ورد وصف مصر ومناطقها باستمرار في أغلب كتب الرحلات العربية، فالرحالة العرب كانوا لابد أن يمروا بها بوصفها قلب العالم الإسلامي القديمة. واختلفت نظرة الرحالة العرب الكبار إلى مصر واختلفت حتى الرؤية التي ينظرون بها إلى مصر وكذلك محطات التأمل والتوقف في مصر. فنجد مثلا أن ابن بطوطة كعادته، يقف عند الغرائب والعجائب ويحبذ وصف الناس والشوارع والمنازل ويتوقف عند الآثار البائدة والحكايات الأسطورية وحواديت الناس. ابن بطوطة والأهرام: طبعا لم يكن شامبليون قد فك حجر رشيد بعد، وكانت الأهرام بالنسبة للمصريين أبنية مليئة بالأساطير والحكايات، ولذلك نجد أن ابن بطوطة في حكاياته يربط الأهرام بطوفان نوح وبقصص هرمس الأول. الحقيقة أن هناك دراسات فعلا الآن تربط هرمس (ميركور) الإله اليوناني الروماني الأسطوري بجيحوتي (تحوت) إله العلم، والمعرفة عند المصريين القدماء وكلاهما بالنبي إدريس (أخنوخ) الوارد في الكتب المقدسة . ابن بطوطة يروي قصة بماء الأهرام كما سمعها من المصريين، وهي أن هرمس قرر بناء الأهرام وجمع فيها كل الأسرار والعلوم والمعارف وصور الآلات وغيرها، وظل الهرم مغلقا على أسراره ، وأن هرمس فعل ذلك لأنه كان يعلم أن الطوفان سيحدث بعد وفاته بسنوات طويلة، فحفظ العلم البشري بهذه الطريقة. طبعا بعد وصف الأهرام نتفهم من كلام ابن بطوطة ان أسماء خوفو وخفرع ومنكاورع لم تكن موجودة مطلقا وأن تمثال أبو الهول كان مخفيا لأن ابن بطوطة لم يذكره مطلقا. وضمن ما روى ابن بطوطة في رحلته قصة غريبة وهي أن الخليفة المأمون العباسي قرر هدم الأهرام وأرسل إليه مشايخ مصر يحذرونه من هذا، ولكنه أصر وأخذ الجنود يرمون الهرم بالمنجنيق وفتحت فتحة مازالت موجودة إلى اليوم. *ابن بطوطة والنيل: ينظر ابن بطوطة للنيل نظرة إعجاب ورهبة، فهو عنده النهر الوحيد في العالم الذي يمكننا أن نطلق عليه لفظ بحر واستشهد بالقرآن "فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ "، فابن بطوطة يقول أن الله يسمي النيل بحرا. والمعروف أن كثيرا من المصريين إلى يومنا هذا يسمون النيل بحرا. ويتعجب ابن بطوطة من أشياء لا نتعجب منها في يومنا هذا فهو يقول: ومجرى النيل من الجنوب إلى الشمال خلافاً لجميع الأنهار، ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها، وابتداء نقصه حين زيادة الأنهار وفيضها. *ابن بطوطة والإسكندرية: تشعر مع ابن بطوطة كما تشعر دائما مع أغلب المؤرخين عبر العصور، أن الإسكندرية دولة على مدخل مصر وكما كان يقول الرومان (الإسكندرية التي بجوار مصر( من حسن الحظ أن ابن بطوطة رأى منارة الإسكندرية، وهي إحدى عجائب العالم القديمة السبعة في أواخر أيامها حتى أنه يقول أنه رآها وأحد جوانبها متهدما، وفي رحلة عودته عندما مر بمصر مرة أخرى وجدها قد انتهى أمرها ولم يعد لها وجود، ويعتبر ابن بطوطة المصدر العربي الوحيد تقريبا الذي من خلاله نستطيع التعرف على شكل وحل المنارة في اخر أيامها. أما عمود السواري الشهير يحكي عنه ابن بطوطة ويقول أنه من غرائب البلد وانه عمود هائل وسط غابة من النخل!! ويحكي قصة حكيت له، أن أحد الرماة بالإسكندرية صعد إلى أعلى ذلك العمود ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره، فاجتمع الجمع الغفير لمشاهدته، وطال العجب منه، *ابن بطوطة في القاهرة: يبدأ حديثه بلغة انبهار وكأنه في أعظم مدن العالم ويستطرد ويتحدث عن قرافة مصر الكبيرة قائلا: "ولمصرالقرافة العظيمة الشأن في التبرك بها. وقد جاء في فضلها أثر أخرجه القرطبي وغيره، لأنها من جملة الجبل المقطم الذي وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة" ويصف حال المصريين مع القبور ومع جبل المقطم كأنه يعيش معنا في أيامنا هذه حين يخرج المصريين في "طلعة القرافة" الشهيرة فيقول: " وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة، ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور، ويبنون بها البيوت، ويرتبون القراء يقرأون ليلاً ونهاراً بالأصوات الحسان. ومنهم من يبني الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة، ويخرجون كل ليلة جمعة إلى المبيت بأولادهم ونسائهم، ويطوفون على الأسواق بصنوف المآكل". *ابن بطوطة يتحدث في السياسة: يتحدث ابن بطوطة عن الوضع السياسي في مصر إبان دخوله فيصف حاكمها وسيرته وكان حاكم مصر وقت دخوله الناصر قلاوون الصالحي ونجد ابن بطوطة يمدحه ويصف جهده البالغ في إعمار المسجد الحرام والمسجد النبوي واهتمامه بالحجيج والزوايا التي بناها لإطعام الفقراء وأبناء السبيل في أنحاء القاهرة ولكنه يحدثنا أيضا عن انتفاضة شعبية قام بها "الحرافيش" وهم على حد وصفه وهم طائفة كبيرة أهل صلابة وجاه حيث تجمعوا عند باب القلعة ويصف تجمعهم كأنه أحد مظاهرات العصر الحديث فهم يهتفون بصوت واحد جهوري قوي "يا أعرج النحس" قاصدين الملك الناصر قلاوون واضطر وقتها الملك بتنفيذ مطالبهم التي كانت متعلقة بالإفراج عن أحد المعتقلين. رحلة إبن بطوطة لمصر مليئة بالكثير من المعلومات والمفاجآت، فقد زار بها مدنا كثيرة ووصف حال أهلها وعاداتهم بعيون سائح عربي. من الجدير بالذكر أن ابن بطوطة قد بدأ رحلته عام 1324 ميلادي وبدأها من بلاده في طنجة في المغرب وصولا للشرق الأقصى على مشارف التركستان والصين وتوغل جنوبا إلى مالي وبلاد السودان. Comment *