واضح أن جماعة الإخوان المسلمين أصدروا أوامرهم فى الفترة الأخيرة إلى بعض الألسنة التى لم تكن تكف عن الكلام بحساب أحياناً ومن غير حساب فى كثير من الأحيان.. راجع فى هذا الصدد مشاهد "الظهورات" المتعددة والمتكررة على مدار اليوم الواحد للأخ "حسن البرنس" الذى ظل يطالع جماهير الناس الأبرياء الطيبين بالليل وبالنهار من كل منافذ التلفاز وقد عمد سيادته إلى تركيب إبتسامة بلاستيكية مصطنعة لزوم الحكمة والفلسفة والإطمئنان إلى ماحققته "الجماعة" من منجزات لصالح الوطن وفى مقدمتها طبعاً كرسى الرئاسة الأثير الفخيم فى قصر الإتحادية المنيف. نائب الوالى والمشكلة أن ضجت البرية وانفقعت مرارات الملايين من تصريحات و"ظهورات" وإبتسامات ومداخلات العم "حسن" المذكور أعلاه.. فإذا بأوامر تصدر بأن يسكت – بالأدق "يبلع لسانه" كما يقول المثل المتواتر- و.. خلعنا عليك يا أخا العرب منصباً كبيراً تصول فيه وتجول كى تكون والى الإسكندرية وعين الجماعة فى الثغر المتوسطى الجميل.. فإن لم يكن منصب المحافظ فلا بأس من أن نخترع لك منصب النائب وكله خير وبلهنية تجمع بين المال والسلطان.. ولايهمك – يابرنس- من إعتراضات المحتجين ومظاهرات الحاقدين. وعندنا أن جماهير أبناء الوطن هم الكاسبون فى التحليل الأخير.. صحيح أن إسكندرية أصبح لها محافظ بشَرطة كما قد نقول. وصحيح أنها لم تكن بحاجة إلى مزيد من كراسى البيروقراطية ناهيك أن يكون الكرسى الجديد من أهل المصالح والمآرب والتحّيزات الواضحة لحساب فصيل إستبد به شغف.. مريض أحياناً إلى جاه المنصب وأبهة السلطان.. لكن الأصح أن رحم الله أهل المحروسة من سيول تصريحات البرنس ومن بانوراما إبتساماته المصطنعة على السواء. سخرية صاحب الفضيلة ورغم أن "الجماعة" قد كسبت فى نهاية المطاف بنطاً جديداً بعد إسكات البرنس.. إلا أن جسامة الخسائر وقلة القيمة مالبثت أن أصابت الجماعة ومنظوماتها الشبكية من جديد.. وكانت خسائر من النوع الفادح الصارخ الثقيل.. لماذا؟ لقد تسبب فيها هذه المرة أكبر رؤوس الجماعة وهو صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور المرشد "بديع" حفظه الله وأبقاه.. واللهم لا إعتراض بداهة على أن يزور المرشد كل حواضر البر المصراوى وكل بواديه وأريافه – يتكلم وينصح ويقبل الرؤوس ويبارك الجهود.. لكن المشكلة مازالت فى "الكلام".. لانقصد بالطبع ذلك التخصص الفكرى- العلمى المحترم الذى يسمونه "علم الكلام" فى الفلسفة الإسلامية بل نقصد التصريحات المرسلة والموغلة فى التحيز الحزبى وبالتالى فى الإفتراء السياسى التى تصدر عن أكبر شخصيات الزعامة فى قيادة الجماعة.. وإذا لم يكن مواطنوك قد نسوا تصريح مرشد سابق يقول فيه بالفم المليان "طظ فى مصر" (بإعتبار أن الخلافة التى يحلمون بها كيان أكبر من مصر التى نالت هذه الشتيمة) – فإن آخر تصريحات المرشد اللاحق- الحالى طبعاً لم تصل – والشهادة لله- إلى هذا المستوى من الإهانة الوطنية ولكنها بلغت مستوى يثير السخر إلى حد القهقهة بقدر مايثير التأمل إلى حد الرثاء. هى تصريحات الشيخ المرشد "بديع" التى أشار فيها مؤخراً إلى ماظل المصريون ينشدونه فى أغان عديدة حسَبها فضيلته بأحد عشر عاماً بالتمام والكمال وتحت شعار- غنائى مزيكاتى حتى لاننسى وهو: .. قلنا حنبنى وأدى إحنا بنينا السد العالى عن السد والبحيرة ومرة أخرى، فاللهم لا إعتراض على أن يعبر كل إمرئ فى مصر أو فى غيرها موقفه إزاء الرجل- الزعيم الذى إرتبط إسمه فى حوليات تاريخنا المعاصر بمشروع إسمه "السد العالى"، سواء بحكاية وماأدراك التى رددها السيد "مرسى".. أو بحكاية قلنا حنبنى التى أطلقه السيد "بديع". لكن الإعتراض هو الغمز من قناة السد العالى شخصياً.. وهو المشروع الذى حمل بجدارة وشرف لقب "القومى" – وكان تعبيراً عن إرادة صلبة وعزمات لايتصف بها