اعتبر رسلان قربانوف، كبير الباحثين في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن التطرف الإسلامي في روسيا طاعون إيديولوجي مصدره شوارع الجهل والفقر والظلم وليس المعاهد الدينية الخارجية أو الداخلية، وأن ثمة نخبًا اجتماعية وسياسية وأمنية وإعلامية تغذي التطرف الإسلامي في روسيا لتعتاش عليه كنتيجة، معتبرًا أن جمهوريتي الشيشان وقرشاي – شركيسيا الروسيتين مثالان واضحان على كيفية القضاء على صناعة التطرف والإرهاب في روسيا. وأكد "قربانوف" في جلسة طاولة مستديرة نظمتها وكالة "نوفوستي"، أمس الجمعة، حول أسباب التطرف الإسلامي في روسيا وسبل مواجهته، أن التطرف حدث تاريخيًا في مختلف المجتمعات ولأسباب مختلفة وقال "في وقت من الأوقات ابتلي الشاب الروسي بالتطرف على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين حينما ظهرت حركة المفجرين"، الذين كانوا يفجرون العبوات الناسفة مستهدفين القياصرة وأسرهم وحرسهم وكبار الموظفين والنبلاء وغيرهم، وهو اليوم ينتشر في أوساط الشباب الروسي المسلم، لكن لأسباب مختلفة.. إنه طاعون إيديولوجي ينبغي دراسة مسبباته والبحث عن علاج لها، والسبب برأيي بدأ مع موجة الحرب الشيشانية، وقد تشكلت اليوم صناعة ضخمة جدًا تدعم التطرف بكل أشكاله بدءًا من الإتجار بالبشر والأعضاء والمخدرات وانتهاء ببيع المناصب، وتدير هذه الصناعة الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام والمفسدون من الموظفين والقادة السياسيين، الباحثين عن مكاسب خاصة، مالا كانت أم شهرة أم منصبًا جديدًا". واعتبر قربانوف أن بعض النخب السياسية والأمنية في الجمهوريات القوقازية الروسية دأبت على المتاجرة والتهويل بمسألة عدم الاستقرار في القوقاز، ودفع الشباب بشكل مقصود إلى أحضان الدعاة المتطرفين والمقاتلين في غابات القوقاز، بهدف تصعيد هذه المشكلة أكثر فأكثر وخلق الذريعة لطلب المزيد من الأموال من الخزينة الفيدرالية لمحاربتها. ورفض "قربانوف" فكرة أن يكون الطلبة الروس قد نهلوا أفكارًا متطرفة من المعاهد الدينية الخارجية التي تخرجوا منها وقال: "تحريض الطلبة على التطرف لا يتم في كل الأحوال في المعاهد نفسها، لا في مصر ولا في سوريا ولا في السعودية ولا في غيرها من البلدان الإسلامية، ولسبب وحيد بسيط، وهو أن الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان تخشى التطرف بشكل مرعب.. ففي تلك البرامج الدراسية شطبت المواضيع التاريخية التي تتحدث عن نماذج التنظيم الاجتماعي الذاتي للمسلمين، لأن التنظيم الاجتماعي الذاتي للمواطنين يخيف الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان، لذا لا يوجد أمام الشباب مصدر أكاديمي يتعلمون منه طريقة تنظيم أنفسهم ذاتيًا اجتماعيًا بشكل بنّاء أو غير بنّاء، وإذا ما حدث التطرف فإن منبعه الرئيسي هو الشارع، حيث الفقر والجوع والجهل والظلم". وأردف قائلاً: "عندما يرى شبابنا الدارسون في سوريا، مثلاً، ظروف حياة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا أراضي جنوب لبنان إثر هجوم إسرائيل عليه عام 2006، أو عندما يستشعر الشباب الروس فساد النخب الحاكمة تزداد حدة الحساسية الاجتماعية لديهم تجاه هذه المشكلات فيندفعون بحثًا عن مخرج.. ولما كان هؤلاء الشباب لا يمتكلون خبرة لتنظيم أنفسهم بشكل اجتماعي بنّاء للدفاع عن حرياتهم وحقوقهم وآرائهم تراهم يحملون السلاح كمفتاح وحيد لحل مشكلاتهم. وردًا على سؤال حول أسباب نجاح الشيشان في محاربة التطرف الإسلامي مقارنة بغيرها من جمهوريات القوقاز الروسية أكد قربانوف أن جمهورية قرشاي – شركيسيا تشارك الشيشان النجاح نفسه في محاربة التطرف وقال: "رغم أن سكان قرشاي – شركيسيا كانوا عند أصول عملية انتشار التطرف على مساحة واسعة من شمال القوقاز، بحكم أن الكثير من شبابها قاتلوا في الحرب الشيشانية الأولى إلى جانب الشيشانيين، واتهم الكثير منهم في ذلك الوقت بتنفيذ عمليات إرهابية في موسكو ومنها التفجيرالانتحاري الذي طال إحدى محطات المترو في موسكو.. إلا أن التطرف لم يزدهر في هذه الجمهورية لسببين الأول أن السلطات المحلية لم تسمح بأن تصطف حول مشكلة التطرف البنى الاجتماعية ذات المصلحة في نمو هذه النزعة، وثانيا لأن ممثلي الجماعات الإسلامية المتطرفة قرروا في وقت من الأوقات التخلي عن الجهاد المسلح في روسيا والهجرة إلى بلدان بعيدة. وكالات أخبار مصر - البديل