الزمان: 17 مارس 1974م المكان: المقر المؤقت للجنة آجرانات البرلمانية، المسئولة عن التحقيقات في تقصير جيش الدفاع في حرب يوم كيبور – تل أبيب كان الجنرال "شمويل جونين" عصبيا وهو يجيب أسئلة اللجنة عن الكثير من التفاصيل الخاصة بحرب يوم كيبور. كان الجنرال "جونين" هو القائد الميداني للجبهة الجنوبية في سيناء وقت الحرب، والشخص الذي وُجِّه له اللوم الأكبر في التقصير في الاستعداد لمواجهة الهجوم المصري. بعد مناقشة الكثير من التفاصيل، وجد "جونين" أخيرا مناسبة للهجوم المضاد الذي أعده، فألقى على الطاولة بمظروف عليه شارة مستشفى "شيبا" العسكري، وهو يقول: - حسن جدا يا سادة. لو كنتم قررتم توجيه اللوم كله لي، فلا بأس، هذا شأنكم. لو كنتم قررتم حماية"موشي ديان" – الذي كانت أفضل ردود فعله عندما حدث الهجوم، هو اقتراح الانسحاب لممر متلا في سيناء، والانسحاب من الجولان نهائيا، لولا أن منعته "مائير" – فهذا شأنكم أيضا. لكن يبقى من العار أن يحمل"جونين" بكل هذا وتتركوا جنرالا هاربا من المعركة بحجة المرض. خاصة أن الكل في إسرائيل اليوم يتحدث عن هذا الجنرال ويمجده. عار عليكم يا سادة أن تحدثوا أولادكم عن بطولة جنرال ادعى المرض وفر من المعركة عندما هاجمته الصاعقة المصرية في الدفرسوار. الأوراق أمامكم هي التقرير الطبي الذي حصل عليه "آريل شارون" يوم 17 أكتوبر، حين ترك الدفرسوار بالطائرة الهليكوبتر بحجة مغص كلوي ألم به، ثم رفض الذهاب لأقرب مستشفى ميداني وأصر على الذهاب إلى مستشفى "شيبا" البعيدة جدا، ليستهلك علاجه يوما كاملا. فماذا يقول التقرير يا سادة؟ لا شيء. التقرير يقول نصا "آلام في الجانب الأيمن بغير سبب طبي واضح". فلو جمعنا هذا التقرير، بالنواح والصراخ الذي سجله "شارون" بصوته على جهاز الإشارة يطلب إمدادات سريعة لقوات الثغرة [1]، قبل أن يغادر الدفرسوار بالهليكوبتر، يمكنكم لو فعلتم هذا فهم كل شيء، وكيف تدارالأمور في جيشكم الذي لا يقهر. في اليوم التالي،حضر "آريل شارون" جلسة الاستماع مع لجنة "آجرانات" ورفض التعليق على ادعاءات الجنرال "جونين"، واكتفى بقوله أن عليهم ألا يستمعوا لجنرال فشل في المهام المسندة إليه، وأصبح موتورا بعد إبعاده. كان"شارون" هادئا ومقنعا بدرجة كبيرة. عاد "شارون" لمنزله مباشرة بعد التحقيق. كانت زوجته "ليلي" في انتظاره، وأعصابها في حالة انفلات. كانت قد عرفت بما قاله "جونين" في اليوم السابق، ولسابق معرفتها بحجة "المغص الكلوي" التي يستخدمها "شارون" كثيرا، لم تجد كلام "جونين" غريبا أو مستبعدا، رغم أنها لم تتصور أبدا أن يستخدم زوجها هذه الحيلة للهروب من المعركة. كانت تحتمل الكثير من طباعه المستفزة لسبب واحد: شعورها بأنها زوجة بطل إسرائيل الشجاع، والذي انتشرت أخبار بطولته كثيرا بعد اقتراحه وقيادته للعملية "غزالة" المعروفة عند المصريين بثغرة الدفرسوار، بينما كان الجنرال الأشهر "ديان" قد فقد أعصابه، وفقد القدرة على رد الفعل. كانت تعرف أن زوجها يستخدم حيلة المرض كثيرا للهروب من مناسبة اجتماعية، أو حتى التزام معها هي شخصيا، لكن الهروب من المعركة أمر آخر. لهذا كان استقبال"ليلي" له شديد الجفاء، عندما دخل عليها غرفة النوم ليبدل ملابسه، لم ترد حتى على التحية التي ألقاها، وكانت تتأمل ملامحه بتحفز، قبل أن تسأل: - كيف جرت الأموراليوم مع آجرانات؟ - جيدة جدا بالطبع. - وموضوع المغص الكلوي والهروب من الميدان؟ استدار نحوها بجسده البدين وهو ينظر لها بتعجب من معرفتها بالأمر، بينما قالت هي موضحة: - أنا لم أصبح فنانة فقط كما تتصور، مازالت لي علاقات في استخبارات جيش الدفاع، على الأقل بما يكفي لأعرف عندما يتعرض اسم زوجي لفضيحة كهذه. - أي فضيحة؟ لولا خطتي ومبادرتي في الحرب لكان يوم كيبور يوم قصم الظهر لإسرائيل كلها!! هذا تجديف من جبان موتور مثل "جونين". لقد أصبت يومها بمغص كلوي فعلا من فرط الإرهاق. مناور كعادته! يستحق بالفعل لقب "الأفعى" الذي أطلقوه عليه في جيش الدفاع. هكذا حدثت نفسها. تعرف يقينا ألا فائدة من مواجهته، لهذا فضلت أن تلقي ما في جعبتها دفعةواحدة: - آريل .. عندما تزوجتك منذ عشر سنوات، كنت سعيدة بزواجي من بطل إسرائيل. لم أقبل الزواج بك بعد ترملك ووفاة "مارجريل" بسبب وسامتك أو فحولتك، أنت تعرف هذا قطعا. ولا بسبب مركزك العسكري، فأنت تعرف أن هذه ليست شخصيتي. تزوجتك لأنني حسبتك بطلا. لجنة "آجرانات" ليس لديها دليل ضدك، وقرينة الإشارة التي ولولت فيها مستغيثا، ثم طيرانك بعدها مباشرة، قرينة لا تكفيهم. أما أنا، ولأنني أعرفك جيدا، فهي تكفيني جدا. ويكفيني كذلك أن أقول لك عبارة واحدة: ضباطك الذين كانوا معك في الثغرة وتركتهم يواجهون نيران الصاعقة المصرية وحدهم وهربت، يتحدثون طوال الوقت عن المقارنةالفاضحة بينك وبين الكولونيل الذي قتل بين رجاله. يسمونه "مروض الأفعى" بمعنى اسمه العربي. ويتغامزون عليك وهم يقولون: مروض الأفاعي علم الأفعى كيف تطير. قالتها وهي تترك له الغرفة وتصفق الباب خلفها بعنف.أما "شارون" فقد استدعى كل تفاصيل اليوم في ذاكرته، وأول ما فكر فيه: أن هذا الرجل "رفاعي" مازال قادرا على أن يسبب له المشاكل حتى وهو في قبره!!! —————- [1] التسجيل الصوتي لشارون حقيقة، وكذلك اتهام الجنرال جونين له بالهروب من المعركة