في الثامنة والربع من مساء يوم الرابع عشر من أكتوبر 1973، تحركت مجموعة قتالية يديرها قائد ومؤسس أشرس فرق القوات المسلحة المصرية، إبراهيم الرفاعي، ضمت النقيب «طارق عبد الناصر» – شقيق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والمقاتلين: «عبد العزيز عثمان، سمير نوح، هنيدي مهدي أبو شريف، وعبد المنعم أحمد غلوش». تحركت المجموعة القتالية في ذلك اليوم من رأس غارب، متجهة صوب هدفها الذي لا ترى الليلة سواه، في الوقت الذي بدأ لنشان تابعان للعدو الصهيوني يتجهان نحو الجنوب للمراقبة. توقف أفراد المجموعة في أماكنهم للاختفاء، فالتعليمات الصارمة تحظر الاشتباك مع العدو في هذه المرحلة من الخطة، في خلال فترة قصيرة عاودت المجموعة التحرك صوب الهدف وهو مستودعات البترول في رأس شراتيب. فجأة انطلقت النيران المصرية المتنوعة بين الرشاشات وقذائف الآر بي جيه والبنادق الآلية لتمزق سكون المساء، ولم تكن الخزانات الأمامية الموازية للبحر تحتوي أي مخزون بترولي، إلا أنه فور وصول سيول النيران المصرية على باقي الخزانات بدأت أصوات الانفجارات تملأ المكان واشتعلت النيران في جميع الخزانات، وتحول الموقع إلى مساحة شاسعة رهيبة مغطاة تماما بالنيران. أصبحت المجموعة في هذه اللحظات مكشوفة تماما أمام قوات العدو، المتواجدة فوق ربوة مرتفعة بحيث يمكنها اصطياد أفراد المجموعة الباسلة، وهنا بدأ أفراد المجموعة المصرية في تنفيذ ما كان محظورًا عليهم منذ دقائق رغم أنهم كانوا في أشد حالات الاشتياق إليه، وهو الاشتباك مع أبناء صهيون.. ظلت الفرقة القتالية الباسلة تمطر العدو المفترض أنه يتمتع بموقع قتالي أفضل ومخزون عسكري أوفر على مستوى المقاتلين والأسلحة، حتى أوشكت ذخيرتهم على النفاذ، مستخدمة ما تبقى لديها من الذخيرة في صنع الساتر اللازم بالتناوب، لتنسحب الفرقة كاملة على مجموعات بعد أن أدت مهمتها بنجاح كامل. بين أفراد هذه المجموعة الباسلة التي قادها إبراهيم الرفاعي، مؤسس فرقة 777، كان الرائد سمير نوح، أمين السر، أو الصندوق الأسود وكاتم أسرار الفرقة 39 قتال المعروفة ب «الأشباح» كما سماها «موشي ديان» وزير الدفاع الصهيوني آنذاك. ولد المقاتل «سمير محمد أحمد نوح» بمحافظة القليوبية في الخامس عشر من شهر يوليو عام 1949، حصل على دبلوم المدارس الصناعية، ثم تطوع في القوات البحرية ليتحقق له حلم الانضمام إلي صفوف القوات المسلحة والترقي حتى رتب الضباط. تنقل «نوح» بين الفرق المختلفة بقوات الجيش المصري، فانضم إلى صفوف الصاعقة البحرية، ثم إلى فرقة القفز بالمظلات، ثم حصل على عدة فرق، منها فرقة أسلحة صغيرة، وفرقة مهندسين عسكريين، وفرقة طبوغرافيا، وفرقة أمن حربي وفرقة حراس أمن. في أعقاب عدوان 1967، تم اختيار العريف «سمير نوح» بالقوات الخاصة البحرية، ليشكل مع باقي زملائه القوام الرئيسي للمجموعة 39 قتال بقيادة العقيد «إبراهيم الرفاعي» عام 1968، حيث تم تدريبهم علي القيام بأقصى المهام باستخدام جميع أنواع الأسلحة، والسباحة والغطس وقيادة القوارب، والنسف والتدمير وزرع الألغام وغيرها من الأعمال