بشهادة المشير الجمسي: عندما عاد الشاذلي من الثغرة لم يكن منهارا ولكن السادات عزله للخلاف معه هل أخطأ الفريق سعد الدين الشاذلي في تقدير الموقف العسكري أثناء ثغرة الدفرسوار في حرب أكتوبر؟ وهل أصيب رئيس الأركان وقتها بانهيار بعد عودته من الجبهة؟ ولماذا حدث الخلاف بين الرئيس السادات وبينه في مركز العمليات في ليلة 02/12 أكتوبر حول كيفية مواجهة الثغرة التي قام بها الاسرائيليون - بقيادة الجنرال شارون- في الجانب الأيمن للجيش الثاني ووصول قوات اسرائيلية إلي غرب القناة؟ فالآراء متضاربة والتفسيرات مختلفة حول أسباب عزل الرئيس السادات للفريق الشاذلي من منصبه وفي مرحلة حرجة اثناء العمليات.. والواضح أن الخلاف بين رأي المشير أحمد إسماعيل القائد العام- والذي كان يسانده السادات- وبين الفريق سعد الشاذلي، كان هو سبب العزل حتي لا يحدث تضارب داخل القيادة العامة وبما يؤدي إلي عواقب خطيرة..! كان الرئيس السادات قد حضر إلي مركز العمليات لمتابعة التطورات في الدفرسوار، وبعد ان استمع إلي تقرير عن الموقف من الفريق أول أحمد إسماعيل تقرر إيفاد الفريق الشاذلي رئيس الأركان إلي قيادة الجيش الثاني للعمل علي منع تدهور الموقف وذلك باتخاذ الاجراءات للقضاء علي قوة الاسرائيليين في غرب القناة ومحاولة قفل الثغرة في شرق القناة وهي كلها في قطاع الجيش الثاني، وأمضي الشاذلي يومين في منطقة الدفرسوار للتحقق من حجم الثغرة ومدي خطورتها علي أوضاع القوات المصرية في سيناء، ورصد الموقف علي الطبيعة وتأكد من أنه لابد من مواجهة حاسمة للتداعيات المحتملة لو لم يتم اتخاذ اجراء عسكري مضاد من جانب الجيش الثاني، وكان الشاذلي قد وضع تقدير الموقف بناء علي رؤيته الميدانية.. وهو ضرورة سحب أربعة لواءات مدرعة من الشرق إلي الغرب خلال أربع وعشرين ساعة للدخول في معركة ضد القوات الاسرائيلية، وان ذلك من وجهة نظره لا يؤثر علي كفاءة دفاعاتنا في الشرق، كما يري ان الموقف خطير وبحيث لا يتم توسيع الثغرة في الشرق ضد الجانب الأيمن للجيش الثاني، ولكن أحمد اسماعيل رفض خطة الشاذلي بحجة عدم سحب أية قوات مصرية من سيناء! وأظن أن سرد الحقيقة المجردة في حد ذاتها تعتبر أعظم رد اعتبار للفريق الشاذلي من التشويه الظالم الذي تعرض له بسبب موقفه ورؤيته المخالفة لقرار السادات المتفق مع قرار القائد العام، وهو أمر وارد بين القادة في الجبهة.. ومن الضروري العودة إلي ملفات حرب أكتوبر وما حدث في ذلك الاجتماع الهام برئاسة السادات القائد الأعلي في مركز العمليات ليلة 12 أكتوبر.. وكما يتضح من شهادة المشير محمد الجمسي- الذي كان وقتها رئيس العمليات- سبب الخلاف بين السادات والشاذلي بدرجة انه استمع إلي آراء جميع القادة الحاضرين وتجاهل رئيس الأركان.. وهي شهادة محايدة حسب ما سمعتها منه وحسب ما هي موثقة في مذكراته: مواجهة الثغرة.. كيف؟ »كان علينا في القيادة العامة أن نقرر الطريقة لمواجهة الموقف، فهناك ثغرة في شرق القناة بمنطقة الدفرسوار تتدفق منها القوات الاسرائيلية غربا وهناك قوة وصلت فعلا إلي غرب القناة، وكان قرار القائد العام مساء يوم 61 أكتوبر هو ضرورة سد الثغرة في شرق القناة لمنع تدفق أي قوات اسرائيلية أخري وعزل القوة الموجودة في الغرب وتدميرها.. وكانت الخطة تقضي بأن تقوم الفرقة 12 المدرعة »الجيش الثاني« بدفع أحد لواءاتها في اتجاه الجنوب وفي نفس الوقت يقوم