هي مخاطرة بكل المقاييس، كلما تلقيت اتصالاً من هؤلاء الأصدقاء يرددون عبارات من شأنها إحراجي وتوبيخي " من لم يأت شرم الشيخ لم يستمتع بحياته " وأنت تعلم أيها القارئ الكريم أن الزن علي الودان أمر من السحر، أثروا علي، جعلوني أنطلق نحو طريق لم أعرفه من قبل سوي في الأفلام السينمائية، وبعد تفكير أكتسب منه قوة تتناسب وطول الرحلة وربما صعوبتها، فكل شيء بها مجهول! لكني قررت خوض التجربة، تساءلت عن طول الطريق وعدد ساعاته بين القاهرة ومدينة السلام شرم الشيخ ؟ ترددت طويلاً لينتهي الأمر بتجهيز حقيبة صغيرة جداً بها ما قل واستُخدم، سألت : من أين طريق شرم الشيخ ؟ هل هو نفسه طريق العين السخنة ؟ جهل! تقبله واغفرلي عزيزي القارئ فقد قررت العلم بالشئ، بل هو طريق السويس .. انطلقت وحين وصلت إلي نهايته شاهدت مرحلة أخري، مرتبطة بتاريخ بلدي، منطقة الجيش الميداني الثالث ثم نفق الشهيد أحمد حمدي وطوله حوالي ستة كيلو مترات تصورت للحظات كيف ساهم العميد مهندس أحمد حمدي في تطوير الكباري روسية الصنع كي تلائم طبيعة قناة السويس وكيف اكتسب لقب صاحب اليد النقية، نظراً لإبطاله آلاف الألغام قبل انفجارها وكيف فجَّر بنفسه كوبري الفردان الذي يلي النفق حتي لا تتمكن إسرائيل من اجتيازه، إنها بقعة هامة من تاريخ مصر والواضح أنها كانت مسرح أحداث حرب أكتوبر، رأيتها متحفاً مفتوحاً، إمتد كي أخرج من نهاية النفق حيث الجنود المصريين ما زالوا واقفين صامدين في حراسة معابر مصر، إذ يربط النفق بين مصر وشبه جزيرة سيناء التي كانت محتلة قبل حرب أكتوبر العاشر من رمضان، مشهد أبرزته السينما المصرية ولم أكن أتصور أن الواقع بهذه الروعة بينما حالة من الإنتماء والفخر رافقتني منذ هذه اللحظة! إنبهار وشعور قوي بمصريتي وعشقي للبلد وشغف كبير لاختراق الطريق فالبوادر رائعة، ثم بدأت أربط بين الخريطة المتوفرة بمنازلنا واللافتات التي أعبر بجانبها، " عيون موسي " وقد شهدت إحدي معجزات سيدنا موسي عليه السلام حين أمره الله أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت اثنتا عشرة عيناً ليشرب قومه والآن وقد تبقي منها القليل بعد عوامل الزمن ألا يستحق هذا الجزء الهام من بلدنا إصطحاب أبنائنا والتعرف إلي جزء مبارك من أرض مصر ؟! ثم مررت برأس سدر جنوبسيناء " ثم " أبورديس " كلها مناطق بدوية وقبل مدينة " أبو زنيمة " أعلن المؤشر قرب نهاية الوقود!! شعور بالقلق امتزج بالخوف من طريق مجهول! فاجأني عامل المحطة : ليس لديه وقود وأول محطة تبتعد مائة كيلومتراً! اتجهت وعيناي علي المؤشر مترقبة، لكني أسير في ثبات حتي الوصول قبل دخول الليل، ربااااه، أضاء المؤشر يهددني بالوقوف قبل طور سيناء بثلاثين كيلومتراً! استعنت بصديق يعتاد هذه الرحلة ليصدر توجيهاته : إغلقي التكييف، لا تتخطي سرعتك المائة، فزيادة السرعة تستهلك معدلا أعلي من الطبيعي في الوقود، التزمت بينما آخر يخبرني : يمكنك دخول الطور عمق خمس كيلو مترات بينما تسيرين في طريق شرم الشيخ ثلاثة كيلومترات لأول محطة! إذن أبقي في طريق شرم! وفي المحطة يخبرني العامل : ليس بها الوقود المعتاد!! سألته مصدومة : أيحدث تلف في خزان الوقود إذا استخدمت نوعاً آخر؟ رد : لا إنقاذاً للموقف، ثم واصلت السير نحو رأس محمد وكل المناطق التي مررت بها هي محميات طبيعية فمشهد الجبال المحيطة رائعة الجمال تتميز بألوان الطيف بينما سقوط أشعة الشمس علي مياه القنال مبهر، وفي مدخل مدينة السلام.. حيث مشهد اليخوت في لقطة سياحية رائعة تذكرت معها اليونان، المشهد يشير إلي أناقة قاطني المدينة، ثم التقيت الأصدقاء وبدأنا فوراً جولة في المدينة الساحرة نظراً لضيق الوقت حيث أخبرتهم أن عودتي إلي القاهرة غداً، تجولنا وهم واثقون لبقائي حيث سحر المدينة لا يقاوم وإرهاق السفر يحول دون العودة إلا أن استعدادي النفسي للعودة اقترن بضبط النفس، في شرم الشيخ تشعر بأنك في دولة أوروبية حيث تواجد السياح بكامل حريتهم كما لو كانوا في بلادهم، فضلاً عن النظافة الملحوظة للوهلة الأولي والتي جعلتني أتساءل لما لا تصبح مصر كلها شرم الشيخ؟ توجهنا إلي عدة أماكن منها ما هو غاية في الهدوء ومنها شديد الصخب، واسمح لي عزيزي القارئ أن أحدثك في مقالٍ قادم عن مشاكل شباب مصر العاملين في مجال السياحة ولقاء بنات عرب 48 .. أحداث سمعتها وشاهدتها في مدينة السلام المصرية شرم الشيخ. حنان خواسك