تمثل الأراضي الزراعية موردًا مهمًا للاقتصاد المصري إلا أن حجم هذه الأراضي بدأ في التقلص نتيجة سوء الإدارة وزيادة حجم التعديات سواء بالبناء أو التبوير وتهاون النظام السابق مع المتعدين ولم يضع عقوبات رادعة لهم بل قاموا بتوفيق اوضاعهم وتغريمهم مبالغ مالية لا تضاهي ما تفقده الدولة من مواردها وذلك لأهداف سياسية، مما جعل مصر تحتل المركز الأول عالميا للتصحر طبقا لتقرير الأممالمتحدة لمكافحة التصحر. التقت "البديل" بخبير التصحر بالأممالمتحدة الدكتور إسماعيل عبد الجليل لمناقشة الخطر الذي يهدد الاراضي الزراعية المصرية وكيفية التغلب على هذه المشكلة التي من شأنها أن تجعل مصر تفقد رقعتها الزراعية خلال مائة عام ومن وراء هذا الخطر. متى بدأ خطر التصحر يهدد مصر؟ بدأ عام 2004 بالتزامن مع تشكيل "لجنة الحفاظ على الأراضي الزراعية" برئاسة أحمد عز أمين التنظيم وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل وكنت أحد أعضائها إلا أنني اكتشفت أن الهدف من هذه اللجنة ليس الحفاظ على الأرض الزراعية بل هو استرضاء لقطاع كبير من الشعب "الفلاحين" لاستخدامهم في انتخابات التجديد للرئاسة وذلك عن طريق توفيق أوضاع المتعدين وتغريمهم مبالغ مالية أصبحت فيما بعد رأس مال صندوق تم إنشاؤه تحت مسمى ( صندوق استصلاح الأراضي) ولم يكتف النظام بذلك بل قاموا بوضع تشريعات من شأنها تيسير البناء على الاراضي الزراعية. من هي الأيدي المنفذة لمخطط إهدار الأراضي الزراعية؟ أحمد الليثي وزير الزراعة الأسبق هو من قام بتنفيذ هذا المخطط ويمكن أن نطلق عليه الوزير التنفيذي لتنفيذ سياسة توفيق اوضاع التعديات على الاراضي الزراعية والذي جاء بدلا من يوسف والي الذي كان يباشر بنفسه عمليات إزالة التعديات على الاراضي الزراعية الأمر الذي لم يرض عنه النظام السابق، ولذلك تم المجىء بالليثي وجاء اختياره بناء عن ترشيح أحمد عز له (العقل المدبر) خلال الاجتماع الذي تم عقده بالمحافظين وكان الليثي محافظ البحيرة آنذاك . وما هي أهم قرارات أحمد الليثي التي ساهمت في زيادة التعدي على الأراضي الزراعية ؟ قام بإصدار قرار بتفويض المحافظين بقرارات وزير الزراعة بوضع خطة إزالة التعديات وفقا لأوضاع كل منها، وقام برفع شعار الحفاظ على الأرض الزراعية بتنظيم البناء عليها بتكثيف المباني في مساحات بعينها وعدم انتشارها على مساحات متفرقة ولم يصدر قرار بمنع البناء أو استغلال الأراضي الزراعية في أنشطة اخرى، ومن هنا أعطى الإشارة للقضاء على الاراضي القديمة . وهل توقفت التعديات بعد انتخابات الرئاسة 2005؟ لم تتوقف حتى مع تغيير وزير الزراعة فعندما تولى أمين أباظة حقيبة وزارة الزراعة وجد أمامه أمرا واقعا بالإضافة إلى عدم وضع تشريعات رادعة من شأنها وقف الزحف العمراني على الاراضي الزراعية . ما تأثير ثورة 25 يناير على التعديات على الأراضي الزراعية؟ زادت التعديات بعد ثورة 25 يناير بشكل كبير جدا نتيجة الانفلات الأمني فطبقا للتقاريرالرسمية لوزارة الزراعة كان هناك 37 حالة تعد على الأراضي الزراعية وحالة تعد واحدة على نهر النيل كل ساعة، ويجب ان ندرك ان الاراضي الزراعية القديمة لا يمكن تعويضها لأنها أراضٍ طينية رسوبية تم تكوينها على مدار آلاف السنين لأن كل سم من الطمي تكون خلال عشر سنوات وذلك كان قبل بناء السد العالي الذي منع وصول الطمي الذي كان يتراكم على التربو خلال موسم الفيضان وبذلك فإن الاستخدام السىء للتربة يفقدها خصوبتها التي لايمكن تعويضها . هل الاتجاه لاستصلاح الأراضي الصحراوية يمكن أن يقوم بتعويض الفاقد من الأراضي القديمة ؟ هناك عوامل تحدد المساحات التي يمكن استصلاحها من أهمها كمية المياه فطبقا لحصة مصر من المياه فأقصى مساحة يمكن زراعتها 11 مليون فدان وهذا كان المستهدف زراعته حتى عام 2017 و المنزرع حاليا تبلغ مساحته 9 ملايين فدان. وهل هذه المساحة من الأراضي الزراعية ستكفي لسد الاحتياجات الغذائية؟ هذه مسألة مهمة جدا فمع الزيادة السكانية المطردة لن نستطيع الالتزام بالاحتياجات الغذائية فمن المتوقع عام 2025 أن يبلغ عدد سكان مصر 120 مليون نسمة وبهذا التعداد ستصل مصر لمرحلة المجاعة، فحتى وقتنا الراهن نحن نستورد 60 % من احتياجاتنا الغذائية، والمشكلة الأخطر أن التغيرات المناخية تجعل السوق العالمي تحت ضغوط كبيرة، فمع حدوث مخاطرمناخية طارئة يمكن أن نصل لوقت ترفض فيه الدول تصدير الغذاء لنا وهذا ما حدث بالفعل عندما رفضت أمريكا تصدير القمح لنا أثناء الأزمة العالمية ، وبذلك لايمكن ان نعتمد في توفير غذائنا على الدول الأخرى. هل هذا يعني أن التوسع الأفقي لن يكون اختيارا موفقا طبقا لمواردنا المائية المتاحة؟ يجب أن ندرك أن التوسع الأفقي لا غنى عنه ولكن يجب ان يتم و فقا لكمية المياه المتاحة ، ولكن هناك مشاريع تم إهدار الملايين عليها ولم نقم باستكمالها مثل مشروع توشكى وشرق العوينات وترعة السلام ومعظم هذه المشاريع بنيتها الأساسية مكتملة ولا تحتاج سوى استكمال زراعتها وستضيف مليون 320 الف فدان ، وهناك مشروع تم البدء فيه بعد الثورة وهو التنمية على محور قناة السويس ، ومن الملاحظ ان كل رئيس لا يستكمل اي مشروع قبل فترة توليه لأن كل مشروع أصبح ينسب لرئيس بعينه ، ولكي ينصلح حال البلاد يجب إنكار الذات والمشاركة الفعلية من كل فئات المجتمع فالإصلاح يجئ بالعمل وليس بالأغاني الوطنية . هل هناك مناطق التوسع الافقي بها يجعلها عرضة للجفاف والتصحر ؟ هناك 2 مليون فدان في الدلتا تتعرض للتصحر نتيجة ارتفاع منسوب المياه الارضي وسوء الصرف نتيجة لعدم صيانة شبكات الصرف الزراعي ، ومنطقة الساحل الشمالي الغربي هي الاخرى مهددة بالتصحر والممتدة من الإسكندرية حتى سيدي براني نتيجة اقتصار التنمية على القرى السياحية والتي كان من المفترض ان تقام هناك مشاريع زراعية تعتمد على الامطار في الري في المقام الاول وتستكمل باقي احتياجاتها من ترعة الحمام التي لم تستكمل هي الأخرى ، وهناك ايضا قنبلة زمنية موقوتة تهدد سيناء بمناطق ( الشيخ زويد ، رفح ، العريش ) المزارعين في تلك المناطق يعتمدون على الأمطار في ري زراعاتهم والتوسع الافقي فيها لا يتناسب مع الكمية المتاحة من الامطار ، بالإضافة الى أن الزراعة هناك تتم بطريقة عشوائية فإذا حدث جفاف لهذه المناطق فان 85 % من المزارعين سيفقدون مصدر دخلهم . وكيف يمكن التغلب على هذه المشاكل ؟ يجب ان تجرى دورات إرشادية لتوعية المزارعين وتعريفهم بالمفهوم الكامل للجفاف وكيفية التعامل معه بالإضافة إلى وضع سيناريوهات لتقليل الآثار السلبية للجفاف وإنشاء صندوق لتعويض المزارعين عن خسائرهم في تلك الفترة . من وجهة نظرك ماهي الأسباب التي تجعل الفلاح يفرط في أرضه بالبناءعليها ؟ نحن نتعامل في الوقت الحالي مع الفلاحين على أنهم مجرمين ونحملهم أعباء تقلص مساحة الأراضي الزراعية ولم ننظر الى انهم أصبحوا ضحية حكومات تخلت عنهم ولم تمنحهم الدعم الكافي فأصبحت مهنة الزراعة غير مربحة وبالتالي فإن تبوير الاراضي وبيعها كأراضي بناء أصبحت أكثر ربحا لأن وزير الاسكان السابق احمد المغربي قام برفع سعر اراضي البناء نتيجة طرحها بالمزاد العلني ولذلك لم يجعل للفلاحين مخرجا من أزمة الإسكان سوى استقطاع جزء من أرضه الزراعية والبناء عليها . ما هي الآلية التي تطرحها لوقف نزيف إهدار الأراضي الزراعية والحفاظ عليها ؟ أن نعيد تقسيم محافظات الجمهورية بحيث يكون لكل محافظة ظهير صحراوي لإنشاء مناطق سكنية بدلا من البناء على الاراضي الزراعية وان تكون بأسعار مناسبة، وتجريم التعديات على الاراضي عن طريق تشريعات رادعة ولكن بعد ان تقوم الدولة بدورها تجاه الفلاحين، وان يكون دور وزارة الزراعة في عمليات البيع والشراء للاراضي الزراعية دور فني فقط وان تكون هناك وزارة مسئولة عن موارد مصر كما في امريكا فوزارة الداخلية هناك هي المسئولة عن التصرف في الاراضي كمورد طبيعي وغيرها من الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى محاولة احياء شركات استصلاح الاراضي التي قام كمال الجنزوري بإرجاعها الى وزارة الزراعة بعد ان كانت ضمن شركات وزارة الاستثمار ولكن عادت كجيش مهزوم بمعدات متهالكة وديون اثقلت كاهل هذه الشركات. أخبار مصر – البديل التصحر Comment *