كيف واجهت السويس مع صاعقة الجيش الثالث القوات الاسرائيلية وألحقت بها الهزيمة في الهجوم لمحاولة دخولها بعد فشل شارون في محاولة احتلال الإسماعيلية مثل ما ألحقت بورسعيد الهزيمة بالقوات البريطانية والفرنسية في العدوان الثلاثي عام 65 وأجبرت قوات الغزو علي الخروج منها بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بها نتيجة المقاومة الباسلة لاهلها المدنيين.. استطاعت السويس أن تلحق هزيمة أخري بالقوات الاسرائيلية في حرب أكتوبر 37 عندما حاولت احتلال المدينة لكي تحكم الحصار علي قوات الجيش الثالث الصامدة في سيناء - في الضفة الشرقية بعد ثغرة الدفرسوار.. وقام اهالي السويس بدور بطولي في التصدي لقوات الجنرال آدان كانت تتقدم جنوبا لاقتحام المدينة ولكنها اضطرت الي التراجع بعد الخسائر الفادحة وتدمير الدبابات الاسرائيلية علي مداخل المدينة وصمود الاهالي - بعد سنوات التهجير - مع وحدات الفرقة 91 وكانت ضربة موجعة للإسرائيليين وفشلا ذريعاً لخطة شارون عندما حاولت دخول الاسماعيلية ولكنها منيت بخسائر كبيرة ولم تكمل الخطة. ولابد من العودة إلي ظروف معركة السويس كما ترويها الوثائق ويوميات المعركة.. وكانت بدايتها عندما تمكنت القوات الاسرائيلية من عمل الثغرة في مفصل الجيش الثاني والجيش الثالث في سيناء وقامت باختراق مواقع الجانب الأيمن للجيش الثاني وتسربت بعض الدبابات ليلة 51/61 أكتوبر عبر كوبري علي القناة - في حدود سبع دبابات أو أكثر - إلي منطقة الدفرسوار، ووقتها أعلنت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل: أن لنا قوات إسرائيلية تقاتل غرب القناة.. وبذلك صار الموقف يعتبر خطيراً في هذه النقطة من الجبهة وتم استدعاء اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني إلي مركز العمليات وشرح له اللواء عبد الغني الجمسي أن أحد الألوية المشاة الميكانيكية من الفرقة 32 المتمركزة غرب القناة في احتياطي الجيش قد تم دفعه لمواجهة القوات الإسرائيلية في الدفرسوار وحدث اشتباكات قبل الظهر إلا أن الموقف غير واضح عن حجم الثغرة في قطاع الاختراق، وفي هذا اليوم 61 اكتوبر بدأت البلاغات تصل إلي قيادة العمليات بأن عدداً من كتائب صواريخ الدفاع الجوي - غرب القناة - قد هاجمتها دبابات العدو - وكانت كل مجموعة تتشكل من 7 - 01 دبابات (سرية مدرعة) تطلق نيرانها من مسافة كيلو متر علي مواقع الصواريخ ثم تنتقل بسرعة إلي موقع آخر.. واتضح أن العدو يستخدم حوالي 03 دبابة - كتيبة دبابات - لتنفيذ العملية، وتعذر علي قيادة الجيش الثاني تحديد حجم القوة المعادية وأماكن تمركزها وقررت القيادة العامة سرعة احتواء القوات الاسرائيلية في منطقة الدفرسوار ولذلك تحرك اللواء 32 المدرع من شرق القاهرة لكي يتمركز علي طريق مصر -الاسماعيلية الصحراوي- قريباً من منطقة الاختراق وعلي استعداد للدخول في معركة ضد قوة الدبابات. ديان يعترف بالخسائر وكان قرار القائد العام - الفريق احمد إسماعيل - الذي اتخذه مساء 61 أكتوبر هو ضرورة سد الثغرة في شرق القناة لمنع تدفق أي قوات معادية أخري وعزل القوة الاسرائيلية التي تعمل غرب القناة - في