تثير اعتصامات جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من التيارات الإسلامية الأخرى، في كلٍّ من ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وميدان النهضة أمام جامعة القاهرة؛ تساؤلات حول أهداف وهوية المعتصمين وانتماءاتهم، وهل هم فقط من أبناء جماعة الإخوان المسلمين أم ينتمون إلى تيارات أخرى؟ وإلى متى يمكن أن تستمر هذه الاعتصامات؟، وما هي معوقات فضها؟ لاسيما إن ثمة مخاوف من أن تطول هذه الاعتصامات خاصة أنها تأخذ صبغة دينية لدى المعتصمين، بناء على فتاوى قادة التيارات المعتصمة، بأن الاعتصام هو جهاد في سبيل الله، والموت أثناء التواجد فيه شهادة في سبيل الله، مما يجعل العديد من المعتصمين البسطاء يستمرون فيه إلى أبعد مدى ممكن. مكونات الإسلاميين المعتصمين بدأت التيارات الإسلامية حشد أنصارها بقوة في الاعتصامات الحالية، وتصوير المشهد الحالي لأنصارهم وكأنه صراع بين الإسلام والعلمانية، وتسويق مشهد 30 يونيو على أنه انقلاب على الشرعية، وذلك للضغط على السلطة الحالية لتلبية مطالبهم وإعادة الرئيس المعزول محمد مرسي. وفي ظل اختيار القوى المدنية والثورية لميدان التحرير وميادين أخرى عديدة للاعتصام فيها بطريقة لا مركزية خلال أحداث 30 يونيو، فقد اختارت التيارات الإسلامية بطريقة مركزية ميداني رابعة العدوية في مدينة نصر والنهضة أمام جامعة القاهرة للاعتصام فيهما. وإذا كان اعتصام رابعة العدوية هو الأكبر لمؤيدي مرسي حيث يضم أطياف متعددة من الإسلاميين قدموا من محافظات متنوعة، فإن ميدان النهضة هو اعتصام ثانوي نظرًا لصغر حجمه، خاصة وأن كل من فيه غالبًا من بعض السلفيين من أبناء القاهرة الكبرى والوجه البحري. ومن أبرز التيارات الإسلامية المشاركة في اعتصام رابعة العدوية والنهضة هي على النحو التالي: - الإخوان المسلمون: وهم التيار الأشهر في الاعتصامات، نظرًا لأنهم أصحاب القضية الأساسية، وكل التيارات الأخرى في الاعتصامات مناصرة ومساندة لهم، لذلك فهم يمثلون الطيف الأكبر والأكثر وجودًا في هذه الاعتصامات؛ حيث إن كل التيارات المعتصمة تشارك بجزء من أفرادها، بخلاف الإخوان الذين يشاركون بغالبية أفرادهم في الاعتصامات إلا من دعت الضرورة لبقائه في محافظته. والهدف الرئيسي لاعتصام الإخوان هو عودة "الشرعية"، متمثلة في عودة الدكتور محمد مرسي إلى الحكم مرة أخرى، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل بيان القوات المسلحة بعزل الرئيس في 3/7/2013. ولا يتحدث قادة الإخوان في هذه الاعتصامات عن "الشريعة" التي حشدوا من أجلها التيارات الأخرى. ويضاف إلى أفراد جماعة الإخوان المسلمين في هذه الاعتصامات أعضاء حزب الوسط من أبناء الإخوان، الذين تماهوا مع الإخوان في مواقفهم ضد 30 يونيو ، كما تمثل منصة رابعة العدوية نافذة إعلامية هامة لجماعة الإخوان وقادتها، لإيصال ما تريد لأفرادها ومؤيديها في أنحاء البلاد، عن طريق قناة الجزيرة القطرية، وقناة القدس الفلسطينية التابعة لحركة حماس، واللتين تبثان أخبار اعتصام رابعة العدوية على مدار الساعة خلال اليوم. - الجماعة الإسلامية: والتي تعتبر أكبر مساند وداعم لجماعة