37 عاما مرت علي حرب أكتوبر المجيدة تلك الحرب التي أعادت للمصريين كرامتهم, غير أن أحدا من المبدعين لم يلتفت إليها بشكل جيد إلي الآن. الجيل الجديد من الشباب لايعرف بل ربما لم يسمع عن حرب اكتوبر إلا من خلال فيلمي الرصاصة لاتزال في جيبي والعمر لحظة وقد غاب عن كتابنا ومؤلفينا أن هذه الملحمة تستحق عملا نتباهي به أمام العالم كما يفعل الآخرون بانتصاراتهم.. حول التقصير في حق الانتصار ابداعيا بعد مرور كل هذه السنوات كان هذا التحقيق. في البداية يقول الدكتور مصطفي عبدالغني: انشغلنا عن رصد التجربة لأننا في الواقع شغلنا بقضايا وهمية كثيرة أهم كما يعتقد البعض من حرب أكتوبر المجيدة مثل الدفاع عن مصر والجزائر أو مصر وتونس في مباراة كروية.. وكذلك أقمنا القضايا الوهمية مثل الصراع بين السنة والشيعة أو الخلاف بين المصريين( المسلم والمسيحي) إلا أن الحرب التي استرددنا فيها كرامتنا نغفلها تماما, والجيل الجديد غاب بين الثقافة الرقمية والمدونات والفضائيات دون أن يتنبه أحد إلي أن العدو الحقيقي هناك في القدس, لأن التاريخ يقول حين تهدد بوابة مصر الشرقية تهدد مصر, وهذه حقيقة لانجدها في الرواية أو القصة أو الشعر. للأسف المسئولون عن صناعة السينما والدراما والمسرح والمؤتمرات الثقافية انشغلوا بموضوعات أخري وقضايا تهمهم وتخصهم هم دون غيرهم. بينما يقول الروائي إبراهيم عبدالمجيد إن تلك الفترة لم يكن فيها عدد كبير من المبدعين, ولهذا كانت الكتابات التي تجسد التجربة قليلة إلي حد كبير, يضاف إلي ذلك التغيرات الكبيرة التي حدثت بعد الحرب منها مثلا اتفاقية كامب دافيد التي أفقدت المثقفين الثقة, إذ كيف نكون منتصرين ثم تعقد مثل هذه الاتفاقية, يضاف لذلك التغيرات الاجتماعية والسياسية والانفتاح الاقتصادي والاقتراب من أمريكا, أعتقد كل هذه العوامل أربكت المبدعين وأبعدتهم عن رصد التجربة كما يجب أن يكون. واستكمل عبدالمجيد رغم هذا نري بعض التجارب التي كتبت عن الملحمة ولم يلتفت إليها أحد مثلما كتب الشاعر أحمد الحوتي وهو أحد أبطال المعركة بالجيش الثالث وتجاهلوا كتاباته.. ويري الدكتور مصطفي الضبع ضرورة وجود علاقة بين الأدب والأحداث الكبري المؤثرة في حياة الشعوب.. وحرب أكتوبر واحدة من هذه الأحداث ذات الطابع المصيري, ومن ثم تصبح العلاقة حتمية.. فإذا تابعنا أكتوبر أو انطلاق المعركة بوصفه نقطة فاصلة بين حياتين يكون لزاما علينا أن نستكشف المساحات التسجيلية للحرب في الأدب. ويضيف الضبع قائلا كان تناول القصيدة لهذا الانتصار أعلي وأكبر مما كتب روائيا.. وإذا كان للشعر طابعه الانفعالي أو الحماسي, فللرواية والقصة والسرد عموما طابعه التسجيلي.. وما يمكن الوقوف عنده هو مساحات من التقصير تجاه حرب كتوبر إذ تظل هناك أمنية أن تقدم الحرب علي المستوي الفني سواء في الأدب أو السينما أو الدراما بشكل أرقي يتناسب أولا مع حجم الحدث ويليق بالتجربة كما يجب أن نسجلها للتاريخ وللأجيال القادمة. ويشير الدكتور مدحت الجيار إلي أن الأعمال الأدبية والفنية التي تؤرخ أو تصور حرب أكتوبر مازالت مقصرة في حق هذا الانتصار النادر في تاريخ مصر والعرب.. فقد اختفي الحلم الوثائقي والحلم الدرامي الذي يعتمد علي حقائق الحرب خاصة بعد مرور سبعة وثلاثين عاما علي النصر. وأضاف الجيار لابد أن يستيقظ الكتاب والفنانون لصياغة الافلام والمسلسلات والكتابة الأدبية في الرواية والقصة والشعر إلي أنه حدث أنهي مرحلة طويلة من مراحل الصراع في المنطقة وأنه إنتصار لم نذق مثله منذ قرنين من الزمان, ولهذا نطالب وزارة الثقافة وكل الوزارات المعنية بمشروع يؤرخ للحرب ونتائجها, لأن هناك جيلا كاملا عمره يقترب من الأربعين عاما يسمع عن حرب أكتوبر ولايعرف عن هذه الملحمة شيئا, وهذا أمر بالغ الخطورة. ويؤكد الشاعر أحمد سويلم أحد مقاتلي حرب أكتوبر أن هناك أعمالا كتبت بالفعل, ولكن لم يلتفت إليها, ربما لأنها كانت صادقة جدا في تصوير الحدث, بخلاف ما يرسخه الإعلام في أذهان الناس من المبالغة غيرا لمقبولة.. وعن نفسي لا أجد مبررا لهذا الصمت أمام هذا العمل العظيم, خاصة ان لدينا امكانيات فنية يمكن أن تجسد هذه البطولات الكثيرة من خلال العودة لمذكرات المقاتلين التي هي المنبع الرئيسي والمعين الحقيقي للسرد. يقول الروائي سعيد الكفراوي لايوجد من المبدعين أي تقصير لأن هؤلاء لم يحضروا الحرب, وللأسف لم تصور الحرب حتي يراها الكتاب وما نراه من خلال الأقلام ماهي إلا لقطات للتدريب, فلم نصور إلا لقطات قصيرة.. كذلك لم تتح أي فرص لحضور فعاليات تلك المواجهة التي كان يجب أن توثق وتصور ليعيش الكتاب والفنانون ظروفها وصراعها كما كان الحال مع الأعمال الكبيرة التي كتبت عن الحرب مثل رواية الحرب والسلام ل( تولستوي) ورواية كل شيء هادئ في الميدان الغربي للكاتب الألماني ماريا ريمارك. هم كانوا بالفعل شهود عيان من داخل حلبة الصراع, أما الأديب المصري ولم ير بالصورة ولم يشارك ليكتب, وهذه مأساة كبيرة ألا تسجل تلك الحرب من خلال عين الكاميرا أو نص روائي أو ملحمة شعرية بسبب منع الفنانين والأدباء من المشاركة في هذا العمل العسكري الكبير.. للأسف اليهود لديهم ساعات من التصوير عن حرب67 عن الأسري وصيد الدبابات والطيارات يوما بيوم.. وقد حرمنا نحن من هذا للأسف الشديد, وكل ما كتب عن حرب أكتوبر مجرد ذكريات لم تر ولم تعش بالفعل.