استبعد د. جيمس روبنسون، أستاذ اقتصاد الحكومات والعلوم الاجتماعية بجامعة هارفارد، استمرار الإخوان المسلمين في الحكم لأكثر من 10 أعوام، لوجود قوى شعبية وسياسية، ستكون نظمت صفوفها وقادرة على خلق مناخ سياسي قوي. وأضاف أنه بعد ثورة يناير، من الصعب احتكار فصيل سياسي واحد للحكم، متوقعا ألا تجدد مصر ثورتها، وإنما عليها بلورتها، وتأسيس جبهة إعلامية قوية لمواجهة الحكومة وإجبارها على تطبيق الشفافية. وشدد أن قرض صندوق النقد الدولي لن يضر مصر، وأن المشاكل الحالية ليست بكارثية لأنها مجرد نتاج طبيعي لفترة انتقالية، وأن استخدام الدين في السياسة ليس قاصرًا على مصر فقط، ولكن النجاح الاقتصادي يعتمد على نظام الحكم وليس على معتقدات الأفراد وعقائدهم، فاليابان ديانتها ليست سماية ولكنها تملك اقتصاد ناجح. - ما هي أهم العوامل المؤدية للتدهور الاقتصادي والسياسي؟ السبب الرئيسي المؤدي لتدهور اقتصاد الدول، هو ظهور مؤسسات اقتصادية احتكارية، لا تعمل للصالح العام، ولكنها تخدم مجموعة محددة من رجال الأعمال والسياسية، مثال ما شهدته مصر بعد عام 1950، من تحكم قوي للحكومة في الاقتصاد، بهدف تلبية احتياجات الشعب بمختلف شرائحه. ثم تعرضت للتحرر الاقتصادي، "فترة تولي الرئيس محمد أنور السادات الحكومة"، وبدأ خلالها ظهور مؤسسات اقتصادية احتكارية مدعومة من القطاعات السياسية، تعمل لصالح مجموعة محددة من الأفراد، مما أدى إلى ظهور الخصخصة وبالتبعية الاحتكار، وامتلاك مجموعة صغيرة من رجال الأعمال لكبرى الشركات الاقتصادية المتحكمة في اقتصاد الدولة. وزاد الوضع سوءًا في عهد محمد حسني مبارك، رئيس مصر السابق، فتحولت الحكومة بالكامل من مؤسسة خدمية تعمل لصالح الشعب، إلى قلعة ديكتاتورية، تتعامل مع الوطن كأنه ملكية خاصة، يتاجر بها حفنة من رجال المال والسياسة. - كيف تتمكن مصر من ممارسة الشفافية ؟ الطريقة الوحيدة لممارسة الشفافية بمصر، هي مطالبة الشعب بذلك، وفي العالم أجمع لم نشهد يومًا قيام حكومة باتخاذ مبادرة تطبيق الشفافية، وبالتالي فهناك دور مجتمعي لابد من القيام به لإجبار السياسيين على تطبيق الشفافية وتحمل المسئولية دون تعتيم على المعلومات أو الكذب، بل تسعى الحكومة لتأمين وصول المعلومات للشعب بمختلف الطرق، وهو ليس بالأمر صعب وممكن تحقيقه في مصر ولكن على المدى الطويل، لأن الديمقراطية بمصر حديثة العهد، والحكومة تحتاج لإعادة هيكلة بالكامل، وإدراج إجراءات الشفافية في مختلف عملياتها. - وهل تعتقد أننا بحاجة لثورة أخرى لتحقيق الشفافية؟ أعتقد أننا مازلنا في منتصف الثورة، ولكننا في عملية خلق مؤسسات قائمة على الشفافية، وفي رأيي أن الحكومة المصرية الآن أكثر شفافية مما كانت عليه من قبل، ومهمة الشعب المصري الآن هي بلورة ثورته وليس الخوض في ثورة جديدة. -كيف نفرق بين الفترة الانتقالية والفشل بمصر؟ مصر مازالت في مرحلة انتقالية، فهي انتهت مؤخرًا من الاستفتاء على الدستور، ومع وجود خلاف سياسي عليه وعدم رضاء شعبي، إضافة إلى بدء الانتخابات البرلمانية، فمن المؤكد المرور بتطورات سياسية كثيرة لم نشهدها بعد، وبالتالي فمن التسرع الحكم بالفشل على الوضع السياسي بمصر، لأن الفشل لا يتحقق إلا إذا توقفت كافة التطورات وانطبقت مقولة يبقى الوضع على ما هو عليه. وأرى أنه خلال الفترة القصيرة الماضية، كان أداء الإخوان المسلمين جيدًا جداً، لأنهم منظمون أكثر من أي قوى سياسية أخرى بالدولة، ولكن على القوى الأخرى والشعب المصري تنظيم صفوفهم لتصبح مثل الإخوان المسلمين. وأتوقع أنه خلال العقد المقبل، سوف تتمكن القوى السياسية المختلفة من تنظيم صفوفها، لأنه بعد الثورة من الصعب المرور بركود سياسي، أو احتكار فصيل سياسي واحد للحكم، وهو ما يؤكد صعوبة الحسم بأن الوضع السياسي بمصر ينذر بالفشل لأنه لم يكتمل بعد، خاصة، لأن ما يحدث من تطورات بالشرق الأوسط يجسد نجاحًا هائلًا فاق توقعات الجميع، وبالنظر لما حدث بمصر من الانتقال من عهد الرئيس "مبارك" وسعيه لتوريث الحكم لابنه، إلى عهد يتمتع بانفتاح سياسي وانتخابات وكتابة دستور، هو تحسن هائل رغم عدم اكتمال أهداف الثورة، وأؤكد لك أن عدم اكتمالها ليس قاصرًا على المصريين ولكنه أمر تمر به أغلب الشعوب. - ومتى نتيقن بأنه الفشل؟ يتحقق الفشل عندما يتبين استغلال الفترة الانتقالية بمصر لصالح خدمة أجندات خاصة، ووجود سلطة تسعى للاستفادة من الوضع لصالحها وتحقيق مكاسب شخصية، ولكنه لم يحدث حتى الآن. - حدثنا عن تجربة البرازيل ونجاحها الاقتصادي مقارنة بفشل الأرجنتين؟ شهدت البرازيل أول انتخابات رئاسية حرة عام 1990، وكانت محكمة بقوة من قبل الجيش، وظهرت خلالها القوى الشعبية بشكل واضح، ولكنهم فوجئوا بوجود مرشحين ونواب عن الشعب فاسدين، سرقوا المال العام، مما أوجد حالة من الشك والاضطراب لدى الشعب وتوقعوا أن الوضع يزداد سوءًا، ونادى بعضهم بعودة الجيش للحكم لإحكام السيطرة وعودة الاستقرار للبلاد، لأنه في البداية كان يسمع الوعود من المرشحين ثم ينتخبهم ويتبين له بعد ذلك أنها زائفة، ولكن مع الوقت بدأ الناخبون يستوعبون الدرس، وفي العشرين عاما الأخيرة حققت البرازيل إنجازات هائلة في جميع القطاعات خاصة في انتشار التعليم والنمو الاقتصادي غير المسبوق، ولكن لا ننسى أن أول 10 سنوات كانت مرحلة انتقالية صعبة، والشعوب الواعية فقط هي القادرة على تخطيها والتعلم من أخطائها. وبالإشارة إلى مصر كان من المتوقع أن يحدث ما هو أسوأ، بوجود قائد شعبي له "كاريزما" يمنح الوعود الكبيرة للشعب ليخلق نوع من السياسة الشعبية، ثم سرعان ما يثبت فشل تحقيق الوعود وإحباط الإرادة الشعبية، وهو أمر مستبعد في مصر الآن، لأن الإخوان المسلمين منظمون جداً ولديهم رؤية مستقبلية، ولن يتخذوا أي قرار غير مسئول أو محسوب على المدى القصير، على عكس ما حدث في البرازيل. - ولماذا فشلت الأرجنتين؟ الأرجنتين خلال الفترة الانتقالية جعلت الشعب يمارس السياسة بكل حرية، ولكن حزب المحافظين التقليديين حاول إحكام سيطرته على زمام الأمور، وكلما فلت منه، استدعى الجيش لقمع المتظاهرين، الأمر الذي جعل صفوف الشعب تتحالف وتتصالح فيما بينها، وكونوا جماعات مختلفة "مستقطبة" البعض ضد الحزب الحاكم والبعض الآخر مؤيد له، و لايزال الخلاف مستمرا بينهم حتى الآن. - هل تعتقد أن الإخوان المسلمين قادرون على تحقيق نمو اقتصادي، أم أنها وعود زائفة؟ نجاح الإخوان مرتبط ببقاء نظام الرأسمالية، لأن هناك العديد من رجال الأعمال ممن عانوا خلال النظام السابق من عدم الحصول على فرصة في الاقتصاد، لديهم إمكانية لتوفير المال للإخوان ومشاركتهم. وأنا أعلم أن الإخوان المسلمين لديهم رؤية دينية للمجتمع المصري، ولكني أؤكد لك أنها لن تتعارض مع النمو الاقتصادي، فمثلاً أمريكا شعبها شديد التدين، وهذا لا يعيقه عن تحقيق أرباح ونمو اقتصادي، فلا يوجد في الدين ما يمنع نجاح الاقتصاد. وأعتقد أن الإخوان قادرون على خلق اقتصاد ناجح، ولكني لا أعرف كيف؟ لأن أساليبهم معتمدة في المقام الأول على السياسة، ولكن هناك مسلكان لاتباعهما، الأول هو السماح للمؤسسات التي لم تحظ بفرصة اقتصادية في عهد النظام السابق بالعمل مقابل دفع ضرائب معينة، أو منحهم ميزات تفضيلية، أو تمكينهم من بعض الموارد الاستراتيجية لتوفير عائد اقتصادي ضخم، والمسلك الآخر هو أن يكون الوضع السياسي شاملًا لجميع فئات المجتمع والديمقراطية مطبقة بالفعل، وبالتالي سوف يُجبر الإخوان المسلمين على توفير الفرص الاقتصادية لجميع أطياف المجتمع، وهم قادرون على فعل ذلك الآن، ولكن الأمر يعود إليهم. - لماذا يعلو صوت السياسة على صوت الاقتصاد والإعلام في الدول النامية ؟ مثلما ذكرت لك، إن الشعوب هي من تجبر الحكومات على تطبيق الشفافية، وبالتالي فلم يحصل الإعلام على حريته إلا إذا سعى العاملون عليه لامتلاكها، ولكي تتمتع مصر بنظام سياسي سليم وشفافية حتى تحاسب المسئولين وفقًا لمسئولياتهم، لابد من وجود منظومة إعلامية حرة وقوية، وجميع الدول الناجحة كالاتحاد الأوروبي، إنجلترا، وأمريكا، بها إعلام فعال لتحويل قادر على تحقيق تحولات سياسية، فالإعلام مهم جدًا لربط الشعب بالسياسة ومساعدته على الاختيارات السياسية السليمة. - هناك ضغوط من أوباما على سوق المال والأعمال بأمريكا، فهل تعتقد أنها تدفع المستثمرين الأمريكان للخروج والاستثمار بالخارج؟ عادة يستغرق الحكام وقتا طويلا لكي يتفقوا مع المستثمرين فالمشكلة لا تكون في الاستثمار المباشر بقدر كونها نابعة من النظام الحاكم، فالرئيس مبارك استغرق وقتًا طويلًا جداً ليحسن أداءه مع المستثمرين خاصة الأجانب، ولكن كان من الأفضل له منح تلك الفرصة للمستثمرين المصريين أولًا، "اعمل كل شيء لجذب الاستثمار الأجنبي لبلدك، ولكن ليس المهم ما يقدمه الأجانب لبلدك، وإنما الأهم هو ما يقدمه المصريون لوطنهم". - لماذا يسعى أوباما بقوة لحصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي؟ ربما لأنه لا يملك أي بديل آخر لمساعدة الاقتصاد المصري، وأؤكد لك ان صندوق النقد الدولي لا يهتم بالوضع السياسي المصري، أو أن يتقدم المصريون بثورتهم، ولكن كل ما يهمه هو استدامة الاقتصاد المصري، والسياسة الضريبية للحكومة، وحركة الاستيراد والتصدير، خاصة أن إتمام اتفاق مصر مع الصندوق من عدمه لا يؤثر على الفترة الانتقالية الراهنة. - متى تقلق مصر من شبح الإفلاس، وكيف تتصرف حينها؟ هناك تعتيم في مصر حول المعلومات المالية، لذلك لا أعرف الوضع المالي للحكومة الآن، ولكن ما مرت به مصر خلال المرحلة الانتقالية هو مجرد مشاكل عادية في الاقتصاد الكلي، وهنا يأتي دور صندوق النقد الدولي في منح قرض لمصر لمساعدتها على سد عجز الموازنة العامة لها واستقرار أوضاعها، ولكن حال إعلان البنك المركزي إفلاس مصر، فسوف تكون المرحلة الانتقالية صعبة جدًا، لأن حينها سوف تخضع مصر للقيود الاقتصادية، وتتحول طريقة التفكير من التحول المجتمعي للديمقراطية إلى آليات الخروج من الأزمة الاقتصادية. - هل تتوقع صدور قرارات سياسية أو اقتصادية مفاجئة قبيل ذكرى ثورة 25 يناير؟ خروج الشعب في ذكرى ثورة 25 يناير، لن يجسد ثورة جديدة، قد تتنوع مظاهره بين التعبير عن رأيهم والاحتفال بما وصلت إليه ثورتهم، ولكن من المستبعد المطالبة بقلب نظام الحكم، خاصة أن الإخوان لن يصدروا أي قرارات غير محسوبة على المدى القصير. - ما تعليقك على استغلال الإخوان المسلمين للدين في الاقتصاد والسياسة؟ الأمر لا يقتصر على مصر و الشرق الأوسط فقط، فهو شائع في العديد من الدول، فعلى سبيل المثال إنجلترا، استخدمت القوانين الدينية المحرمة للربا والمقيدة للاقتصاد عام 1840، واليوم إنجلترا مصنفة ضمن الدول الاقتصادية الأولى، وكذلك اليابان فالاقتصاد هناك تتحكم فيه الديانة اليابانية وهي ليست سماوية كالإسلام والمسيحية، ولكن اليابان تعتبر من دول العالم الأولى في الاقتصاد، ولا أرى أن المسيحية لعبت دوراً مهمًا في نجاح الاقتصاد الأمريكي أو أن الإسلام يكون له تأثير قوي على اقتصاد الشرق الأوسط، فكلٌ له معتقداته ويعرف كيف يجعلها تتماشى مع الاقتصاد الناجح. - هل تعتقد أن دعم قطر لمصر وسوريا وليبيا وراءه مصلحة سياسية أو اقتصادية؟ إن قطر تسعى دائماً للريادة، ولكني لا أعرف حقًا ما الهدف من وراء دعمها لدول الربيع العربي. - هل زرت مصر من قبل؟ زرتها منذ 30 عاماً، عندما كنت طالب، ومقيم في فندق تكلفة الليلة الواحدة 1 دولار، وزرت العديد من المناطق السياحية كالأهرامات، والأقصر، وبعض المناطق الزراعية، فأنا أحب تاريخ مصر وحضارتها. - هل اختلفت مصر الآن؟ بالطبع الوضع مختلف الآن، فمصر أصبحت ضيقة الآن بسبب التضخم السكاني الكبير، ولكنه مجرد رأي، لأنه لن يغير مكانة مصر بالنسبة لي. القوى الشعبية بمصر غير منظمة وأهداف الثورة لم تتحقق قرض صندوق النقد الدولي لن يضر بالاقتصاد المصري استغلال الدين لا يضرب الاقتصاد فاليابان دياناتها ليست سماوية ولكن اقتصادها ناجح ما ينفع الإخوان هو تنظيمهم ولكنه لن يستمر لنهاية العقد الحالى الشفافية لن تتحقق إلا برغبة الشعوب .. فنحن لم نسمع عن حكومة طبقت الشفافية من تلقاء نفسها لا أتوقع إصدار الإخوان لقرارات سياسية أو اقتصادية قبل ذكرى الثورة .. لأنها لا تهدد بقاءهم بقوة الآن