الجميع على تركها لسنوات". يقول عبده مبدى المؤرخ الاسماعيلي ورئيس مكتب التهجير لاهالي الاسماعيلية بمحافظة الشرقية طوال سنوات النكسة: أكثر من 136 الف مواطن اسماعيلي كانوا مهجرين بمحفظة الشرقية وهو ما يعدل وقته نحو 70%من سكن الاسماعيلية.ويضيف مبدى: يوم العاشر من رمضان السادس من اكتوبر كنت وقتها متواجدا مع العشرات من ابناء الاسماعيلية المهجرين داخل مكتب الهجرة والكائن وقتها بميدان المحطة بالزقازيق.وسمعنا جميعا نبأ عبور قناة السويس حيث غمرتنا الفرحة وخرج الجميع للشارع مهللين إلا أن الفرحة تضاعفت داخل الاسمعلاوية فقد حان الوقت للعودة الى الديار التي تركوها مرغمين . المستشار زكريا غزالي وكيل اول وزارة العدل الاسبق وأحد قادة حركة المقاومة الشعبية طوال حرب الاستنزاف بالاسماعيلية كان من أبرز شهود العيان على لحظة العبور يقول:كنت قائدا لاحدى فرق المقاومة الشعبية بالاسماعيلية والمرابطة بنادي الفروسية وقتها لأكثر من سبع سنوات ويوم العاشر من رمضان السادس من اكتوبر وفي تمام الثانية ظهرا فوجئت واعضاء المقاومة معي بالفرقة بأزيز أعداد كبيرة من الطائرات تحلق على مسافات منخفضة. ويضيف في البداية ظننا انها طائرات عسكرية الا ن تتبع مسار الطائرات نحو الشرق اكد لنا انها طائرات عسكرية وسرعان ما بدأت المدفعية اصواتها تتعالى وبات في السماء سحابة سوداء تؤكد أن القصف في سيناء يستهدف مواقع ويصيبها . ويتابع: وقتها ادركنا ان الحرب بدأت وان الامر ليس بمعركة واشتباكات من التي تتم يوميا مع العدو الا انها حرب .ويقول "كنا نتتبع اخبار الانتصارات من الراديو وكنا بنسمع بوضوح يخرق المسامع اصوات المدفعية ونحن نهتف "الله اكبر " ويضيف كانت الاوامر ألا نترك أماكننا لحماية الخطوط الخلفية ".