استلم أول أمس المتحف المركزي للجيش الجزائرى نسخا لوثائق تعود إلى عهد رائد المقاومة الجزائرية، الأمير عبد القادر، من بينها إحدى عشر رسالة مكتوبة بخط الأمير، وقد سلمت لوزارة الدفاع الوطني، وتتزامن هذه المناسبة مع التحضير لتنظيم الملتقى الدولي حول "الجانب الإنساني للأمير عبد القادر"، المقرر يوم الثلاثاء القادم بالنادي الوطني للجيش بالجزائر، وقد منحت من رئيس مؤسسة هنري دوران بجنيف إلى مؤسسة الأمير عبد القادر، قبل أن تسلمها بدورها إلى المتحف، وهذه الوثائق تعود لصاحبها شارل إينار، الذي ناضل من أجل تحرير الأمير عبد القادر من سجن أمبواز. الأمير عبد القادر الجزايرلي، بطل من أبطال الإسلام والأمة العربية وشيخ الطريقة القادرية، الذي جمع كلمة الجزائر تحت إمرته وجاهد ضد المحتل الفرنسى، وعندما تم نفيه من الجزائر ذهب إلى سوريا واندلعت فيها فتنة بين المسيحيين والدروز استطاع أن يئد الفتنة.. لنتعرف على الأمير المجاهد عبد القادر الجزايرلى فى ذكراه. قال عنه د. علاء أبو العزايم - شيخ الطريقة العزمية: إنه رجل ليس له مثيل فى زمننا، فمع جهاده ضد الفرنسيين استطاع أن يئد فتنة بين النصارى والدروز فى سوريا مع أنه كان منفيا فيها. وأضاف أبو العزايم أنه كان متصوفًا بنوع ونمط خاص، فقد جمع الأمير بين السيف والقلم والعلوم والأدب والفلسفة والشعر والدين وفنون القتال، كما وفَّق بين طريق السلوك والعرفان وبين التصوف السلوكى فى الطرق المختلفة والتصوف العرفانى، ثم جمع بين الطريقتين القادرية والشاذلية. قدّرت شعوب العالم سيرته، ففى أمريكا تم تأسيس مدينة فى مقاطعة "كلايتون" بولاية "آيو" باسم "الكايدر" نسبة إليه، وتقول "بيتي بوشهولز" مديرة متحف المدينة لموقع الحرة: إن الأمير محل إعجاب كبير من قبل الأمريكيين فى نضاله ضد المحتل الفرنسى، حتى إنه لُقِّب من قبل بعض الأمريكيين بجورج واشنطنالجزائر. وأوضحت "بوشهولز" أن مؤسس المدينة "تيموثي دايفيس" المحامي، كان يقرأ عن الأمير عبد القادر، ويطلع على حياته وكل ما يكتب عنه، وتأثر به كثيرا، مشيرة إلى أنه لما سأله شريكاه الآخرين عن الاسم الذي يمكن أن يمنحه للمدينة، لم يتردد في اقتراح اسم القادر. ويرجع نسب الأمير إلى آل بيت رسول الله "ص"، فهو الأمير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن شعبان بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر ابن عبد الله (الكامل) ابن الحسن (المثنى) ابن الحسن (السبط) ابن فاطمة بنت محمد رسول الله وزوجة علي ابن أبي طالب بن عم الرسول، ويرجع أصله للأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع، يرجع أصله أيضا من عائلة بنو يفرن من قبائل زناتة. كان عبد القادر الابن الثالث لمحي الدين سيدي محيي الدين شيخ الطريقة الصوفية القادرية ومؤلف "كتاب إرشاد المريدين"، نال الإجازة في تفسير القرآن والحديث النبوي وهو في الثانية عشرة من عمره، وشجعه والده على الفروسية فأظهر تفوقا مدهشا، وفي عمر