"حياتنا قصيرة قصيرة وواحد وكم تكون حلوة لو أنها تعاش ، لكننا نموت مرتين لأننا نعيش أشقياء" بهذه العبارة لخص الشاعر الراحل "نجيب سرور" حياته التي تميزت بالشقاء والمعاناة الشديدة منذ نشأته في مركز أجا بمحافظة الدقهلية، حيث فتح عينيه الواسعتين وقلبه الحارعلى غطرسة الإقطاعيين وظلمهم حتى رصد ذلك من خلال قصيدته "الحذاء" التي عبر فيها عن مشهد ضرب عمدة قريته " لوالده" ، ومن هنا بدأ سرور ينحاز للفقراء والمهمشين ويعرف سر الكلمة التي أصبحت سلاحا له يواجه به القمع والظلم . ويقول الناقد الدكتور صلاح فضل إن نجيب سرور كان مبدعا شجاعا وغير عادي ولو كان ارتقي باللغة قليلا واستخدم حيلا فنية في التعبير عن القضايا ذاتها بمجازات الشعر ورموزه لكان قدر له أن يكون شاعرا عالميا ، ولكن لا شك أن موهبته كانت حارقة تؤذي صاحبها بأكثر مما تؤذي قارئها ، وخارقة تدل على قوة عارمة الشعور ووحدة بالغة الإحساس وقدرة فذة على التعبير ، وأشعاره السرية تنضم إلى تراث كبير يوشك على الضياع لأنها لاتعرف طريقها للنشر . وعن مسرحياته وكتاباته الأخرى ، ذكر فضل أنها مفعمة بروح الفن وصدق المشاعر الحقيقية وكلما أعيد نشرها تركت في وجدان القارىء أثر لا يمكن أن يمحي ، كما أن حياته المأسوية الفازعة كشفت عن فنان أصيل من العسير نسيانه . ومن جانبه ، ذكر الشاعر عبدالمنعم رمضان أن نجيب سرور كان لسانه لا يخجل من ذكر الكلمات الخارجة عن العرف والتقاليد إلا في حالة ذكر الشاعر الكبير " أبو العلاء المعري" حيث كان يعتبره شاعرا مقدسا تنحني اللغة عند ذكره .. مشيرا إلى أن سرور انضم إلى حركة الدروز التي تأسست أيامه وكان له مراسلات مع الداعي لهذه الحركة وكان يرى أنه لابد من فك الشفرة الخاصة بالدروز للإنفتاح على عالم أبي العلاء المعري. وأضاف رمضان أن نجيب سرور الذي كان مشدودا لأبي العلاء المعري من جهة كان مشدودا من جهة أخرى إلى المسيح بإعتباره المخلص وكان يبحث عنه في شعره ولم يجده وكان هذا سببا من أسباب شقائه . وأشار رمضان إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها نجيب سرور والتي تتمحور حول موقفه من الشاعرين " عفيفي مطر وأدونيس" ومن هذه الأخطاء قيام سرور في أواخر حياته بكتابة عدة مقالات سلبية عن عفيفي مطر وإرسالها إلى مجلة الكاتب ، وهذه المقالات نشرت في فترة هروب عفيفي مطر من مصر إلى العراق حيث كان مطلوب القبض عليه ، فبدت مقالات سرور وكأنها مساندة للسلطة وهذا غير صحيح ، لأن هذه المقالات كانت آراء خاصة به حول تجربة عفيفي مطر الشعرية التي كان لا يحبها سرور ، لأنه كان يتخذ موقفا من العالم يدين المجرم ويمدح المخلص وكان يرى أن شعر مطر لايقوم على هذا الموقف . وسرد رمضان بعض ذكرياته مع سرور قائلا " لم أجلس معه إلا نادرا والمرة الأخيرة التي شاهدته فيها كان ساقيه متورمتين ..وكان بجانبي أحد أصدقائي وكان طبيبا فقال لي إنه سيموت قريبا وبالفعل مات بعدها بفترة قصيرة، وأذكر أيضا انني شاهدته في معركة عنيفة مع أمل دنقل يتعاركان عراكا عنيفا " . وختم رمضان حديثه بقوله "نجيب سرور مات مرتين ، المرة الأولي في 24 أكتوبر 1978 والمرة الثانية مات لأن الذين أتوا بعده لم يتذكروه". وبدوره، تحدث الناقد محمد عبدالمطلب عن قصيدة أميات لسرور التي اعتبرها البعض خارجة عن المألوف قائلا " رغم ما تعرض له ديوان أميات من نقد لاذع إلا أن الشاعر الراحل كتبه بصياغة رائعة وإحكام إيقاعي متميز ، وأعتقد أن ما دفع سرور لكتابة هذا الديوان هو الحياة البائسة التي عاشها ". وأضاف أنه على الرغم من هذه الحياة البائسة ، كان سرور يتميز عن غيره من الشعراء بقدرته الفائقة على تحويل العالم كله إلى مناطق شعرية. وفي السياق ذاته، أشار الشاعر أشرف عامر إلى أن مشروع سرور الإبداعي كان لاينفصل على الإطلاق عن مشروعه السياسي الذي كان يأمل في تحقيقه حيث كان يعمل من أجل الثورة التي قامت في 25 يناير 2011 ، مؤكدا أن نجيب سرور وأمل دنقل هما المؤسسين الإبداعيين لثورة يناير من خلال أعمالهما التي شكلت علاقة المثقف بمجتمعه . صلاح فضل: سرور كان صاحب موهبة حارقة تؤذي صاحبها أكثر مما تؤذي قارئها عبدالمنعم رمضان: سرور كان مشدودا للمسيح باعتباره المخلص وظل يبحث عنه في شعره ولم يجده أشرف عامر: سرور من مؤسسي ثورة يناير من خلال أعماله التي شكلت علاقة المثقف بمجتمعه