ولاية تكساس الأمريكية تدرج الإخوان ومنظمة "كير" على قائمة الإرهاب    أكثر من 20 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    أحدثهم بنما وهايتي وكوراساو، المنتخبات المتأهلة لبطولة كأس العالم 2026    طقس اليوم: مائل للحرارة نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 28    خيرية أحمد، فاكهة السينما التي دخلت الفن لظروف أسرية وهذه قصة الرجل الوحيد في حياتها    الرئيس السيسي: البلد لو اتهدت مش هتقوم... ومحتاجين 50 تريليون جنيه لحل أزماتها    أسعار طن الحديد في أسوان مستقرة نسبيًا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    نمو الطلب على السلع المصنعة في أمريكا خلال أغسطس    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اطفال‏...‏ لا يدخلون الجنة
نشر في الأهرام المسائي يوم 28 - 05 - 2010

يصعب أن تعرف الملامح الحقيقية لمحمد ياسين‏(9‏ سنوات‏)‏ ولن تتذكر اسمه‏,‏ فهو مثل مئات أو ألوف يحملون لقب بلية الذي يطمس أسماءهم الحقيقية‏.‏ أما ملامحه فتختفي وراء شحوم وغبار وكثير من الأسي‏..‏ لن تعرف محمد ياسين‏,‏ لأنه بلا اسم‏,‏ ولأنه يضيع بين‏2,7‏ مليون طفل عامل في مصر حسب الأرقام الرسمية ولكن الدراسات والأرقام غير الرسمية تقول إن‏5,5‏ مليون طفل في مصر تضطرهم ظروف الفقر إلي ترك الدراسة‏,‏ والانخراط مبكرا في سوق العمل‏,‏ ليمارسوا مهنا صعبة‏,‏ تعرض حياتهم للخطر‏.‏
وتسجل دراسات التوزيع النسبي للأطفال العاملين أنهم يقعون في الفئة العمرية‏6‏ 14‏ سنة‏,‏ وأن توزيعهم في الأعمال كالتالي‏:‏
‏64%‏ في الزراعة‏,14%‏ في الحرف‏,11%‏ في أعمال تجارية‏,9%‏ في الخدمات و‏2%‏ في المجال الصناعي‏..‏ كثير من هؤلاء يمارسون أعمال الكبار بشروط السوق فيتعرضون للعنف والقمع‏,‏ ولكنهم يتحملونه بهدف عالة أسرهم وأنفسهم وتحسين ظروفهم الاجتماعية والمعيشية‏..‏ وهؤلاء الأطفال من الجنسين ويعملون في ظروف قاسية وبعضهم يعمل‏9‏ ساعات يوميا في المتوسط وأكثر من ستة أيام اسبوعيا وهو مايتجاوز أوقات العمل التي يقضيها الكبار‏,‏ ورغم ذلك ليست لهم حقوق لأنهم يعملون بصورة غير رسمية وبدون شهادات صحية‏,‏ أي أنهم منزوعو الحماية القانونية
وتسجل دراسات أن معطم هؤلاء الأطفال يعانون من المعاملة السيئة من أرباب العمل والمشرفين عليهم‏..‏ كما تتعرض حياة أكبر نسبة من الأطفال العاملين في القطاع الزراعي للخطر من خلال نقلهم في عربات غير آمنة أطفال التراحيل وسجلات الحوادث تقول إن المئات من الاطفال فقدوا حياتهم أثناء نقلهم إلي أماكن العمل‏,‏ اذ ينتقلون في الغالب بسيارات مخصصة لنقل المواشي ويتعرضون للإصابة بأمراض قد تؤدي بحياتهم
أكل عيش
سامية محمد‏,‏ من أطفال التراحيل‏,‏ تقول أنها تعمل في موسم الصيف بالأرض التابعة لشركات الاستثمار الزراعي الواقعة علي ترعة النصر لتوفير لقمة العيش لأسرتها حيث توفي والدها‏,‏ وأمها مصابة بمرض مزمن وكل همها أن تعود للمنزل آخر اليوم ومعها‏(‏ اليومية‏)‏ وقدرها عشرة جنيهات‏..‏
وتقول سنية خليل إنها لابد أن تعمل لأنها‏(‏ بنت‏)‏ وتريد تجهيز نفسها عندما يأتي العريس‏,‏ وإن والدها مريض وأمها ربة منزل‏..‏ وأضافت أنها تتعرض لمخاطر صحية نتيجة رش مبيدات كيميائية علي الزراعات دون أدني إجراءات تأمينية لهم‏,‏ مما يعرضهم للكثير من الأمراض التي تسبب الوفاة أحيانا‏.‏