لم يتعدَّ الثامنة عشر قام بمعية والده برحلة نحو البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج، ليتجه بعدها لبغداد قصد زيارة ضريح الولي عبد القادر الجيلاني. بعد استيلاء الفرنسيين على مدينة الجزائر عام 1830م تجمعت قبائل المناطق الغربية لاختيار قائد لها يدافع وإياهم عن البلاد، ووقع اختيارهم على عبد القادر، الذي وبإقبال كبير بويع أميرًا عليهم في تجمع ضخم بتاريخ 21 نوفمبر 1832، وحين قدموه وبايعوه اختاروا له لقب السلطان، فعدل هو إلى لقب الأمير، واختار له أبوه لقب ناصر الدين. بعد أن قويت شوكته أجبر الفرنسيين على إمضاء معاهدة ديميشال في 24 فبراير 1834م، حيث تقر هذه المعاهدة سلطته على الغرب الجزائري والشلف بعد المصادقة عليها من طرف الحكومة الفرنسية، فأساءت الحكومة تطبيقها، ولكن الأمير أرغم الفرنسيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، وأمضى مع الجنرال بيجو معاهدة التافنة الشهيرة بتاريخ 30 مايو 1837م. استطاع الأمير بحكم هذه المعاهدة السيطرة على الغرب الجزائري، منطقة التيطري وجزء من منطقة الجزائر، وانطلاقا من هذه النقطة بدأ عملا شاقا يتمثل في تقوية الدولة، وبناء وتحصين المدن، وتأسيس ورشات عسكرية، وعمل على بعث روح الوطنية والمواطنة وإضعاف المتعاونين مع المستعمر الفرنسي. ولكن المعاهدة حملت في طياتها أوجها للمعارضة الفرنسية وسوء التطبيق من طرف الحاكم فاليه، واندلعت الحرب مرة أخرى في نوفمبر 1839م. وبعد تعيين الجنرال بيجو حاكمًا من قبل الفرنسيين حاول السيطرة على كل البلاد، فطبّق سياسة "الأرض المحروقة"، مدمرا بذلك المدن والمحاصيل والمواشي، ولكن الأمير سجل انتصارات جلية مثل انتصار سيدي إبراهيم 23 سبتمبر 1845، رغم أن كلفة الحرب وسياسة التدمير المتبعة من طرف المستعمر أنهكت البلاد خاصة بعد تخلي المساندة المغربية، مما اضطر الأمير إلى إيقاف المعارك والاستسلام في ديسمبر 1847م، ونقل إلى سجون فرنسا (تولون، بو، وأمبواز)، ثم قرر نابليون الثالث إطلاق سراحه ونفيه إلى تركيا، ولكنه قرر الإقامة بصفة نهائية في دمشق حيث استُقبل هناك استقبالا استثنائيا. قام الأمير بعدها بأسفار قليلة، وحج إلى البيت الحرام مرة ثانية، ولكنه لم يبرح دمشق وخصص بقية حياته إلى الدراسة والتدريس والعبادة والتصوف والأعمال الخيرية، وفي عام 1860م برهن الأمير على إنسانيته الواسعة، فنجَّى آلاف المسيحيين من مجازر أكيدة وأوقف المتمردين، فحظى باعتراف وعرفان عدة قادة وملوك، منهم ملوك إنكلترا روسياوفرنسا. وتوفي الأمير في المنفى بدمشق بتاريخ 26 مايو 1883م. كتابات الأمير: 1- ذكرى العاقل (طبع بالجزائر) وترجم عام 1856، وأعيدت ترجمته عام 1877، حيث عرف حينها تحت اسم "رسالة إلى الفرنسيين". 2- المقرض الحاد (طبع بالجزائر) أدان به الأمير أولئك الذين يتهجمون على الإسلام. 3- السيرة الذاتية (طبع بالجزائر). 4- المواقف (طبع بدمشقوالجزائر). والعديد من الرسائل التي لم يتم جمعها إلى الآن.