قال فولتير "الفقر يقتل الشرف"، ولكنه في مصر أصبح يقتل الأطفال أيضًا، ويغتال براءتهم بدفعهم للعمل في مهن خطرة، تنزع من بين أناملهم الصغيرة أقلام الألوان وتضع شاكوشًا أو مفكًّا عند ميكانيكي أو نجار، وأحيانًا مقشة تكنس الأتربة في المنازل؛ لتتحول أجسادهم المكرمة من خالقها إلى سلعة رخيصة يشتريها من لا يرحم من آباء وأمهات أرهقهم الفقر. يأتي اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال في الوقت الذي يرصد فيه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقريره الأخير 1.59 مليون طفل لم ينالوا حظهم من التعليم حتى في مدارس الحكومة الفقيرة، في الوقت الذي ينعم فيه غيرهم بالتعليم في مدارس أجنبية ويركبون أحدث السيارات ويذهبون إلى أرقى النوادي. وشكك محمود سيد البدوي، الأمين العام للجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان في الرقم الذي أقره الجهاز، مشيرًا إلى أن هناك غيابًا للمنهجية والدقة في الحصر، مستشهدًا بأن منظمات حقوقية رصدت 3 مليون طفل عامل وليس 1.59 مليون. وطالب بدوي ببحث جذور المشكلة بدلاً من الانشغال بالأرقام، مشيرًا إلى أن هناك فرقًا بين عمل الأطفال وعمالتهم؛ لأن العمل ينتج عن ظروف اقتصادية طاحنة تعاني منها الأسر المصرية تدفعهم لتشغيل أطفالهم وترك الدراسة، أما العمالة فهي الشيء الخطير الذي حذرت منه اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لسنة 1999 والتي وقعت عليها مصر، والتي تحظر عمالة الأطفال في مهن خطرة، كالمحاجر والمناجم وصناعة الطوب وجمع القمامة. ويرى أن أهم أسباب تلك الظاهرة فساد المنظومة التعليمية وارتفاع نفقاتها على الأسرة محدودة الدخل، بالإضافة إلى أمية أولياء الأمور وعدم إدراكهم لأهمية التعليم، فضلاً عن اتساع الفجوة بين المدرسة وبيئة الطفل واختلاف المناخ الثقافي في المدرسة عن مناخ بيئة الطفل دون أن تحاول المدرسة تقريب هذه الفجوة والحد من اتساعها؛ مما يؤدى إلى فشل الطفل، بالإضافة إلى أن المنهج الذي لا يعتد باحتياجات الطفل لا يثير اهتمامه. وطالب بدوي بتفاعل الدولة مع منظمات المجتمع المدني وتنظيم برامج توعية بخطورة الظاهرة خارج دائرة الاجتماعات الحكومية في قلب الشارع ووضع تصورات واقعية مبنية على أساس الاحتكاك بأصحاب المشكلة، بالإضافة إلى ضرورة مساعدة القطاع الخاص في تعليم الأطفال المتسربين من التعليم وإعادة تأهيلهم نفسيًّا وصياغة وعيهم المجتمعي. " الفقر المدقع والعوز واحتياج المواطن هي مفاتيح الحل أولاً وأخيرًا لمواجهة عمالة الأطفال، وأي حديث عن قوانين واستراتيجيات الأطفال دجل وكلام للاستهلاك والاسترزاق المحلى".. هذه الكلمات هي مفتاح حل الظاهرة إذا عولجت في رأي صلاح يس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة "حماية ورعاية بلا حدود"؛ لحماية الطفولة ورعاية أطفال الشوارع، مشيرًا إلى أن تعليم الأطفال في ظل فقر أسرهم وعدم توفر حتى الطعام المشبع لهم يعدان رفاهية وترفًا. وأشار يس إلى أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أغفل عمالة الأطفال كخدم في المنازل، وهو أحد أسوأ أشكال عمالة الأطفال؛ نظرًا لتعرضهم الدائم للإهمال والتعذيب بالنار والاستغلال والقهر والحرمان والعدوان الجنسي أحيانًا، حيث يعملون ساعات عمل كثيرة وغير محددة. وأوضح أن مؤسسته أجرت دراسة عام 2010 – 2011 توصلت إلى أن ما يصل إلى 9 آلاف طفلة تتراوح أعمارهن بين 12 -15 عام يعملن كخادمات في منازل منطقة المهندسين و العجوزة. وأشار إلى أن خطورة هذه العمالة تكمن في غياب أية ضمانة تأمينية اجتماعية تحمى هؤلاء الأطفال، فضلاً عن انعدام الدراسات والإحصائيات التي تتوفر عنهم؛ نظرًا لصعوبة حصرها، وأنه لا يتم اكتشافها إلا في حالة وقوع حوادث عنف، وبالتالي يجب الشروع في الدراسات والإحصائيات التي تمكن من تحديد حجمهم ووضع الاستراتيجيات والخطط والقوانين التي تعمل على حماية حقوقهم والتي تعود بنا لنفس المشكلة وهى علاج الفقر. وطالب يس بوضع رؤية اجتماعية اقتصادية شاملة لتحسين أحوال الأسر الفقيرة، وتوظيف العمالة دون السن القانونية "12- 15 عامًا" من قِبَل الدولة في مشروعات إنتاجية صغيرة يدرب خلالها الأطفال على اكتساب حرفة أو مهنة تفيدهم في مستقبلهم، مشيرًا إلى أن تلك التجربة نجحت في البرازيل والصين والأرجنتين، متسائلاً في استنكار عن دور المجلس القومي للطفولة والأمومة.