كانت أمس ذكرى عيد ميلاد الشاعر والمناضل الكبير زين الدين فؤاد، الذى أخلص لشعره ووطنه، ودفع ثمنه أيامًا وليالى طويلة داخل سجون وطنه وأيامًا أخرى فى الغربة خارج بلاده. وبهذه المناسبة كان ل"لبديل" هذا الحوار معه: ذكريات كثيرة تحملها أعياد ميلادك السابقة ، شهدها الأصدقاء والمحبون، حدثنا عن بعض هذه المشاهد التى تركت أثارها عليك؟ 22 أبريل 1979، كان عيد ميلاد من أصعب أعياد الميلاد التي مرت بها فى حياتى، وكنت وقتها في سجن طرة، وكان هذا السجن يسمى اعتقالًا وقائيًا حرصًا على عدم إثارة أى شغب قبل ذهاب السادات للتوقيع على كامب ديفيد، وكان يوم اعتقالى هو ميعاد سفر زوجتى بسمة حلاوة إلى أمريكا، قبلها ومن 30 مارس تحديداً جاءنى الصديق عبدالزغبى وقد علمت منه أنه اتفق مع عدد كبير من الزملاء والأصدقاء فى الخارج على ترتيب زيارتهم لى يوم 22 أبريل ليحتفلوا معى بعيد ميلادى ليتزامن ذلك مع وفاة زوجتى بسمة، وكنت قد حرصت على ألا يعلم أخى مصطفي فؤاد خبر وفاة بسمة لأنه كان مريضًا ومحتجزًا بالمستشفى، ولكن المصادفة جعلت مصطفي يأتى إلى زيارتى فى نفس اليوم ليعرف من كلام الأصدقاء بخبر وفاتها وينهار جداً، ولذلك كنت أنا الذى أواسيه فى وفاة زوجتى، وكان يوماً فى غاية الغرابة فبين الأهل والأصدقاء واحتفالهم بى أشعر بالغربة. مشهد آخر لعيد ميلادى فى السنة الماضية قام عدد من المراكز الثقافية والجامعات بالاحتفال بعيد ميلادى ال 70، ومنهم جامعة طنطا والمنوفية، وكلية الفنون الجميلة بالزمالك، وقامت كلية طب قصر العينى بالاحتفال بعيد ميلادى مع نهاية مؤتمرهم الطبى السنوى. هناك أيضًا أعياد ميلاد لا تنسى وفرحت بها أشد الفرح ومنها عام 2009، تجمع أربعة من الموسيقيين منهم حازم شاهين وأحمد إسماعيل ليحتفلوا بعيد ميلادى بغنائهم لأغنية "اتجمعوا العشاق"، قبلها بعام كنت قد ذهبت إلى ساقية الصاوى ووجدت فرقة إسكندريلا تحتفل بعيد ميلادى وتنشد أغنية اتجمعوا العشاق وتعلن عن تواجدى بينهم. وعام 22 أبريل 2011، كان من الأيام المميزة جدًا وتجمعنا مع عدد كبير من الأصدقاء والمبدعين ومنهم إبرهيم عبدالمجيد والأديبة أهداف سويف ومجموعة من شباب الثورة منهم أحمد حرارة وراندا سامى، وعملوا احتفالا سموه " نكبر سوا "، وكان ذلك على قهوة زهرة البستان بوسط المدينة، للاحتفال معى بعيد ميلادى وقالوا إن هناك ألتراس زين الدين فؤاد. وما بين السجن والميدان والغناء كانت أعياد الميلاد. وعن توثيق مشاهد الثورة التى قام الشاعر زين العابدين بالتقاط آلاف الصور لها وتجدها على موقعة فى موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك سألناه عن نصيب الشعر من الثورة لدى فؤاد؟ كتبت كثيرًا قصائد طويلة وقصيرة منها قصيدة مينا دانيال "الفراشة"، "شهداء يشربون الشاى" وكتبت فى جنازة جيكا شعارات صغيرة، كى يهتفوا بها فى الجنازة ومنها "يا مينا افتح كراسنا شهدا جديدة بترفع راسنا"..."يا مينا وشيخنا عماد مصر بتطرح نور وعناد". وفى الاتحادية قبل استشهاد الحسيني أبو ضيف، كنت هناك ورأيت الناس التى تم حشدها لضرب المعتصمين وسمعتهم وهم ينزلون من أتوبيساتهم يقولون "الموت للكفرة"، فاستخدمت هذا الشعار وقلت.."محناش كفرة غير بالحكام الفاجرة " وظلت تلك العبارة مكتوبة على حوائط الاتحادية. كتبت أيضًا عن "شهداء ماشين فى جنازة بعض" عندما عاصرت الحسيني يمشى فى جنازة مينا دانيال والشيخ عماد عفت. والتى ذكرتنى ببيت الحسينى وفى خلفيته صورًا للشيخ عماد عفت ومينا دانيال. كتبت أيضًا على كفن شهيدة ثورتنا سالى زهران. "يا سالى يا بنتنا هتموتى كام مرة.. دمك على كفنا يرسم.. جسدك بدن طاهر.. مين ينكرك كافر". ويكمل زين: أفضل استخدام الشعر فى مواقفه، وكذلك تبدو القصيدة كأنها شعار. لديوانك الأول "وش مصر" رحلة طاف بها الديوان معك، وتمت طبعاته فى مصر وبيروت حتى ظهر أخيرًا عام 2011 من هيئة قصور الثقافة، أروى لنا قصتك مع هذا الديوان؟ من هذا الديوان "وش مصر" نشرت العديد من الصحف قصائده، ولكن اختلف الأمر عندما أردت طباعته فى كتاب وكانوا يقولون نشر الكتب يختلف عن نشره فى الجرائد لأن الجريدة بعد أن تقرأها تتخلص منها أما الكتب باقية. لذلك تعددت محاولاتى لإصدار ديوان وش مصر فى طبعته الأوليى,، وحصلت على أربع نسخ للتصحيح ريثما يتم الحصول على موافقة الرقابة. تقدمت بهذه النسخ من بروفات المطبعة لمسابقة المهرجان الأول للأدباء الشبان الذى أقيم فى الزقازيق عام1969. وفاز الديوان بالجائزة الأولى لكن رد الرقابة جاء بالرفض، ولما حصلنا على موافقة الرقابة لم نكن نملك التمويل اللازم لطبع الديوان فقمنا بطبع كوبونات للبيع مقدما وقدرت سلسلة كتاب الغد ثمن النسخة ب15 قرشًا. وتم توزيع1800 كوبون قبل طبع الديوان مما مكنا من تغطية تكاليف الطبع. تصادف أن يدخل الديوان المطبعة فى أول يناير عام1972، وفى أثناء الطبع كانت حركة الطلاب المصريين على أشدها فى انتفاضتهم لتكوين اللجنة العليا للطلاب. وتم القبض على المئات من الطلاب من داخل أسوار جامعة القاهرة، وكنت واحدًا منهم وخلال التحقيق معى واجهنى المحققون بعدد هائل من مجلات الحائط تتضمن قصيدة مقاطع من الخميس الدامى الواردة فى هذا الديوان، واتهمت بأننى كتبت هذه القصيدة للتحريض على تلك المظاهرات، فطلبت من المحقق أن يضم إلى أدواته عددًا من جريدة الجمهورية الصادر فيى21 فبراير1966، والذى كانت القصيدة منشورة فى صفحة كاملة داخله، أى قبل الأحداث بسنوات طويلة. وهنا يتذكر عم زين قصيدته الثانية والتى كانت السبب وراء منع نشر أشعاره جميعها حتى موت السادات، ويقول زين: "ونحن نغادر ميدان التحرير بعد مظاهرة مليونية: كنت مجندًا فى حرب1973، وكنت أنظم الأمسيات الشعرية للجنود، وفى يوم استدعانى قائد الكتيبة وأخبرنى أننى سأشارك فى أمسية بدار الأوبرا,، وذهبت بملابسى العسكرية فى الثامن من أكتوبر إلى دار الأوبرا، وهناك كان الشاعران أحمد عبد المعطى حجازى، وصلاح عبد الصبور التى بدأت معه الأمسية ولما جاء دورى لإلقاء شعرى اخترت قصيدة الحرب لسه فى أول السكة. الفلاحين بيغيروا الكتان بالكاكى ويغيروا الكاكى بلون الدم وبيزرعوك يا قطن ويا السناكى وبيزرعوك يا قمح زرعة علم وبيدخلوكى يا حرب فحم الحريقة وبيزرعوكى يا مصر شمس الحقيقة وما إن وصلت إلى المقطع الأخير فى القصيدة اتفجرى يامصر اتفجرى بالحرب ينفلق النهار اتفجرى بالحرب ضد الجوع والقهر ضد التتار وساعتها انفعلت السيدة جيهان السادات وصرخت : مفيش جوع فى مصر وغادرت المسرح. بعدها صدر الأمر الرئاسى غير مكتوب بمنع نشر قصائد زين العابدين فؤاد، طالما أن السادات على قيد الحياة وبالفعل حدث ذلك. يذكر لنا أيضًا الشاعر زين العابدين فؤاد حكاية حدثت له فى بيروت أثناء اشتعال الغزو الإسرائيلى على لبنان، وكان الأهل لايعرفون عنه أى أخبار: وقتها راح زين العابدين وصديقه المغنى عدلى فخرى يجوبون شوارع بيروت ويزورون 50 أو ستين موقعاً ينشدون الأغانى معتبرينها وسيلة للمقاومة، والتفتت لذلك الإذاعة البريطانية بى بى سى، وعملت القصة فى فيلم مدته 10 دقائق، أذاعته معظم القنوات التلفزيونية. وتمت إذاعته فى التليفزيون المصرى ضمن فقرات نشرة التاسعة مساءً لمدة دقيقة واحدة، ولكنها كانت كافية لتطمئن الأهل أننا على قيد الحياة. ومن المنتظر أيضاً أن نشاهد قريبًا فيلم عن حياة زين الدين فؤاد بعنوان "وش مصر" إخراج مها شهبة. أخبار-البديل-ثقافة