جاء في تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء أن نسب القيد بالنسبة للتعليم ترتفع في مرحلة ماقبل الابتدائي والابتدائي‏,‏ ولكنها تنخفض في الإعدادي لتصل الي‏94%‏ للذكور و‏93%‏ للإناث‏,‏ وكذلك فإن معدل التسرب في المرحلة الإعدادية مرتفع عن المرحلة الابتدائية‏..‏ أما عن صحة الطفل‏,‏ خاصة التطعيمات فإن التقرير يعتبر أن‏99%‏ من الأطفال من عمر سنة وحتي سنتين قد حصلوا علي التطعيم الكامل ضد شلل الأطفال و‏96%‏ منهم حصلوا علي تطعيم ضد فيروس الكبد و‏25%‏ من الأطفال أقل من خمس سنوات يعانون التقزم نتيجة سوء التغذية‏,‏ وزيادة حالة سوء التغذية بينهم في نفس العمر ويرجع السبب إلي عدم حصولهم علي الغذاء المتوازن نتيجة الحالة الاقتصادية السائدة وارتفاع الأسعار أو نتيجة الأساليب الحديثة المستخدمة في الزراعة والتي قد تؤدي الي فقد الخضراوات والفاكهة بعض قيمتها الغذائية‏.‏
ليست ظاهرة مصرية
وتقول الدكتورة ناهد رمزي‏,‏ مستشارة المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية إن ظاهرة عمالة الأطفال واحدة من الظواهر المرتبطة إرتباطا وثيقا بالوضع الإقتصادي داخل أي مجتمع وليس مصر فحسب‏,‏ وعندما نرغب في الحديث عن تفشي هذه الظاهرة في مصر فإننا يجب ان نأخذ في الاعتبار الحالة الاقتصادية التي يمر بها المجتمع المصري وكذلك العادات والتقاليد السائدة حول هذه الظاهرة بالإضافة الي انتشار بعض الصناعات والحرف التي تعتمد علي الاطفال وتقدم حافزا لاجتذابهم اليها وإهمال الأسرة المصرية نتيجة الأمية في تسجيل الابناء في المدارس عند بلوغ سن الإلزام‏..‏ وهكذا يصبح عمل الأطفال مجرد مخالفة بسيطة وظاهرة اجتماعية يمكن تقبلها‏!!‏ كما أن وضع الاسرة المصرية من الناحية الاقتصادية هو بيت القصيد في إرسال الطفل لسوق العمل بدلا من المدرسة وهذا ما تؤكده معظم الابحاث في هذا الموضوع‏..‏ ويدفعنا إلي الحديث علي واحدة من أخطر الظواهر التي تنتهك حقوق الطفل المصري علي كل المستويات الصحية والتعليمية والنفسية والبدنية والعقلية‏..‏ وخاصة مع وجود بعض المؤشرات التي أوضحت أن حجم عمالة الأطفال من اجمالي قوة العمل بمصر عام‏1994‏ قد وصل الي‏2,7%‏ وأن نحو‏1,4‏ مليون طفل في المرحلة العمرية من‏6‏ 12‏ سنة في سوق العمل‏.‏
أنواع من المخاطر
وأضافت أن كل الأطفال في المدارس بالريف يعتبرون عمليا من العمال الموسميين في فترة الحصاد بالإضافة الي بقية أطفال الريف الذين لم يلتحقوا بالمدارس او تسربوا منها يعتبرون قوة العمل الصغيرة من الفلاحين حيث يشكل الريف أعلي نسبة من أشكال العمالة للأطفال في مصر‏77%‏ من اجمالي عمالة الأطفال
وهناك أسوأ أشكال عمالة الأطفال في القطاعات الصناعية الخطيرة مثل عمالة الأطفال في المحاجر والفخاريات والمدابغ والمصابغ‏..‏
وظهور العديد من مخاطر العمل للأطفال في قطاع السياحة وهو ما قد يتسبب في استغلال الأطفال جنسيا والمتاجرة بهم‏,‏ وكذلك مخاطر الموت التي انتشرت للأطفال التراحيل أثناء نقلهم للعمل في أماكن بعيدة عن أماكن السكن وايضا عمالة الأطفال كخدم في المنازل‏,‏ وأرجعت تفشي هذه الظاهرة لظهور مشكلة عالمية وهي‏(‏ الاتجار في البشر‏)‏ وتشمل بيع الأعضاء واستغلال النساء والأطفال والمتاجرة بهم‏,‏ وزواج القاصرات وغيرها من أنواع الاتجار التي تجلب المليارات علي المستفيدين منها