الشاقة. نفذت المجموعة 39 قتال، أو مجموعة «الأشباح» 35 عملية ناجحة، من بينها محاصرة مدرعات العدو وضربها في «الثغرة» بمنطقتي «الدفرسوار ونفيشة» ومنعها من دخول الإسماعيلية، فارتدت جنوبا باتجاه السويس. كما هاجمت فرقة «الأشباح» مواقع وتحصينات العدو على خط بارليف، في عمليتي «لسان التمساح – الأولى والثانية» وعمليات الكمائن ضد دوريات العدو مثل كمين «جبل مريم» في السادس والعشرين من أغسطس 1968 أمام النصب التذكاري للجندي المجهول بالإسماعيلية، حيث تمكن «الأشباح» من تدمير عربتي جيب وأسر «يعقوب رونيه» أول أسير إسرائيلي على الجبهة المصرية. وتمكن «الأشباح» من زرع الألغام علي طريق المواصلات والمدقات داخل عمق سيناء، ونفذوا عمليات استطلاع ورصد وتصوير المواقع الإسرائيلية تمهيداً لضربها، كما شاركوا في عمليات حرب أكتوبر 1973 بضرب مستودعات البترول في مناطق «بلاعيم وشراتيب»، وضرب مطار الطور العسكري عدة مرات، ومهاجمة مواقع العدو برأس محمد بالقرب من شرم الشيخ في أقصى جنوبسيناء، مما أربك العدو وشل تفكيره لوصول القوات المصرية إلى هذه النقطة، فضلا عن إمداد الجيش الثالث بالمؤن والذخيرة أثناء الحصار من العين السخنة. في كل هذه العمليات كان البطل سمير نوح متواجدا وشريكا في بطولات رجال مصر، في أحلك فترات الانكسار والهزيمة، لينتقلون بوطنهم من انكسار اعتراه إلى نصر يليق به عبر جسر من الملاحم البطولية التي لا تنفذها سوى تقنيات الإرادة المصرية التي اعتمدت على المقاتل المصري قبل اعتمادها على السلاح. يقول البطل «نوح» وهو يقص ذكرياته ل «البديل»: من اللحظات المحفورة في ذكرياتي ولن أنساها أبدا، لحظات مرت عصيبة أثناء عملية تدمير مستودعات البترول في رأس شراتيب، فعندما استقلت مجموعتي قاربها الذي كان يقوده المقاتل «وسام حافظ».. تعطل بنا القارب علي الشاطئ، فقال لي «هنيدي» وقتها: «انزل يا سمير ادفع القارب في المياه»، وبمجرد نزول القارب بأكمله في الماء أدار المقاتل وسام القارب وانطلق به عائدا مبتعدا عن مرمى نيران العدو ولم يدرك أنني ما زلت على الشط، وظللت أصرخ بأعلى صوتي دون أن يسمعني أحد. حينها قلت إنه وقت الشهادة، لكن زملائي بالقارب تنبهوا إلى عدم وجودي، فنبهوا قائده الذي دار وعاد إلي بعد حوالي 3 دقائق عصيبة كنت معرضا فيها للاستشهاد برصاص العدو أو الأسر على أفضل تقدير. ويضيف «الشبح» المصري: أذكر أن «موشى ديان» وزير الدفاع الإسرائيلي طالب بمحاكمة الفدائيين المصريين الذين عبروا القناة ونفذوا عملية تفجير مستودعات البترول، حيث كانت قواتنا المسلحة في مرحلة الإعداد وتجهيز القوات والمعدات، لذلك كان التنفيذ خلال هذه الظروف معجزة عسكرية لا يقدر عليها إلا الجيش المصري. وقد حصلت بعد عملية «الكمين» في 26 أغسطس 1968 على نوط الجمهورية العسكري من الرئيس البطل «جمال عبد الناصر» ومكافأة 30 جنيها، وحصلت كذلك على نوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل أنور السادات في 18 يوليو 1971، ونوط الشجاعة العسكرية من الطبقة الأولى من السادات أيضًا، والعديد من الأنواط والميداليات.