تعتبر منظمات المجتمع المدني أحد أهم أعمدة الدولة وهى اليد التي لا يمكن أن تستغني عنها أي دولة متقدمة لمواجهة مختلف القضايا الاجتماعية والأمراض التي تحتاج إلى تكاتف مختلف الجهود، وبخاصة قضايا الطفل والتي نناقش اليوم واحدة من أهمها وهي عملهم وخاصة في مهن خطرة. وبلغ عدد الأطفال العاملين في مصر طبقا لآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ما يقرب من 1.6 مليون، وهو رقم مفجع اضطرنا لمحاورة واحد من أهم نشطاء المجتمع المدني المهتمين بتلك القضية. هانى هلال، الأمين العام للائتلاف المصري لحقوق الطفل، نقرأ معه دلالات تلك الإحصائية وآثارها وكيفية علاج القضية، وسألناه...1.6مليون طفل عامل في مصر..كيف تقرا هذا الرقم؟. غير واقعي على الإطلاق ولا يتناسب مع حجم الظاهرة، لأن الأرقام كانت عام 2000 وفقا للجهاز المركزي للتعبئة هي 2.7 مليون طفل عامل، وآنذاك كان عدد السكان 70 مليون مواطن، ومن ثم فليس من المنطقي الآن بعد وصول عدد السكان إلى 85 مليون أن يكون الرقم بهذا الصغر. هناك إجماع لدى المنظمات الحقوقية بعدم واقعية الرقم الصادر من التعبئة والإحصاء..فما السبب ؟ ليس لدينا تعريف موحد لعمالة الأطفال، وأعتقد أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء رصد فقط في تقريره أسوأ أشكال عمل الأطفال، وهى نوعية الأعمال التي يرجح أن تؤدى بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلى أضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي، و في نفس الوقت أغفل التقرير قطاعات كبيرة كعمالة الأطفال في الزراعة وخدم المنازل التي تمثل 75% من إجمالي عمالة الأطفال في مصر، وللأسف هذه القطاعات ليس لها تغطية في التشريعات أو الإحصائيات، وبناء عليه نستطيع أن نقول إن عمالة الأطفال في مصر تتراوح فى مصر مابين 1.6 إلى 5.5 مليون طفل عامل. هل يحمى الدستور الجديد حقوق الطفل العامل ؟ الدستور الجديد أباح عمالة الأطفال دون تحديد سن لها، حيث نصت المادة 70 والتي تقول أن لكل طفل فور الولادة، الحق في اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية، وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه أسرته، وتكفل حقوق الطفل المعاق وتأهيله واندماجه في المجتمع، ويحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمي، في أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره في التعليم وبالتالي لغي الدستور تحديد سن عمالة الطفل والتي كان ينص عليها قانون الطفل المصري رقم 126 لعام 2008. هل للعوامل الاجتماعية دورا في الظاهرة؟ بكل تأكيد التفكك الأسري يعد عاملاً مساعداً يساعد على بروز ظاهرة عمالة الأطفال، ومما لا شك فيه ، أن هذا التفكك يؤثر سلباً على الطفل ، كما أنه يدفعه إلى سوق العمل بهدف الهروب من البيت أو بحثاً عن الاستقلال أو لعدم وجود عائل للطفل. بالإضافة إلى الزيادة السكانية حيث إن الأسرة كبيرة العدد ، وفى ظل قلة الدخول المادية وارتفاع الأسعار غالباً ما يصبح الأبناء حلاً سريعاً لزيادة الدخل ومواجهة ظروف الحياة،إلى جانب أن في أغلب الأحيان يرتفع معدل الانجاب مع الأسر ذات المستوى الاقتصادي والاجتماعي المتدني، خاصة في ظل تزايد نسبة الأمية وقلة الوعي وغياب الاهتمام بإعطاء الأطفال حقوقهم من رعاية اجتماعية وثقافية ونفسية – بهدف زيادة دخل الأسرة وهيكلها. - ما هي الخطوات والآليات التي يجب أن تتخذها الدولة عن طريق هيئاتها المختلفة للتصدي للظاهرة ؟ يجب أن يؤدي الإعلام دوره الحقيقي في رفع الوعي بمساوئ الظاهرة،وان يكثف حملاته الإعلانية لتجعل الأسر تنبذ هذا السلوك الذي يكلفها صحة أبناءها و إنفاق ما يكسبه الابن في علاجه، بالإضافة إلى تعديل السياسات التعليمية حتى تكون جاذبة للأطفال، و تفعيل دور مجالس الأمناء بالمدارس ،من اجل تجفيف منابع التسرب من التعليم. - وماذا عن دور وزارة القوى العاملة والشئون الاجتماعية ؟ يجب أن تلزم وزارة القوي العاملة مفتشي العمل والسلامة والصحة المهنية القيام بعملهم ، والتفتيش الدوري المستمر على كافة المنشآت والشركات والمزارع التي تقوم باستخدام الأطفال لتطبيق نصوص قانون العمل ،وتفعيل دور لجان الحماية العامة والفرعية بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة، أما وزارة التضامن الاجتماعي فعليها دور في كفالة الأسر المتوفى عائلها وذات الدخول المنخفضة خاصة الذين يعولون أطفالاً بضمان توفير مبلغ أو منحهم قروض تمكنهم من توفير دخل مناسب بدلا من عمالة الأطفال عمالة الأطفال في الزراعة بلغت 47 %..فما رأيك ؟ فى الحقيقة نحتاج إلى تعديل في مشروع قانون العمل 12 لسنة 2003 لأنه يستثنى العاملين في الزراعة (الفلاحة البحتة) من الخضوع لأحكامه، بما يعنى تجريد الأطفال العاملين فى هذا النشاط من الحماية رغم أنهم يمثلون هذه النسبة الكبيرة من قوة عمل الأطفال عموماً، بالإضافة إلى توقيع عقوبات مشددة على مقاولين "الأنفار" الذين يعملون في جمع المحاصيل الزارعية ،و توفير سبل السلامة الأمنية والصناعية للمركبات التي تنقل هؤلاء الأطفال من قرية إلى أخرى هل تتوقع زيادة نسبة عمالة الأطفال في الفترة المقبلة أم انخفاضها ؟ طالما لا توجد سياسات اقتصادية واجتماعية واضحة توفر فرص العمل اللائقة والحياة الإنسانية الكريمة لأهالي الأطفال لتمكينهم من تعليم أبنائهم والنهوض بمستواهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ،فلا أمل في انخفاض معدلات عمالة الأطفال و يتضح أن قضية حقوق الطفل بصفة عامة ليست من أولويات النظام الحاكم، بل نستمع إلى أصوات من داخل الحكومة والبرلمان تطالب بإلغاء عدد من قوانين حماية الأطفال، بحجة أنها قوانين النظام البائد، بالرغم أنها قوانين اكتسبتها منظمات المجتمع المدني في مشوراها الطويل ونضالها في الدفاع عن حقوق الطفل.