وعمالة الاطفال أحدي صور الاتجار بالبشر اضافة للعوامل الاقتصادية والفقر والتسرب من التعليم وهي ظروف تساعد علي الانفجار‏,‏ وأخطر مافيها أن الطفل محروم من التعليم‏,‏ فقير‏,‏ يعمل في مهن خطيرة‏,‏ فاقد للتربية وأخيرا معدم الصحة‏.‏
وتري أن حل المشكلة يحتاج الي وقت ومراحل في ظل الحالة الاقتصادية السيئة التي تعيشها الأسر المصرية‏..‏ وتبدأ أولي هذه المراحل بتفعيل المادة‏182‏ لسنة‏1999‏ من القانون الدولي التي تحظرعن أشكال الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الطفل وتبدأ المرحلة الثانية بتأهيل الأطفال المستعدين للعمل مهنيا للقيام بأعمال بسيطة تناسب أعمارهم الصغيرة وأن يعودوا للتعليم مرة أخري والتدرج في عملية التأهيل حتي يصل الطفل لأعلي مستوي مهني في كل مرحلة من عمره‏..‏ لكن للأسف الأسر الفقيرة تحتاج للأجر وليس أمامها سوي الدفع بأبنائهم لسوق العمل الشاقة غير مدركين لخطورة ما قد يصيبهم‏.‏
كل هذه الأخطار
وحول دراستها عن عمل الأطفال في النشاط الزراعي في الريف المصري تقول الدكتورة ليلي عبد الجواد مستشارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن ظاهرة عمالة الأطفال في مصر اكتسبت ابعادا خطيرة في ظل التغيرات الهيكلية التي شهدها المجتمع المصري في الآونة الأخيرة‏,‏ حيث تبدو ظاهرة عمالة الأطفال كأحد أعراض التناقض بين ملكية الموارد وتزايد عدد السكان تحت خط الفقر‏,‏ وهي نتيجة لعدم التكافؤ بين تزايد الثروات من ناحية وانخفاض الميزانيات الاجتماعية والتعليمية من ناحية ثانية‏..‏ كل هذه الظروف تسهم في انتشار ظاهرة عمالة الأطفال بدرجة كبيرة في المجتمع المصري بشكل عام‏,‏ وفي الريف المصري بشكل خاص‏,‏ حيث يستحوذ مجال النشاط الزراعي علي نسبة‏85%‏ من الأطفال العاملين في الفئة العمرية أقل من‏14‏ سنة‏.‏ ويترتب علي ظاهرة عمالة الأطفال في النشاط الزراعي نتائج خطيرة‏,‏ إذ تقع الزراعة ضمن أكثر ثلاث مهن تتسم بالخطورة في الدول النامية والمتقدمة علي السواء‏,‏ الي جانب أعمال المناجم وأعمال البناء والتشييد‏.‏ ويتأثر الأطفال العاملون في الزراعة علي سبيل المثال لا الحصر بأخطار المبيدات أثناء قطف الثمار الملوثة بالمبيدات‏,‏ أو عندما يقومون برش المبيدات‏,‏ كما أن الاستيقاظ المبكر في الأجواء الباردة والرطبة وفي ظل عدم توافر ملابس تقيهم البرودة يعرضهم لأمراض الجهاز التنفسي المزمنة‏..‏ وفي كثير من الأحيان يتطب عمل الأطفال في الزراعة انتقالهم من القرية التي يعيشون فيها إلي قري أخري قد تقرب أو تبعد عن موطن سكنهم ويترتب علي ذلك أن يتخذوا صورة عمال تراحيل أو بمصطلح أدق أطفال التراحيل‏,‏ ويلجأ مقاولو الأنفار لهذه الفئة لأنها أكثر الفئات التي لا تعترض علي ما يواجهونه من ظلم واستغلال‏..‏ وهناك نتائج سلبية أخري لعمالة الأطفال تتمثل في حرمان هؤلاء الأطفال من الألتحاق بالتعليم‏,‏ أو محاولة الأسر اخراجهم من التعليم للمساعدة في تحمل الأعباء المعيشية‏,‏ أو الضغط عليهم للجمع بين التعليم والعمل بالشكل الذي يلقي علي عاتقهم بمسئوليات ينوء بها كاهل الراشدين وكل ذلك يمثل انتهاكا صارخا لكل المواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الطفل‏.‏ وتؤكد أن استمرار الوضع الحالي لعمالة الأطفال في الريف مرهون في جزء كبير منه بالأوضاع الأقتصادية والاجتماعية والثقافية الموجودة حاليا والتي من المتوقع استمرارها مستقبلا‏.‏