سوى أعظم الرجال وأصلب الرجال (قارن من فضلك بين إهتمام مصر- عبد الناصر بإنشاء سد عالٍ فى جنوب الوادى.. وبتحويل مجرى النهر العظيم.. ومن ثم إهداء الشعب المصرى أكبر بحيرة من الماء العذب الثمين من صنع الإنسان وبإعتراف كل الأطالس والمجامع الدولية ومازالت تحمل، ولها الشرف، إسم بحيرة "ناصر" – وبين أجندة المائة يوم إياها التى جاء على رأسها حكاية القمامة وإزالتها من الحوارى والأزقة وهو إهتمام لايخرج موضوعياً عن إختصاص شيخ حارة أو بالكتير الكتير رئيس حى. ومع ذلك كله فلم يتحقق من أجندة الأيام المائة شئ يذكر على الإطلاق. لقد أطلق الشيخ المرشد لسانه بالسخر والتريقة على السد العالى والذين غنوا له.. وهو فى هذا المقام بين أمرين: .. إما أن الحقد الممرور الدفين على الزعيم الرمز الذى قاد الوطن إلى حيث بناء الصرح الباذخ العظيم- قد حجب عن الرجل تجليات المشروع القومى.. أو أن الرؤية الموضوعية خانته فكان أن أدان كل مصرى شارك فى كل صخرة شيدته وإمتلك كل قطرة مياه من النهر الخالد.. إجتازت قناطره أو سكنت ذخراً فى بحيرته.. ومعه تحولت مصر – وهذه شهادة جيل مناضل ومعاصر- إلى خلية للنشاط الإنسانى.. فكراً وتخطيطا.. هندسة وإدارة.. فناً- بعد إذن المرشد- وإبداعاً. وأخيراً.. أخيراً إكتمل البناء الذى إستهله "عبد الناصر" العظيم – بعد إذن المرشد وحوارييه أيضاً- بشرارة بدء المشروع فى عام 1959.. وإرتقى إلى ذروة التشييد مع تحويل مجرى النيل فى عام 1964.. إلى أن قرأ "عبد الناصر" رسالة إكتمال الإنجاز فى عام 1970 . ويومها قال الرجل: - " هذا السد إستحق كل هذا الكفاح، لا لقيمته الذاتية فحسب، ولكن لأنه جاء رمزاً لتصميم الأمة العربية التى قررت أن تعيد بالثورة صنع مستقبلها.." ويا عم بديع مع كل الإحترام .. إنما يعرف الفضل لأهل الفضل.. أهل الفضل كلمة مأثورة عن الإمام على كرم الله وجهه.. ولسنا نشك فى أنك تعرفها وتقدرها حق قدرها. فلنذكر صدقى سليمان ثمة أفراد من أهل هذا الوطن بذلوا سنوات عمرهم ورحيق خبراتهم وعلمهم من أجل أن يكون لمصر العظيمة.. مصرك ومصرنا سد عال عظيم.. نذكر فى هذا المقام بكل إمتنان وإجلال أسماء: المهندس "صدقى سليمان" المتفانى العظيم.. ونذكر قيادات ورجالات المقاولين العرب ونذكر الجحافل المشعة وطنية وجهداً وصبراً على مكاره الطقس والشظف وحفر الصخر وقسوة المعايش.. من الصعايدة والفلاحين وهم بناة السد العالى، وهم أيضاً مشيدو حائط الصواريخ عند قناة السويس وكان بدوره الصرح الذى تمت تحت حمايته عمليات العبور الظافرة فى أكتوبر 1973.. فكيف لمن هو فى مكانتك أن يسخر من هذا كله؟! أما أنشودة "السد العالى" وعنوانها بالمناسبة هو "حكاية شعب" فقد كتب أشعارها رجل فاضل صوفى مؤمن بالله والوطن إسمه "أحمد شفيق كامل".. وأبدع معمارها الموسيقى الرائع الموسيقار "كمال الطويل" ثم سمعتها الجماهير العربية على أوتار حنجرة "عبد الحليم حافظ".. عليهم جميعاً رحمة الله – هذه الأنشودة طالما سمعناها خلال رحلاتنا وإقاماتنا فى ربوع الوطن العربى.. حيث تغنت بها وربما لاتزال أجيال من بعد أجيال من ربوع الخليج التى عشنا فى كنفها سنوات.. إلى شعاب الجزائر التى نزورها بضع مرات على إمتداد العام.. أصبحت الأنشودة أغنية عمل وعنوان كفاح وأيقونة الثوار الحالمين بغد عروبى أنبل وأجمل، وأروع تبشيراً بالحرية والتنمية والعدل لكل الناس. والمشكلة.. مشكلتكم أن كان ثمة رجل.. مواطن إنسان.. مثقف إرتبط إسمه وجهده وكفاحه بهذه المعانى كلها.. وبالسد والبحيرة على وجه الخصوص. والرجل - بعد إذنكم- إسمه "جمال عبد الناصر". وبدلاً من سيول التصريحات ودفق العنتريات.. حاولوا أن تستوعبوا عبرة ماقدمه الرجل من إنجازات، ولابأس من تعلم ماصادفه أيضاً من تحديات أو سلبيات.. تعالوا إذن إلى كلمة سواء.. Comment *