الجيش الثالث بدفع اللواء 52 المدرع في اتجاه الشمال وبالتالي يمكن سد الثغرة من الشرق.. وفي نفس الوقت يقوم لواء من الفرقة 32 الميكانيكية بالهجوم ضد القوات الاسرائيلية التي عبرت إلي غرب القناة.. ولكن تعرض اللواء 52 المدرع اثناء تقدمه شرق البحيرات لقصف جوي شديد وهجوم مضاد علي جانبه الأيمن واضطر للتوقف نتيجة خسائر كبيرة وبالتالي لم يتم سد الثغرة من الشرق.. واضطر العدو لتأمين الثغرة في الشرق إلي إقحام فرقة الجنرال آدان ضد الجانب الأيمن للجيش الثاني وتمكنت من اسقاط كوبري بالقناة واصبح لفرقة شارون كتيبتان من الدبابات وكتيبتان من المظلات علي عربات مصفحة في منطقة الدفرسوار غرب القناة وتكبدت خسائر فادحة بشهادة ديان نفسه وقتل اكثر من مائتي جندي وقائد إسرائيلي! واتجهت قوات شارون شمالا في اتجاه الاسماعيلية في محاولة لدخول المدينة ولتهديد مؤخرة قوات الجيش الثاني- وكان يتولي قيادته اللواء عبدالمنعم خليل- ولكن تم مواجهة هذا الهجوم وأمكن ايقاف فرقة شارون عند ترعة الاسماعيلية..! وفي ليلة 71/81 أكتوبر عبرت فرقة آدان المدرعة وصارت جاهزة للتقدم جنوبا في اتجاه السويس، واتجهت قوات اسرائيلية لتوسيع الثغرة غرب القناة مع التركيز علي تدمير مواقع صواريخ الدفاع الجوي، ودارت المعارك الرئيسية غرب الدفرسوار وكان لدينا الاحتياطي غرب القناة الفرقة الرابعة المدرعة.. وخلال يومي 91 و02 أكتوبر تقدمت المدرعات الاسرائيلية غربا وجنوبا في اتجاه فايد في ظل تفوق جوي اسرائيلي، وقد بذلت قواتنا الجوية مجهودا كبيرا خلال هذه الفترة الصعبة بالتعاون مع الدفاع الجوي لحماية القوات المصرية وبلغ المتوسط في منطقة الثغرة 033 طلعة طائرة في اليوم خلال المدة من 51 إلي 81 أكتوبر، وكذا متوسط 052 طلعة طائرة في اليوم خلال المدة من 91 إلي 22 أكتوبر..! كان الفريق سعد الشاذلي في قيادة الجيش الثاني بعد ظهر 81 أكتوبر وكنت - اللواء الجمسي- علي اتصال مستمر معه وبعد اطلاعه علي الموقف تماما عاد مساء يوم 02 أكتوبر برأيه لمواجهة تهديد العدو الموجود في غرب القناة وهو: ضرورة سحب اربعة لواءات مدرعة من الشرق إلي الغرب خلال 42 ساعة للدخول في معركة مع القوات الاسرائيلية التي نفذت من ثغرة الدفرسوار والقضاء عليها.. كما انه يري ان الموقف خطير ويجب طلب حضور القائد الأعلي لشرح الموقف أمامه.. خلاف في مركز العمليات عندما حضر الرئيس السادات إلي مركز العمليات حوالي العاشرة والنصف مساء 02 أكتوبر، كان الفريق الشاذلي مجتمعا مع قائد القوات الجوية واللواء محمد علي فهمي واللواء سعيد الماحي »المدفعية« واللواء فؤاد نصار »المخابرات الحربية« وأنا.. في غرفة المؤتمرات داخل مركز العمليات، لمناقشة الموقف.. واجتمع السادات مع أحمد إسماعيل علي انفراد لمدة حوالي ساعة قبل بدء المؤتمر، وعرض القائد العام وجهة نظره ورأي الشاذلي وهما رأيان متعارضان وكانت نقطة الخلاف الرئيسية هي أن الشاذلي يري سحب اربعة ألوية مدرعة من الشرق إلي الغرب، أما أحمد إسماعيل القائد العام فكان يرفض ذلك! دخل الرئيس السادات ومعه أحمد إسماعيل وعبدالفتاح عبدالله وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية غرفة العمليات، وطلب رأي المجتمعين من القادة واحدا بعد الآخر وبدأ مدير المخابرات الحربية يشرح موقف اسرائيل ونواياها وأنها تهدف من المعركة غرب القناة إلي احتلال مدينة الاسماعيلية