الإخوان المسلمين منذ وصول محمد مرسي إلى الحكم، وهي من أكثر التيارات الإسلامية المتحالفة مع الإخوان مشاركة في الاعتصامات، وقد قامت بحشد أكبر قدر ممكن من أبنائها ومؤيديها من عدة محافظات في الجمهورية، وخاصة من صعيد مصر، من أجل المشاركة في الاعتصامات، ولكن وجود خلافات بين قادة الجماعة حول مناصرة الإخوان على طول الخط حتى في الاعتصامات، قد حالت دون تمكن الجماعة من حشد كل أنصارها للمشاركة في الاعتصامات، خاصةً وأن العديد من أفراد الجماعة رفضوا المشاركة في الاعتصامات خشية حدوث اشتباكات وسقوط ضحايا، لذلك اضطرت الجماعة إلى الاستعانة بالبسطاء من المتدينين من أبناء القرى في صعيد مصر، إضافة إلى أنصارها المتواجدين في القاهرة الكبرى وبعض محافظات الدلتا، لذا فإن المعتصمين من أبناء الجماعة الإسلامية لا يمثلون أعدادًا كبيرة مقارنة بأفراد الإخوان والتيار السلفي. - تنظيم الجهاد: والذي يشارك بعض أفراده في اعتصام رابعة العدوية، ولكن ليس بأعداد كبيرة، بل هي أعداد رمزية، نظرًا لأن تنظيم الجهاد يعاني أصلا من قلة أعداد أفراده منذ إنشائه، حيث يعتمد في الأساس على العمل السري الذي لا يتطلب أعدادًا كبيرة مثل العمل الدعوي، وأفراد تنظيم الجهاد المشاركين في الاعتصامات، من المجموعات التي قامت بعمل مراجعات فكرية وتركت العنف، وليسوا من المجموعات التي رفضت المراجعات، والمشاركون في الاعتصامات استطاعت جماعة الإخوان أن تقنعهم بمساندتها أثناء فترة حكم محمد مرسي، وذلك من أجل أن يخيف بهم الإخوان القوى المدنية. ومع مرور الوقت ارتبط هؤلاء بجماعة الإخوان المسلمين سياسيًّا، لذلك فهم يشاركون في هذه الاعتصامات من أجل الحفاظ على المكاسب السياسية التي أعطتهم إياها جماعة الإخوان المسلمين. -السلفية المتقدمة (السلفية الحديثة): وهي تمثل قطاعًا عريضًا من المدارس السلفية المتواجدة في القاهرة الكبرى، والتي تحالفت مع جماعة الإخوان المسلمين، وهم يعتبرون محمد مرسي الرئيس الشرعي، وهم بدفاعهم عن "الشرعية" التي يطالب بها الإخوان يدافعون عن "الشريعة"، لذا فهم يعتقدون أنهم بتواجدهم في الاعتصامات يدافعون عن الشريعة الإسلامية، وفق ما أفتى لهم شيوخهم الذين ينتمي معظمهم ل"الجبهة الشرعية للحقوق والإصلاح" الحليف القويّ للإخوان المسلمين. وشيوخ هذا التيار السلفي قد ربطوا مستقبلهم السياسي ببقاء الإخوان في صدارة المشهد السياسي لذلك فهم يدافعون عن الإخوان ، ويشاركون في الاعتصامات مناصرةً لهم، لأنهم يرون أن الإخوان إذا ما سقطوا فسوف يخسرون كل شيء، لذلك يصورون لأفرادهم أنهم بمشاركتهم في الاعتصامات فإنهم يدافعون عن الشريعة الإسلامية. - الكتلة السلفية السائلة: وهؤلاء ربما يأتون في المرتبة الثانية من حيث الأعداد بعد جماعة الإخوان المسلمين، وأعضاء هذه الكتلة يمثلون الأفراد الملتزمين بالنهج السلفي، دون أن يكونوا منتمين لأي مدرسة أو تيار سلفي معين، مثل "الدعوة السلفية" أو "الجبهة الشرعية للحقوق والإصلاح"، ولكنهم ملتزمون بأصول الفكر السلفي، خاصة في مسائل العقيدة والتوحيد، وهؤلاء يعتصمون مناصرة للشريعة الإسلامية، اعتقادًا منهم أن محمد مرسي هو الرئيس