جيب محاصر - وفي نفس الوقت تدميرها.. فقد تأكد أن هناك ثغرة في منطقة الدفراسور، وكانت الخطة تقضي ان تتدفق قوات العدو غرب القناة وكانت هناك قوات اسرائيلية قد تسللت بالفعل واشتبكت مع قواتنا.. وفي يوم 71 أكتوبر كانت القوات المصرية شرق القناة تقوم بسد الثغرة، وذلك بأن تقوم الفرقة 12 المدرعة (من الجيش الثاني) بدفع قواتها في اتجاه الجنوب وفي نفس الوقت يقوم الجيش الثالث بدفع اللواء 52 المدرع في اتجاه الشمال. وبالتالي يمكن سد الثغرة من الشرق وفي نفس الوقت يقوم لواء من الفرقة 32 الميكانيكية بالهجوم ضد قوة العدو التي عبرت إلي الغرب (منطقة المفصل بين الجيشين) وتعرض اللواء 52 المدرع أثناء تقدمه شمالاً (من الجيش الثالث) شرق البحيرات لقصف جوي شديد وهجوم مضاد علي الجانب الأيمن من مدرعات العدو ولذلك تكبد خسائر كبيرة وأضطر للتوقف وبالتالي لم يتم سد الثغرة من الشرق. وقام الاسرائيليون لتأمين الثغرة من الشرق الي إقحام فرقة الجنرال آدان ضد الجانب الأيمن للجيش.. ولذلك تمكنوا من دفع وحدة الكباري واسقاط كوبري في القناة تحت قصف مستمر في مدفعية الجيش الثاني واصبح للعدو من فرقة شارون كتيبتان من الدبابات وكتيبتان من المظلات في منطقة الدفرسوار غرب القناة. ويقول الجنرال ديان وزير الدفاع وقتها عن فرقة شارون بعد القتال العنيف والخسائر الكبيرة التي تحملتها الفرقة للوصول إلي الضفة الشرقية لتأمين منطقة انشاء الكوبري: لقد حاربت فرقة شارون وتكبدت ابشع الخسائر واستولي رجاله علي رأس الجسر في معركة مدرعات شرسة تعرضوا فيها لنيران المصريين المهلكة المتواصلة، وفي هذه المعركة قتل أكثر من مائتي جندي وقائد إسرائيلي من السرايا..! واستمر القتال في شرق وغرب القناة الا أن القتال في الغرب كانت له الاسبقية وبعد ان تمكن العدو من انشاء كوبري في الدفرسوار وازداد تدفق قواته المدرعة غرب القناة (من 81 إلي 02 اكتوبر). فشل هجوم الاسماعيلية اتجهت قوات شارون شمالاً في اتجاه الإسماعيلية في محاولة لدخول المدينة حتي يكون لذلك تأثيره السياسي وفي نفس الوقت تهديد مؤخرة قوات الجيش الثاني، وواجهت الهجوم الاسرائيلي باللواء 051 مظلات وكتيبتين من الصاعقة واللواء 51 مدرع وأمكنها إيقاف تقدم فرقة شارون عند ترعة الاسماعيلية ولم تستطع دخول المدينة واحتلالها. وفي نفس الوقت عبرت فرقة آدان المدرعة ليلة 71/81 أكتوبر واصبحت جاهزة للتقدم عبر رأس الكوبري جنوباً في اتجاه السويس - لقطع الإمدادات للفرقة 91 المحاصرة شرق القناة - واتجهت بعض القوات الاسرائيلية غربا وجنوبا لتوسيع الثغرة غرب القناة مع التركيز لتدمير مواقع صواريخ الدفاع الجوي حتي يتاح للطيران الاسرائيلي الغارات بحرية فوق سيناء والقناة..