أو السويس وهو ما يحقق لها هدفا سياسيا وتأثير ذلك علي الموقف العسكري لقواتنا.. وكنت أنا - الجمسي- المتحدث الثاني وأبرزت ان قواتنا في شرق القناة قوية بالقدر الكافي والذي يجعل منها صخرة تتحطم عندها أي محاولات للعدو ضدها.. ونظرا للانجاز العسكري الذي تحقق بوجود قواتنا شرق القناة لا يجب التنازل عنه أو تعريضه للخطر لذلك فإن المحافظة علي قواتنا في سيناء كما هي دون سحب أي قوات رئيسية منها أمر واجب، وكان رأيي أن سحب اللواءات المدرعة المصرية من الشرق إلي الغرب يترتب عليه اهتزاز دفاعات قواتنا في الشرق الأمر الذي لا يمكن قبوله، واتذكر انني قدمت أعداد الأسلحة الرئيسية من الدبابات والمدفعية والمشاة وبصفة خاصة كميات الذخيرة الموجودة في الشرق، وانها تكفي للاحتفاظ بمواقعنا! وبعد ان استمع السادات لآراء باقي القادة لاحظت ان الفريق الشاذلي لم يتكلم، وقرر الرئيس »عدم سحب أي قوات من الشرق- في سيناء- مع احتواء القوات الاسرائيلية الموجودة في الغرب«! ويفسر الشاذلي الموقف الذي اتخذه بعدم إبداء رأيه في المؤتمر- كما جاء في مذكراته- فيقول: طلب الرئيس الكلمة من المجتمعين واحدا بعد الآخر وقام كل منهم بشرح موقف القوات بأمانة تامة، وبعد ان استمع إليهم جميعا لم يطلب مني الكلمة وعلق قائلا: »لن نقوم بسحب أي جندي من الشرق« ولم أتكلم ولم أعلق.. وغمزني عبدالفتاح عبدالله وهمس في أذني »قل شيئا« ولكنني تجاهلت نصيحته.. ماذا أقول وقد اتخذ الرئيس القرار ولا يريد أن يسمعني.. انني أريد ان اسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق وهو يعارض سحب جندي واحد.. انه لم يتخذ القرار عن جهل بل علي معرفة تامة بالموقف وهذا هو قراره! بشهادة الجمسي في مثل هذا الموقف المعقد الذي كانت تواجهه قواتنا تتعدد الآراء وتتباين وجهات النظر، وعندما يتخذ القائد العام قراره فلابد ان تلتزم قيادته وقواته بالتنفيذ.. وبشهادة الجمسي: لقد عاصرت الفريق الشاذلي خلال الحرب وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة وكان بين القوات في سيناء.. وأقرر انه عندما عاد من الجبهة يوم 02 أكتوبر لم يكن منهارا- كما وصفه السادات في مذكراته بعد الحرب- ولا اقول ذلك دفاعا عن الفريق الشاذلي لهدف أو غرض، ولا مضادا للرئيس السادات لهدف أو مصلحة ولكنها الحقيقة اقولها للتاريخ! لقد كان هناك خلاف في فكر رئيس الأركان وفكر القائد الأعلي علي الطريقة التي نواجه بها موقفاً عسكريا أمامنا، وهذا واجب وحق كل مسئول في القيادة ان يبدي رأيه واقتراحه، ولكن القرار في النهاية الذي يتحتم علي الجميع الالتزام به هو قرار القائد العام المسئول عن إدارة العمليات، لقد التزمت القيادة العامة بالقرار الذي اتخذه القائد العام مؤيدا بقرار من القائد الأعلي في هذا الموقف، واقول ان القرار من وجهة نظري كان صحيحا وسليما! وعندما انتهي الاجتماع غادر الرئيس السادات مركز العمليات دون أن يبين انه يفكر في الموافقة علي وقف اطلاق النار بعد ان تكرر رفضه له أكثر من مرة خلال الحرب! وفي ذات الوقت كان قد اتخذ قرارا آخر بعزل الفريق سعد الدين الشاذلي من رئاسة الأركان وتعيين اللواء محمد عبدالغني الجمسي رئيس العمليات خلفا له! ورغم ذلك فقد منحه السادات نجمة الشرف أعلي وسام في الدولة.. وجاء قرار المجلس العسكري الأخير باعادة نجمة الشرف إلي الفريق سعد الشاذلي بمثابة رد الاعتبار له!