نشرت مجلة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا مطولا لديفيد ماكوفسكي وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى , يكشف فيه معلومات حول عملية قصف المفاعل النووى السورى التى قامت بها اسرائيل عام 2007، بالإضافة الى تفاصيل حول عملية صنع القرار التي سبقت هذه العملية. وذكر التقرير أن هجوم إسرائيل على المنشأة النووية السورية فى سبتمبر 2007 بدأ بمداهمة جريئة من قبل الموساد على منزل أحد الخبراء النوويين السوريين فى فيننا فى وقت سابق قبل سبعة أشهر من الهجوم الإسرائيلى على المنشأة نفسها . وقدم التقرير الذى كتبه ماكوفسكي, تفاصيل حول الغارة على منشأة " الكبر " النووية السورية والتي أنتهت بنجاح-كما يقول ماكوفسكي- عندما أسقطت ثمانى طائرات إسرائيلية 17 طنا من القنابل على المفاعل، مما أسفر عن مقتل ما بين 10 الى 36 عاملا. كما زعم التقرير ايضا أن سرقة إسرائيل للصور من منزل الخبير النووى السورى في أوائل عام 2007 قدم أدلة ملموسة بأن دمشق كانت تبني مفاعلا نوويا للبلوتونيوم . وبشأن الموقف الامريكى من هذه الغارة الإسرائيلية , أكد التقرير على ما ذكره الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وما كتبه نائب الرئيس ديك تشيني في مذكراته بشأن أن الولاياتالمتحدة كانت معارضة لهذه الغارة وكانت تفضل بدلا من ذلك حل غير عسكري . وذكر ماكوفسكي فى تقريره ما قاله اليوت ابرامز ، نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض حين ذاك والذى هو أحد المسؤولين المذكورين في التقرير، لصحيفة جيروزاليم بوست في يونيو حول أن رئيس الوزراء الاسرائيلى آنذاك ايهود اولمرت قد اتخذ قرار الهجوم رغم معارضة الولاياتالمتحدة . وقال ابرامز , انه في الوقت الذي أعرب فيه مساعدي بوش له عن جميع الخيارات والحلول بشأن كيفية وقف بناء المنشأة السورية - خيارات سرية خفية ، خيارات عسكرية ، خيارات الدبلوماسية - اختار بوش الخيار الخطأ , مضيفا انه هو نفسه كان يحبذ ضربة عسكرية إسرائيلية ، ولكن وزيرة الخارجية الامريكية فى ذلك الوقت كوندوليزا رايس دفعت من أجل الخيار الدبلوماسي المتمثل في: الكشف عن وجود المنشأة علنا ثم الذهاب الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة , ثم بناء توافق دولي في الآراء لإجبار السوريين على إغلاقه. ووفقا لتقرير الكاتب ماكوفسكي في المجلة الامريكية غإن رايس كانت قد فقدت الثقة في قدرات الجيش الإسرائيلي بعد فشله في توجيه ضربة قاضية لحزب الله في حرب لبنان الثانية 2006 . ونقل الكاتب عن مسؤول سابق فى الإدارة الأمريكية قوله ان " كونديليزا رايس أعتقدت أن الجيش الإسرائيلي كان لا يمكن الاعتماد عليه ، وأنه لم يعد الجيش الجبار القاهر كما تعودنا عليه". وأنتقل الكاتب الى الكشف عن واحدة من تفاصيل الغارة – والتى لم تكن معروفة بشكل كبير -- والتى كانت فى تلك الوقت عاملا حاسما، فذكر ان احد دوافع قيام اسرائيل بقصف المفاعل النووى السورى كانت بسبب القلق من أنه إذا بدأت المنشأة فى العمل, فإن خروج الاشعاعات الساخنة من المفاعل المدمر يمكن أن يلوث نهر الفرات القريب. وفيما يتعلق بالمناقشات الداخلية الاسرائيلية التى جرت خلال عملية صنع القرار , كشف الكاتب عن معارضة وزير الدفاع الاسرائيلى ايهود باراك وكيف لعبت السياسة في عملية صنع القرار . ووفقا للكاتب ماكوفسكي ، فان باراك - - الذي كان فى ذلك الحين ، مثل الآن , وزيرا للدفاع -- قال لزملائه الوزراء في الحكومة الامنية المصغرة انه يفضل الانتظار على العملية لإتاحة الوقت للقيادة الشمالية " للاستعداد لعملية انتقامية سورية محتملة " . وحسبما ذكر الكاتب أن ايهود اولمرت , رئيس الوزراء الاسرائيلى فى ذلك الوقت , قال له -- فى مقابلة أجراها معه -- " انه كان يشك أن باراك كان لديه سبب آخر لتأجيل الهجوم على منشأة " الكبير " , حيث ان التقرير النهائي للجنة وينوجراد ، وهى اللجنة التى عينتها الحكومة الاسرائيلية للتحقيق في القرارات المعنية فى حرب 2006 مع حزب الله ، كان من المتوقع صدوره نهاية العام وكان من المتوقع أن ينتقد أولمرت لتعامله مع الحرب وإضعافه سياسيا . وزعم الكاتب أن أولمرت قلق من أن باراك سوف يحصل على النتائج التي توصل إليها التقرير ، وسيثير الإطاحة بأولمرت كرئيس للوزراء . وأشار التقرير الى أن اسرائيل ولا سوريا لم يعترفا حتى يومنا هذا بان