الحرب تجربة عامة لكنها شديدة الخصوصية, تتحقق مصداقية أحداثها وتتأكد مشاهدها علي مسرح الواقع الميداني عندما تجري حكايات علي لسان من شاركوا وعاشوا اللحظات الحاسمة والفارقة في تاريخ وطن. .الشاعر الكبير احمد سويلم هو أحد جنود نصر أكتوبر73 صدرت له الأوامر بتأمين الوقود لمركبات الجيش الثاني في منطقة الاسماعيلية غرب وشرق القناة فأسرع بجنوده الثلاثين بوضع صهاريج تخزين الوقود علي جانبي القناة ومد الخطوط بينهما فوق المياه, ثم يقول وفوق رؤوسنا تدار معارك الطيران وكثيرا ما كانت تسقط قنابل العدو فوق هذه الخطوط فنهبط للقناة سريعا لإصلاحها وضخ الوقود من غرب القناة إلي شرقها حتي لا تتعطل أي مركبة في سيناء ولم تكن تلك المغامرة تمر دون أن يكون هناك شهداء, كما كان العدو يرصد صهاريج الوقود في الجبهة الشرقية فيضربها, فنسرع بوضع صهاريج اخري جديدة وقد وفقنا الله الي تأمينه طوال أيام القتال. كانت سيناء بالنسبة لنا حلما استطاع العدو أن يصوره مستحيلا ولهذا فحينما وطئت قدماي أرض سيناء للمرة الأولي سجدت لله شكرا وملأت زجاجات كثيرة برمل سيناء أهديت بعضها إلي أصدقائي واحتفظت بالباقي ذكري خالدة لهذا العبور العظيم. وكنت قد اعتدت بعد أن عدت إلي الحياة المدنية أن أقرأ مذكراتي وأستمع في أثناء القراءة إلي الأغاني التي كانت تعبر عن هذا النصر وأستعيد كل لحظة عشتها فوق الجبهة. ومن القصائد التي كتبتها وعبرت بها عن فرحتي قصيدة الحلم التي أقول فيها.. حبة رمل.. أم أوسمة فوق الصدر.. شمس محرقة.. أم حضن يدفيء قلبا عاني كل صقيع الزمن وأشقاه الدهر.. أرض تتفجر غضبا أم مهد مد ذراعيه بحلم أخضر بعد سنين القهر.. تلك خطانا تمضي في درب الشهداء.. تتغني بالحلم المتجدد في أيدينا.. تعلي فوق النهر منارات ضياء.. الأديب المبدع عصام دراز واحد من جنود القتال في نصر أكتوبر يقول: توثقت علاقاتي بزملاء طيارين وأصدقاء كانوا من نفس الجيل الذي حارب في سنة1967 والاستنزاف وأكتوبر, امتزجت تجربتهم بتجربتي, وفي قصة( أول ضوء) التي استوحيت أحداثها من قصة طيار بطل اصيب في حرب67 عند اقلاعه وظل يعالج عاما كاملا واستطاع أن يطير مرة خري وشارك في حرب73 ويسقط أكثر من طائرة اسرائيلية ثم يصاب مرة أخري. في هذه القصة نعيش اللحظات الحرجة قبل قيامهم بالهجوم وهم يسمعون أمر القتال الذي كان مفاجأة سارة لهم وتسابقوا وهم يتجهون إلي طائراتهم لتوجيه الضربة الجوية. ماذا كانت مشاعرهم وهم يستعدون للإقلاع؟ وفي أي شيء كانوا يفكرون؟ وعندما انطلقت الاشارة الخضراء كانت لحظة انطلاقهم وهي لحظة لا تنسي في حياة كل منهم, تسابقوا علي الممرات وارتعشت أجنحة الطائرات قبل الاقلاع, وانطلقوا إلي السماء لأداء المهمة, وكانت لحظة انطلاقهم هي لحظة تحرك التاريخ إلي الأمام. ويقول المقاتل دراز ان تجربة الحرب عميقة الأثر في نفس الإنسان وكانت تجربتي الإبداعية نتاجا مباشرا لتأثير الحرب علي تكويني فكريا ونفسيا. والابداع عندما يمتزج بتجربة الحرب يشكل عمقا جديدا, لهذا فإن قصتي الطويلة القائد لا يبكي رجاله هي نموذج لهذا الامتزاج بين النفس البشرية والحرب. لهذا عندما كنت اساهم في اعادة بناء وحدات الاستطلاع, ثم توليت قيادة احدي هذه الوحدات, كانت رسالتي هي بناء الجندي من حيث الكفاءة القتالية والايمان بالقضية. وكان الحب القائم علي الاحترام يولد طاقة جبارة للعمل, وهنا برزت المواهب ولاحظت تفوق ونبوغ جندي فوزي المصري لهذا كنت ادفعه للامام, وبالتالي كنت ارشحه ليقوم بمهام قتالية خاصة وعندما خاضت وحدتي الحرب فعلا ادي فوزي المصري مهمته بالطريقة التي دربته عليها هو وزملاءه وبروح المبادأة والتحدي. استشهد فوزي المصري ولم أشهد لحظة استشهاده ولكن زملاءه قصوا علي قصة استشهاده البطولية. كان هذا الرقيب نفسه هو الرقيب حسن بطل قصة القائد لايبكي رجاله لقد استوحيت روح وشخصية حسن من البطل الحقيقي فوزي المصري لقد ادي ايضا حسن بطل القصة دوره كما دربه قائده وفي الحرب عندما تعرضت وحدته لحظر الحصار لم يكن أمام القائد إلا أن يكلف حسن بقيادة قوة لفك هذا الحصار. استشهد حسن بعد أن أدي مهمته ببراعة, علي الأرض التي حررها. الكاتب المقاتل فؤاد حسين واحد من قيادات سلاح المخابرات الحربية, يعيش حالة استرجاع للذاكرة الوطنية فيحكي ويقول: كان في أكتوبر73 بطولات لا يعلم عنها أي أحد رغم خطورتها ورغم تأثيرها الحاسم علي مسار الحرب,ومن بين هذه البطولات بطولات المخابرات الحربية التي تمثلت في جمع معلومات تفصيلية عن العدو بمساعدة أهالي سيناء والقيام بعمليات تعرضية للعدو بواسطة منظمة سيناء العربية, تحت ادارة المخابرات الحربية, بالإضافة إلي القبض علي العديد من الجواسيس وافشال مخططاتهم. ومن أهم القضايا هي القصة التي نشرت في رواية بعنوان الخيانة الهادئة للكاتب فؤاد حسين رجل المخابرات السابق, والتي كتبت أحداثها قبل حرب أكتوبر, وهي تحكي عملية من عمليات المخابرات الحربية الناجحة وقادها ضابط شاب مبدع, والقصة تحكي قصة جاسوس من نوع خاص ليس له نظير من جواسيس هذا القرن, فهو فنان يهوي الرسم والموسيقي ووصل إلي مستوي الاحتراف في الرسم يجيد السباحة وحصل علي بطولات, وهو يجيد كل عمل يؤديه حتي التجسس اجادة تامة, ولأن لكل خائن نهاية ولكل بداية نهاية ولكل نهاية هفوة ومن هذه الهفوة استطاع ضابط المخابرات المصري اصطياد هذا الجاسوس وفوق ذلك استغل هذا الجاسوس في خداع المخابرات الاسرائيلية والقبض علي أحد عناصرها المهمة في القاهرة. وكان سقوط عنصر المخابرات الاسرائيلية في غاية الأهمية ونصرا كبيرا للمخابرات المصرية وفي نفس الوقت كنزا بلا حدود من المعلومات الحساسة والدقيقة عن الجيش الاسرائيلي والمخابرات الاسرائيلية.