وتبرز التقارير الدولية الحاجة إلي وضع سياسات أو استراتيجيات للحد من عمالة الأطفال‏,‏ لأنها من ناحية تؤكد التزاما من جانب الحكومة والمجتمع لمواجهة هذا التحدي بطريقة منظمة‏,‏ ومن ناحية أخري تقدم إطارا واضحا لعمل كل الأطراف المعنية‏,‏ ولتنفيذ البرامج والمشروعات‏,‏ ولن يتم ذلك الا من خلال وضع المشكلة في سياقها الواسع لإتاحة تناولها بشكل موضوعي‏,‏ وإيجاد الحلول التي تراعي مصالح الطفل وترسيخ مفهوم العدالة الاجتماعية‏.‏
أعراض لمشكلات أخري
وتقول الدكتورة سهير سند مستشارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ان الواقع أثبت أن الفقر يلعب دورا بارزا في التحاق الأطفال بسوق العمل مبكرا‏,‏ كما أرتفعت نسبة الأمية بين أرباب الأسر‏,‏ وانخفضت حيازة الأسر من الأرض الزراعية وأيضا أوضحت نتائج دراستنا أن السياسات التعويضية والموجهة عبر شبكات الأمان لا تصل إلي مستحقيها بنسبة‏2,79%‏ من جهة‏,‏ ومن جهة أخري أن من تصلهم خدمات الرعاية الاجتماعية عن طريق شبكات الأمان يرون أن تلك الخدمات غير كافية بنسبة‏5,87%‏ حيث أقتصرت سبل الرعاية الحكومية علي معاش السادات بالنسبة لما يقترب من النصف‏6,46%‏ تليها‏2,17%‏ للضمان الاجتماعي‏..‏ مما يشير إلي أن عمالة الأطفال وضع قائم بالفعل‏,‏ ولا سبيل الي تغييره في المستقبل القريب نظرا لاستمرار العوامل المسببة لها واستقرارها في البنية الاجتماعية والاقتصادية في الريف المصري‏..‏ غير أننا ينبغي أن نؤكد أن إطلاق عمل الأطفال دون تدخل حكومي واع قد يؤدي إلي مشكلات مجتمعية‏.‏
وتري أنه إذا كانت هناك ضرورة لعمل الأطفال فيجب تقنين هذا العمل ووضعه تحت الرقابة بحيث يتوافق هذا العمل مع ظروف وقدرات الأطفال‏,‏ مع عدم الاضرار بهم جسديا أو نفسيا أو حرمانهم من الالتحاق بالتعليم أو ممارسة كل الأنشطة التي تدخل في سياق المرحلة الارتقائية التي يعيشونها‏.‏
ابحث عن العشوائيات
ويقول الدكتور ياسر الخواجة أستاذ علم الإجتماع بآداب طنطا ان عمالة الأطفال ظاهرة عالمية حيث أن هناك نحو‏250‏ مليون طفل يعمل علي مستوي العالم تحت سن‏14‏ سنة‏..‏ وفي مصر نجدهم أكثر انتشارا في المناطق العشوائية المتخلفة علي أطراف المدينة‏.‏
وأضاف أن الظاهرة في العلوم الاجتماعية بصفة عامة لا يرجع حدوثها لسبب واحد وإنما لأسباب عديدة‏,‏ وعمالة الأطفال كإحدي هذه الظواهر تسببت العوامل الأقتصادية بشكل رئيسي في انفجارها خاصة في المناطق العشوائية حيث تدني مستويات المعيشة وقلة الدخل مما يدفع بالأبناء لسوق العمل مبكرا كذلك الحال في الريف‏.‏
وهناك أسباب إجتماعية أيضا أبرزها التسرب المدرسي الي جانب الأسباب السياسية‏...‏
وتؤكد الدراسات أن المعاملة القاسية التي يتلقاها الطفل من أرباب العمل والأساءة اللفظية والجسدية للأطفال تؤثر علي سلوكهم وتصيبهم بفقدان الثقة بالنفس وعدم الأمان كما تؤدي للاضطرابات الإنفعالية والسلوكية مما يصيبهم بالكآبة وفقدان احترام الذات لنفسهم وللآخرين‏..‏ فضلا عن المردود النفسي للظاهرة حيث يتركز معظمهم في مهن وأعمال لاتتطلب كفاءة ولكنها أعمال هامشية بسيطة والحل لا يتعلق بالأسرة أو المجتمع إنما بمنظومة متكاملة يتم فيها تفعيل مواثيق حقوق الطفل لاسيما في تشريع‏96‏ لعام‏1996‏ الذي حرم تماما عمالة الأطفال‏,‏ أيضا لابد من حماية الأطفال وتوفير برامج تدريبية وتعليمية للأطفال المنخرطين في سوق العمل وبرامج تأهيل مهني وذلك بتكاتف المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية‏..‏ وعلي المدي البعيد يجب أن تعيد الدولة النظر في سياساتها الأقتصادية‏.‏