الغارة قد حدثت أصلا , معللا بان سوريا لا تعترف بالغارة بسبب الإحراج، وإسرائيل لأنها لا تريد أن تدفع الرئيس بشار الأسد الى زاوية حيث يشعر فيها بالحاجة الى رد انتقامى من أجل حفظ ماء الوجه . كما أن الرقابة العسكرية الاسرائيلية كانت تحظر على وسائل اعلام اسرائيلية نشر اى تفاصيل او معلومات حول هذه العملية العسكرية , وذلك حسبما قالت صحيفة هاارتس الاسرائيلية فى مقال لها تنتقد فيه بشدة اسلوب الرقابة فى الاصرار على سياسة تكميم وتقييد وسائل الاعلام الاسرائيلية من نشر تفاصيل عن عملية صنع القرار التي سبقت هذا الهجوم ، فى الوقت الذى فيه معلومات كثيرة ذات صلة قد خرجت بالفعل في صحف وكتب أجنبية اعتمدت فى جزء منها على حوارات مع صناع القرار الإسرائيليين المطلعين على أسرار وبواطن الامور ، وكذلك مذكرات قادة أمريكيين سابقين . وسخرت الصحيفة من الأسباب غير المنطقية حول انه يتم تقييد التقارير لدواعى أمنية وبسبب مخاوف من أن نشر تقارير علنا سوف تحرج الرئيس السوري بشار الأسد وتحفزه على الرد على القصف , متسائلة "لكن ما هي الفائدة من قمع التقارير خمس سنوات في وقت لاحق بعد العملية العسكرية الاسرائيلية فى الوقت الذى يقاتل فيه الاسد من أجل بقائه في حرب أهلية؟، وفى الوقت الذى تفاصيل كثيرة ذات صلة قد تم بالفعل الإفراج عنها ؟!! وتساءلت صحيفة هاارتس عن من الذى تحاول الرقابة حمايته بهذا الحظر, مشيرة الى ان هناك ثلاثة احتمالات تتبادر إلى الذهن : الاحتمال الاول هو لحماية صورة وزير الدفاع ايهود باراك ، الذي عارض قصف المفاعل السوري وكان على خلاف مع رئيس الوزراء السابق فى ذلك الحين ايهود اولمرت . فنجاح العملية يكشف اولمرت باعتباره مُصر وحازم فى حين يظهر باراك بصوره اللين والمتردد . واحتمال اخر هو لتغطية أوجه القصور المخابراتية الخطيرة في السنوات التي سبقت اكتشاف المفاعل , التى خلالها استطاع السوريون أخفاء تماما المشروع عن الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية والموساد . كما انه من الممكن أيضا أن حظر النشر في هذه القضية هو وسيلة لإخفاء الاكاذيب التى قيلت للجمهور في الأشهر التي سبقت العملية – حول ان سوريا كانت تخطط لمهاجمة إسرائيل - للتغطية على الأعمال التحضيرية للهجوم . وأكدت الصحيفة على اهمية أن يعرف الشعب الاسرائيلى ما جرى خلال عملية اتخاذ قرار قصف المفاعل النووى السورى لتقييم اداء المسؤولين الاسرائيلين الذين البعض منهم لا يزال يتولى مناصب عليا أو له دور نشط فى الحياة السياسية. ورددت الصحيفة نفس وجهة النظر التى كتبها ماكوفسكي فى تقريره فى مجلة نيويوركر حول أن ظروف العملية في سوريا وعملية صنع القرار التي سبقتها ينبغى تحليلها بدقة , حيث يجرى الان نقاش حيوي عام حول هجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية . وكتب ماكوفسكى " أنه فى الوقت الذى يدرس فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كيفية التعامل مع التهديد النووي الايراني الان ، فان الرد الإسرائيلي على المنشأة السورية " قد برز بأعتباره كل من قصة نموذجية وتحذيرية فى نفس الوقت ". وأضاف انه " على الرغم من أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل وافقوا على الحقائق والمخاطر الأساسية ، الا انهم وصلوا الى استنتاجات سياسية متعارضة ". وخلص الى ان "الوضع في إيران يختلف جوهريا عن الحالة السورية , فقضية المنشأة النووية السورية كانت معروفة فقط لعدد صغير من المسئولين في دمشق وإسرائيل وواشنطن، في حين أن احتمالية توجيه ضرب عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني أصبحت معروفة ويتم مناقشتها بقوة علنا. ولفت الكاتب الى ما أشار إليه الخبراء حول "خطر سقوط ضحايا مدنيين وعمليات انتقامية مطولة، وما هو أكثر من ذلك يكمن فى أن الموقع النووى الإيرانى الرئيسى يقع فى أعماق الأرض خارج مدينة "قم" المقدسة، وهو موقع محصن بقوة شديدة ؛ واى هجوم عليه سيكون له مخاطر أعلى للفشل ". العملية بدأت بمداهمة منزل خبير نووي سوري في فيينا.. وانتهت بغارة لثماني طائرات أسفرت عن تدمير المفاعل ومقتل 10 إلى 36 شخصا الولاياتالمتحدة عارضت الغارة وكانت تفضل حلا غير عسكري.. وأولمرت اتخذ قرار الهجوم رغم معارضتها أولمرت أصر على الغارة وعجل بها خوفا من استخدام باراك تقرير لجنة التحقيق في الحرب على لبنان للإطاحة به من رئاسة الوزراء