رغم كل الجدل المثار الآن تجاه القضايا المتعلقة بالمرأة ومحاولة بعض المتأسلمين استبعاد المرأة من المعادلة الاجتماعية وتقزيمها واختصار دورها في الحمل والإنجاب والأعمال الأسرية أو بمعني أوضح جعلها وعاء للرجل فقط، إلا أن فيلسوف قرطبة وقاضي قضاتها " ابن رشد" قدم منذ قرون بعيدة في قضايا المرأة أطروحة شخصية متفردة وجريئة بالنسبة لعصره كما بالنسبة لعصرنا الراهن مثل إقراره مساواة الرجل بالمرأة وقدرتها علي تولي شئون الحكم والاشتغال بالفلسفة. بلور ابن رشد هذه الآراء والافكار الجريئة في كتابه "فصل المقال" وأيضا في تلخيصه لكتاب أفلاطون في السياسة، والحديث عن هذه الأطروحة الرشدية يستلزم منا التعرف علي وضع المرأة الحقيقي في هذه الفترة التاريخية لنجد أن الثقافة السائدة في المجتمع الإسلامي آنذاك هي في مجملها ثقافة متحيزة ضد المرأة كل التحيز ومع خطورة الدور الذي يلعبه الدين في مجتمع كهذا، إلا أن سبب تدني مكانة المرأة في ذلك الوقت ليس الدين في ذاته بل تأويلات الفقهاء للنصوص الدينية التي وجهوها لتبرير ثقافة يمكن وصفها بأنها ناقصة عقل ودين وبشكل عام ومن خلال ما وضحه ابن رشد في كتاباته نجد أن المجتمع في ذلك الوقت كان يحتقر المرأة ويحط من كرامتها بل يعتبرها عارا وعورة لنقص فطري في عقلها ودينها وخلقها، حيث يظهر لنا ابن رشد واقعا مأساويا تهيمن عليه القراءات الذكورية للنصوص الدينية التي عادة ما تغذي ثقافة مختلفة معتلة تتجلي تأثيراتها السلبية علي المرأة والرجل في كل مجالات الحياة ومستوياتها. والحقيقة أن ابن رشد لم يفرد لقضايا المرأة حيزا واسعا في كتاباته لأنها لم تكن مطروحة موضوعا للجدل ضمن الخطاب الثقافي في عصره ومن قبله ، بل إن تلخيصه لكتاب أفلاطون في السياسة هو مادفعه للتوقف عند قضايا المرأة وتحليلها بإيجاز وعمق بعد أن أدرك جيدا أن صورة المرأة ككائن إنساني حر عاقل مؤهل لكل الأعمال الذهنية والعملية لا تتطابق مع صورتها في الواقع حيث تهيمن تصورات تقليدية متحيزة ضدها بأكثر من معني، وتبلغ الأطروحة الرشدية في مبدأ المساواة ذروتها المنطقية حينما يتحدث عن مجالين من مجالات العمل الأكثر رفعة وقيمة رمزية وعملية وهما " الحكم والرئاسة" التي يحتكرها الرجال فقط ، حيث نجد أن ابن رشد في قضية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل قال قولا سبق به عصره فقد تحدث ابن رشد عن المرأة في كتاب " جوامع سياسة أفلاطون" وهو من كتبه المفقود أصلها العربي وقد وصلنا عنه تلخيص من الغرب من خلال كتاب ابن رشد والرشدية حيث قال نصا " تختلف النساء عن الرجال في الدرجة لا في الطبع وهن مؤهلات لفعل جميع ما يفعله الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، ولكن علي درجة دون درجتهم وقد يفقن الرجال في بعض الأحيان من خلال مهارات متعددة، كما في الموسيقي، وذلك مع أن كمال هذه الصناعة هو التلحين من رجل والغناء من امرأة ويدل مثال بعض أمصار إفريقية علي استعدادهن الشديد للحرب، وليس من الممتنع وصولهن الي الحكم في الجمهورية " يشير هنا الي جمهورية أفلاطون" ، أليس واضحا ذلك من خلال رؤيتنا أن إناث الكلاب تحرس القطيع كما تحرسه الذكور"، إن الثقافات والمجتمعات التي تمنع النساء عن الاشتغال بالفلسفة أو عن تولي الملك أو الرئاسة أو الإمامة الصغري أو الكبري تستند الي منطق آخر غير منطق العقل والعدل" وهنا ومن خلال هذه الفقرة يتبين لنا أن ابن رشد قد خالف أساتذة الإغريق والمسلمين معا، فينكر الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة ويساويها مع الرجل في الكفاءات الذهنية والعملية ويري أن وصول المرأة الي رئاسة الدولة هو من الأمور الطبيعية الممكنة، كما يعلن ابن رشد في هذا النص أيضا أن النساء والرجال نوع واحد وأنه لا فرق بين الرجل والمرأة في الغاية الإنسانية. وهنا نستطيع القول بأن النضال من أجل تحسين وضع النساء في عالمنا العربي والإسلامي هو نضال إنساني بدأه ابن رشد منذ عدة قرون وهو معترفا بوحدة الحقيقة يقتفي آثارها في سبيل تحرير الفكر وبناء مجتمع راق وإنسان أرقي. Comment *