مشروع مجرم
ويقول الدكتور محمد منصور أستاذ علم النفس بآداب طنطا أن عمالة الأطفال ظاهرة قديمة ولكن كانت تأخذ مسمي آخر وهو‏(‏ سوء معاملة الطفل‏)‏ لأنه يخرج الي سوق العمل مبكرا دون سن البلوغ وهو ما ينعكس علي سيكولوجية الطفل فتجده مخلوقا محطما وبذرة صغيرة لمجرم في المستقبل ولا ينجو من ذلك الا القلة النادرة‏.‏
ويري منصور أن الجمعيات الأهلية يقع عليها جزء كبير من حل المشكلة عن طريق تقديم برامج توعية لأهالي هؤلاء الأطفال ومحاولة عمل برامج للتخفيف من وطأة المشكلة نفسيا عن طريق اشراك الطفل في اللعب والتسلية وتنظيم ذلك بصفة دورية وتوجيهه للجهات المعنية بتعليم تلك الفئة المظلومة التي تمثل بالفعل قنبلة موقوتة في قلب المجتمع المصري‏.‏
القانون يناقض نفسه
ويقول هاني هلال رئيس المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة انه بالرغم من أن قانون الطفل عالج الكثير من الاشكاليات المرتبطة بعمالة الأطفال‏,‏ إلا أنه لم يوفر مظلة الحماية لقطاع كبير من الأطفال وتقيد بالقطاعات التي تناولها قانون العمل‏,‏ فلم ينظم عمالة الأطفال في القطاع الريفي والزراعة الذي يستحوذ علي نسبة تزيد علي‏77%‏ من الأطفال العاملين‏,‏ ولم يرد نص قانوني خاص بخدم المنازل أو العاملين لدي ذويهم‏.‏
وأضاف أن القانون أيضا يتعارض مع قانون العمل والتأمينات والنقابة‏,‏ فالأطفال في سن‏14‏ لا يمكنهم الألتحاق بالنقابات قبل سن‏15‏ عاما ولا يمكنهم الاستمتاع بالتأمينات قبل سن‏18‏ عاما‏,‏ كما أنه يتعارض مع اتفاقية العمل الدولية عام‏1973‏ التي ترفع سن الحد الأدني لتشغيل الأطفال الي‏16‏ عاما‏.‏
ويرجع هلال سبب الغموض في حل المشكلة والتفاوت بين الاحصاءات لعدم وجود تعريف موحد لعمالة الأطفال لدي القطاعات المعنية واقتناع أهالي هؤلاء الأطفال بعمل أبنائهم‏.‏
وعن دور الجمعيات الأهلية في مناهضة تلك الظاهرة يفرق بين نوعين أولهما جمعيات ترفض تماما فكرة تشغيل الأطفال تحت سن‏15‏ سنة وتري إعادتهم الي أسرهم وصرف إعانات مادية ومالية لهم‏,‏ والثانية جمعيات تنادي بتحسين ظروف الطفل في بيئة العمل بحيث تتوافر له أوجه الأمان والحماية المختلفة‏.‏
وأكد هلال أن حل المشكلة يكمن في تفعيل قانون الطفل الجديد رقم‏126‏ لعام‏2008‏ حيث تفعيل دور لجان الحماية بقوة القانون بحيث تكون لها صلاحيات التدخل لحماية الطفل من أي انتهاك يتعرض له وما يستلزم ذلك من القيام بعمليات الرقابة والتفتيش علي أماكن عمالة الأطفال ومتابعتها بمشاركة المجتمع المدني‏.‏
بيوت خبرة
ويري الدكتور علاء السبع أن الجمعيات الأهلية واصبحت في الخارج بيوت خبرة ويكفي أن يتجمع عدد من الجمعيات للعمل علي تقديم مشروعات قوانين بديلة وصياغة أخري للتشريعات مثار جدل‏,‏ والسعي لكسب تأييد المجتمع لتكون معبرة عن مصلحته ومن هنا فإن المجتمع المدني ليست وظيفته الوحيدة تقديم خدمات لكن الأهم هو الترويج للنموذج في القضايا الإجتماعية‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.