المسلم الشرعي الذي كان سيطبق الشريعة الإسلامية، وقد وجبت له البيعة التي وردت في كتب الفقه والشريعة، لذلك يجب عودته من أجل إكمال المشروع الإسلامي وتطبيق الشريعة، وهؤلاء معظمهم من محدودي الثقافة والتعليم، كما أن ثقافتهم الشرعية ضعيفة إلى درجة كبيرة مقارنة بأبناء التيارات السلفية الأخرى، لذلك تجدهم من أشد مناصري حازم أبو إسماعيل، وعدد كبير منهم أعضاء في حركة "حازمون". ملامح اعتصامات الإسلاميين : الاعتصامات الحالية للتيارات الإسلامية، وخاصة الموجودة في رابعة العدوية تمثل حالة فريدة من الاعتصامات التي حدثت بعد ثورة يناير، لأن كل الاعتصامات السابقة كانت ذات توجه سياسي لا ديني، كما لم يكن لها زعماء محددون يلتزم الناس بقراراتهم، ويدين البعض لهم بالولاء والسمع والطاعة، كما أن هذه الاعتصامات لها بعض السمات، ومنها: -عزل المعتصمين عن العالم الخارجي بمنعهم من الاستماع لوسائل الإعلام المختلفة داخل الاعتصام، إلا ما تذيعه المنصة من أخبار لرفع معنويات المعتصمين حتى يواصلوا الاعتصام، مثل أخبار عن انشقاقات مزعومة في الجيش اعتراضًا على عزل مرسي. -إشاعة الخوف في أوساط المعتصمين من أنهم سوف يتعرضون للملاحقة الأمنية إذا غادر أي منهم الاعتصام وعاد إلى منزله، لأن الأمن لن يترك أي فرد يشارك في هذه الاعتصامات، مما جعل التمسك بالاعتصام لدى البعض طوق النجاة الوحيد من الدخول إلى السجون المصرية. 3-اعتصام رابعة يمثل الحصن الآمن حاليًّا لقادة جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم من التيارات الإسلامية الأخرى، المطلوبين لدى الجهات الأمنية، بسب اتهامهم في عدة قضايا ، وبقاؤهم في هذا الحصن الآمن يعتمد على بقاء المعتصمين في أماكنهم، وعدم فض الاعتصام، لذلك فهم يحرضون المعتصمين طوال الوقت على الثبات في أماكنهم، وعدم فض الاعتصام، معتمدين في ذلك على إقناع المعتصمين أنهم بتواجدهم في الاعتصام في رباط وجهاد في سبيل الله، ومن يقتل منهم يلقَ الله شهيدًا. وأخيرًا، تبقى قضية إمكانية فض هذه الاعتصامات، والحقيقة أن مسألة فض الاعتصامات في هذا التوقيت تواجه صعوبات كبيرة، ليس ذلك من جانب الحكومة والجهات الأمنية خشية سقوط أعداد كبيرة من الضحايا فحسب؛ بل فضها من جانب التيارات الإسلامية المعتصمة، فكما أن تنوع التيارات المعتصمة تدعم موقف الاعتصامات، فإنه في الوقت نفسه سوف يمثل عقبة كبيرة في حال الرغبة في فض هذه الاعتصامات، لأن التيارات التي تشارك في الاعتصامات لديها رؤية متباينة للحل. كما أن اعتصامات الإسلاميين ليست من تيار واحد يمكن السيطرة عليه من قبل قادته، حيث إن كل تيار له مطالب معينة وشروط معينة لفض الاعتصام تختلف عن التيارات الأخرى المعتصمة. ويبدو أن الاختلاف بين التيارات الإسلامية فيما يتعلق برؤية فض الاعتصامات لحل الأزمة السياسية قد انتقل إلى داخل جماعة الإخوان نفسها، حيث يوجد داخل الجماعة طرف يريد المصالحة مقابل الخروج الآمن، ولكن ليست لديه سيطرة على القواعد التنظيمية للجماعة على الأرض، مما يجعل الاتفاق على فض الاعتصامات أمرًا في غاية الصعوبة، سواء على مستوى الجماعة أو على مستوى التيارات المعتصمة.