أوضحت دار الإفتاء الحكم الشرعي في مزاولة مهنة التدليك الطبي وضوابط ذلك مع بيان مفهوم التدليك الطبي (المساج)، موضحة أن التدليك: مصدر دلَّك، وتدليك أعضاء الجسم: فركها باليد لتليين العضلات، ودلَّك المريضَ أي: دعك جسمه ليلين، وفي اصطلاح الفقهاء: "إمرار اليد على العضو"؛ (Massage)" أصبح اسمًا شائعًا يُقصد به التدليك وهو: مجموعة من الأساليب تُستخدم بهدف التأثير الميكانيكي المُقنَّن مثل: المسح والضغط والاهتزاز المباشر على سطح الجسم بواسطة اليدين أو الأجهزة، سواء في الهواء أو الماء. وأضافت أن الصورة المسؤول عنها نوعٌ مِن أنواع العلاج الوقائي تدخل في معنى التداوي الجائز شرعًا؛ لما فيها من حفاظ على الجسد، فعن أسامة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلَّا الْمَوْتَ، وَالْهَرَمَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
فإذا ما أفاد الأطباء المتخصصون أنَّ التدليك الطبي يدفع أمراضًا يغلب على الظن وقوعها كان التدليك الطبي حينئذٍ داخلًا في إطار الحاجة الطبية التي تنزل منزلة الضرورة.
قال ابن سينا في "القانون في الطب" : [أما الواقعون فِي ذَلِك مِن غبار أَو قُوَّة دَلْكٍ فهم إِلَى الاستحمام أحْوج مِنْهُم إِلَى التمريخ بالأدهان، وليتدلكوا تدليكًا لينًا قبل الحمام وَبعده. وَقد يعرض عُقيب الإفراط فِي الرياضة مَعَ قلَّة الدَّلْك ضعف مع التخلخل، وَقد يعرض من الْجِمَاع المفرط أَيْضًا، ومن الحمام الْمُتَوَاتر، فَيَنْبَغِي أَن يعالجوا برياضة الِاسْتِرْدَاد، وبدلك يَابِس إِلَى الصلابة مَعَ دهن قَابض، ويتناولوا أغذية مرطبة قَليلَة الكمية معتدلة فِي الْحر وَالْبرد أَو إِلَى الْحر مَا هِيَ قَلِيلًا. وَكَذَلِكَ يصنعون إِن عرض ضعف أَو سهر أَو غم أَو عرض يبس من الْغَضَب، فَإِن عرض لهَؤُلَاء سوء استمراء -لم يجده مقبولًا مستساغًا- لم يوافقهم رياضة الِاسْتِرْدَاد، وَلَا شَيْء من الرياضات الْبَتَّةَ].
وجاء في كتاب "العلاج بالتدليك"، لمليدرد كارتر، وتامي ويبر : [التدليك باستخدام رد الفعل المنعكس يهدئ الأعصاب والعضلات المشدودة.. فرد الفعل المنعكس يعيد تدفق الدماء خلال جسمك دون جهد أو ضغط أو أي مجهود زائد من القلب، وبذلك فإن هذا العلم يساعد على تغذية الجسم وازدهاره] .
وفي كتاب "العلاج الطبيعي الوسائل والتقنيات" للدكتورة سميعة خليل : [التدليك أحد وسائل العلاج الطبيعية، والمقصود به تحريك يدوي للأنسجة الجسمية الرخوة بصورة علمية مدروسة لغرض علاجها والارتقاء بوظائفها، ويجري على العضلات وأنسجة العظام بحركات مختلفة لغرض الارتقاء بوظيفة الجلد والإسراع بالدورة الدموية واللمفاوية وسحب الدم من أعضاء الجسم الداخلية إلى منطقة التطبيق وتنبيه الأعصاب أو التهدئة حسب الحالة ويمكن أن يكون التدليك موضعيًّا أو كليًّا وفق قيود علمية تستخدم من أجل التأثير على الجسم لعلاجه أو تنشيطه أو راحته.
وقد دلت البحوث الحديثة على جدوى التدليك وكفاءته، إذ تقدم على العلاجات الكهربائية مثل التحفيز تحت الجلد في معالجة الآلام وخاصة الألم الناتج عن التليف العضلي، وفي معالجة الأرق والقلق والكآبة وفي خفض إنتاج الكولسترول] .
لكن ينبغي عند ممارسة التدليك الطبي ستر العورة؛ فلا يجوز كشف ما زاد عن حدِّ الحاجة من العورة عند القيام بالتدليك، وإذا أمكن القيام به عن طريقِ حائلٍ لم يُلجَأْ إلى مباشرة اللمس؛ فلا يُطَّلَعُ على ما لا يُحتاج إليه، ولا يُلمَس ما لا يحتاج إلى لمسه؛ لما تقرَّر في قواعد الفقه أنَّ "ما ثبت للضرورة يُقدر بقدرها"، وأن "الميسور لا يسقط بالمعسور".
قال العلامة الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" : [والذي اختاره ابن القطان تحريم النظر إلى الفخذ، وأما تمكين من يُدَلِّكُ فذلك حرام؛ نص عليه في "المدخل" في دخول الحمام، فإنه عَدَّ مِن شروط جواز دخوله: أنه لا يُمَكِّنُ دَلَّاكًا يُدَلِّكُ له فخذيه، وكذلك ابن القَطَّان قال: إنه أشد من النظر إليه، وهو ظاهر كلام البِساطي في هذا المحلِّ بل صريحه، وأما الضرب على الفخذ فاختار ابن القَطَّان جوازه] .
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" : [(ويحل نظر رجل إلى رجل) مع أمن الفتنة بلا شهوة اتفاقًا (إلَّا ما بين سرة وركبة) ونفسهما.. فيحرم نظره مطلقًا ولو مِن محرم؛ لأنه عورة، قال الأذرعي: والظاهر أنَّ المراهق كالبالغ ناظرًا أو منظورًا، ويجوز للرجل دلك فخذ الرجل بشرط حائل وأمن فتنة].
وقال الإمام الشَّبْرَامَلِّسِي في "حاشيته على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" : [(قوله: دَلْكُ فخذ الرجل) أي: ومثله بقية العورة حتى الفرج، (قوله: مع ذينك) أي: الحائل وأمن الفتنة] اه.
فإذا كان المقصود من التدليك الوقاية من الأمراض، وتحقق في طريقة القيام به وفيمن يقوم به ما سبق ذكره من الضوابط الشرعية، فلا حرج حينئذٍ في القيام به، وبشرط أن يكون تحت إشراف المتخصصين.
وممارسة التدليك لا بدَّ أن تكون المراكز الطبية المعتمدة التي تقوم بهذا النوع من التدليك مصرَّحًا لها قانونًا بممارسة ذلك النشاط بما يضمن أن يكون القائم به له نوع خبرة ودراية وتخصص، ويضمن كذلك رقابة الدولة على تلك المراكز، وبذلك تندفع شبهة الممارسات المحرَّمة؛ فقد نص القانون رقم (3) لسنة (1985م) -في شأن تنظيم مزاولة مهنة العلاج الطبيعي- في المادة التاسعة على أنه: [لا تجوز مزاولة مهنة العلاج الطبيعي في مراكز خاصة خارج المنشآت الطبية المنصوص عليها في القانون رقم (51) لسنة (1981م) بتنظيم المنشآت الطبية، إلا بترخيص خاص من وزارة الصحة] .