ومنذ مساء هذا اليوم ونظراً لأن العدو لديه فرقتان مدرعتان غرب القناة كان لابد من أن تدور المعارك الرئيسية غرب الدفرسوار.. وكان لدينا في الاحتياطي غرب القناة الفرقة الرابعة المدرعة. وكان من الضروري وضع الفرقة الرابعة المدرعة تحت القيادة المباشرة للقيادة العامة حتي يمكن استخدامها باعتبارها القوة الرئيسية - إما في قطاع الجيش الثاني أو الثالث غرب القناة - حسب تطور الموقف.. وبينما كانت قوات آدان تتقدم جنوبا لعزل الفرقة 91 نهائيا - في سيناء - شرق القناة بالاستيلاء علي مدينة السويس وبدأت المعركة.. وظلت الفرقة 91 محاصرة في مواقعها وكانت تقوم بشن هجمات مضادة علي القوات الاسرائيلية التي تقوم بالحصار.. وقامت بأعمال بطولية حتي تحتفظ بوجودها في سيناء ولا تنسحب الي الضفة الغربية وكانت تحت قيادة اللواء يوسف عفيفي. ومما يذكر أن أهالي السويس ظلوا علي اتصال مباشر بالفرقة 91 طوال فترة الحصار رغم الهجمات الاسرائيلية وكانوا يساعدون في نقل المؤن والزخائر أثناء الليل عبر القناة رغم المخاطر.. وكانت الكباري فوق القناة تقع تحت غارات الطيران الاسرائيلي. السويس تهزم الاسرائيليين وقام أهالي السويس بتكوين مجموعات منهم للتصدي للهجوم الاسرائيلي الوشيك واقامة المتاريس علي مداخل المدينة لإعاقة الدبابات الإسرائيلية عن محاولة اقتحام السويس بعد الهزيمة التي حدثت لهم في الاسماعيلية.. وفي ذات الوقت قامت مجموعات من قوات الصاعقة بالعبور في مواقع (الجيش الثالث) شرق القناة للدفاع عن السويس وأقامت التحصينات اللازمة واتخذت أماكنها علي مشارف المدينة وداخل بيوتها، وتولي الشيخ حافظ سلامة تنظيم المقاومة الشعبية من الشباب والاهالي في حي الأربعين وانضموا إلي قوات الصاعقة والتي تولت عمل كمائن للدبابات المعادية - من فرقة الجنرال آدان - المتقدمة علي الطريق صوب السويس من ناحية الإسماعيلية بعدما فشلت في دخولها وتم ايقافها عند ترعة الإسماعيلية.. وكانت قوات الجيش الثالث قد قامت بنقل كميات كبيرة من الاسلحة المضادة للمدرعات إلي داخل المدينة استعدادا للمعركة وكان هناك تصميم من الاهالي علي مقاومة الهجوم الاسرائيلي مهما كان الثمن. وعندما تقدم طابور الدبابات المعادية إلي مدخل السويس فوجئ بالمتاريس وبالنيران المكثفة من الصاعقة والأهالي وتوقف الطابور بعد ما شعر الاسرائيليون بالمصيدة ووقوع الخسائر الفادحة في الدبابات والجنود وتوقفت القوات عند مشارف المدينة واستدارت للانسحاب ولكن الصاعقة والأهالي قاموا بقطع الطريق عليهم ومحاصرة المقدمة من الطابور وتدمير دباباته وبينما قامت باقي الدبابات بالتراجع في اتجاه الدفرسوار وكانت تلك المقاومة العنيفة مفاجأة للجنرال آدان الذي قرر الانسحاب بعدما فشلت قواته في تنفيذ خطة اقتحام السويس، وكانت الدبابات الاسرائيلية المحترقة وحطامها شاهدا علي ذلك.. وكما قال لي اللواء يوسف عفيفي إنها ملحمة بطولية! ونتج عن ذلك أوضاع استراتيجية غيرملائمة لإسرائيل وكذلك دعائية لان قواتها عجزت عن احتلال أي مدينة من مدن القناة الكبري، وتحولت الثغرة المحاصرة في الدفرسوار إلي مجرد »جيب« محاصر لقواتهم.. وبعد وقف إطلاق النار ظهرت حقيقة »الثغرة« عندما طلبت إسرائيل ترك الدفرسوار وسحب قواتها شرقاً إلي سيناء وبعيداً عن القناة.. بعد توقيع فض الاشتباك الاول وهي الاتفاقية التي نجح كيسنجر في تحقيقها! وهكذا كانت معركة السويسالمدينة الباسلة وصمود وتصدي الاهالي للهجوم الاسرائيلي والحاق الهزيمة بالعدو رغم المعاناة من سواتن التهجير والحصار وقدموا نموذجاً تاريخياً لمدن القناة!