يبدو أن القدر يشاء أن يقف مبارك –وحده – على حطام هذا الوطن، الذي حُكم عليه بالضياع، بعدما أصبح من الصعب أن يتحمل الصفعات المتتالية، من انفلات أمني وأخلاقي وجوع وفقر، لكنه إلتزم الصمت، لتضيع أمنيته الوحيدة، وهى أن يرى "المخلوع " يحاكم على جرائمه، التي إرتكبها في حق الوطن، والحقيقة أن مسلسل البراءات أبى أن ينتهي دون ينضم اسم مبارك إلى القائمة، ومازالت هناك خطوة وحيدة للإفراج عنه، خاصة بعد إبتساماته من داخل قفص الاتهام، التي قضت على ما تبقى للشعب من أمل في القصاص لدماء الشهداء، أو جرائم الفساد السياسى والاقتصادى التى ارتكبها فى حق الوطن. قال الدكتور مختار غباشي، رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن إخلاء سبيل مبارك، في قضية قتل المتظاهرين والكسب غير المشروع ، تدخل في طي الصراع بين السلطة التنفيذية والقضائية بشكل واضح، لافتا الى أنه لم يحكم بمثل هذا الحكم من قبل، وكأن هناك تعمد واضح وإصرار على إستكمال مسلسل البراءات بخروج رأس النظام. وأوضح "غباشي" أن ما يحدث يضع علامات إستفهام، حول كثير من القضايا المحالة، التي إتهم فيها مبارك ورموز نظامه، مؤكدا أن الثوار أصبحوا في موقف صعب، نظرا للإختيار بين سيادة القانون وفشل الثورة، وإذا خرج مبارك نهائيا، سيكون ذلك تنفيذا لحكم القانون، وسيتضح ذلك في المرحلة المقبلة، مشيرا الى أن هناك قضيتين فقط، المحبوس مبارك على ذمتهما، والايحاء العام يقول أننا أمام اتجاه للافراج عنه. وأضاف أن المحكمة تصدر قرارها، بما إستقر في نفسها، وما إطمأنت له، بغض النظر عن الأدلة والقرائن، فهي تفحصها في البداية، ثم تحكم بما تراه عادلا، ولذلك فنحن نمربمرحلة صعبة، بسبب كثرة البراءات والأحكام الهزلية، وإذا حصل مبارك على البراءة، فسوف يضع السلطة الحاكمة والقضاء والثورة في موقف حرج . وأكد الدكتور عبد المنعم سعيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مبارك مازال محبوسا إحتياطيا على ذمة قضايا أخرى، مشيرا إلى أن خروجه من السجن لن يؤثر على الحياة السياسية، لأنه لن يعود للحكم مرة أخرى، كما أن الشعب يعاني نفس المشاكل، الموجودة قبل الثورة، ومازالوا يعانون منها، مشيرا إلى أن الأفضل عقد مصالحة تاريخية، وترك التاريخ جانبا؛ لأن الوقوف عند لحظة معينة من الماضي لن يفيد الشعب، والأهم هو مراعاة حقوق المواطنة وتشجيع سيادة القانون. وأوضح "سعيد" أن هناك توافق مجتمعي على نظام ديمقراطي، يعطي الحق لكل من يخدم البلد في المشاركة، وهو ما يجب أن يعلمه الجميع، طالما خرج مبارك من السلطة، لأننا أصبحنا نختار بين "مُرين "، إما أن نرفض حكم الإفراج إذا صدر لصالح مبارك، ونعيش في دولة لا يحكمها سوى القوة دون القانون، أو سيادة القانون، وبالتالي سنرضى بخروج مبارك، لكن لن يتحقق العدل المطلق؛ لأنه الله إختص به نفسه، لافتا إلى أن أغلبية الشعب لم يعد مهموم بنظام الحكم ، قدر إهتمامه بالقضايا الأساسية، مثل الأمن ولقمة العيش، وكلها أمور معلقة حتى تستقر البلد. و قال شريف الروبى، عضو المكتب السياسى لحركة 6 أبريل "الجبهة الديمقراطية" أن مبارك يُحاكم وفقا للقانون والدستور، الذي أقره الدكتور محمد مرسي، وهو الرئيس المسؤل عن هذه المحاكمات، بعدما وعد بالقصاص والثأر من كل من ساهم في قتل الثوار، اضافة الى النائب العام، الذي قال إنه لديه أدلة إدانة رموز النظام السابق، وإنه سيعيد محاكمتهم، وهو ما لم يحدث. وأوضح "الروبي" أن هناك سوء نية واضحة؛ لأن الثوار طالبوا بمحاكمات ثورية، حتى نضمن القصاص، وهو ما رفضته جماعة الإخوان المسلمين، ولذا نطالبهم بأن يخرجوا ما لديهم من أدلة، ويكشفوها للرأي العام، حتى لا يثور الشعب ضدهم، وينقلب على النظام، مشيرا إلى أنه ضد خروج مبارك، مطالبنا باعدامه، بسبب المسرطنات و الفقر والجوع، وافساد الحياة السياسية والاجتماعية، لافتا فى الوقت ذاته يحترم القانون، الذي علمنا انه لم يطبق الا بمحاكم استثنائية.