التهديدات الإيرانية المتواصلة بإغلاق مضيق هرمز في حالة شن أي هجوم ضدها وأخرها تصريحات رئيس أركان القوات الإيرانية فيروز حسن أبادي بأن إيران "لن تغلق مضيق هرمز إلا إذا تعرضت مصالحها للخطر" يطرح الكثير من التساؤلات حول أهمية هذا الممر الملاحي من الناحية الإستراتيجية وما هي الأضرار التي ستنتج عن إغلاقه وما تداعياتها على دول الشرق الأوسط والعالم بأكمله، وما الذي جعل المضيق الجبهة الأمامية لأي صراع قادم بين إيرانوالولاياتالمتحدة. جغرافياً يقع مضيق هرمز كنقطة فاصلة بين الخليج العربي وخليج عمان، وتطل عليه إيران وسلطنة عمان، ويتراوح عرضة بين 35 إلى 50 كيلومتروعمقه حوالي60 متر يخضع المضيق لقواعد الإبحار في المياه الدولية حيث تستطيع أي سفينة تنتمي لأي دولة الإبحار فيه طالما لا تتعدى على مصالح الدول المطلة عليه، ولا يتبع أي من إيران أو سلطنة عمان، وإن كانت سلطنة عمان وبشكل رسمي تشرف على حركة الملاحة فيه وذلك عبر ممري للملاحة عرضهما حوالي 10كيلومتر في الاتجاهين. يعد مضيق هرمز بمثابة الممر الأول والأهم الذي يمر منه حوالي 90 في المئة من إنتاج منطقة الخليج من النفط، أي ما يوازي حوالي 40 في المئة من إنتاج النفط على مستوى العالم، وذلك حسب تقديرات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي، وحسب إحصائيات إدارة معلومات الطاقة في الولاياتالمتحدة فإن حوالي 25 ناقلة بترول عملاقة يومياً تنقل حوالي ما يعادل حوالي 17 مليون برميل من النفط الخليجي والموزع تصاعدياً كالتالي، 90 في المئة من النفط السعودي، و98 في المئة من العراقي و99 في المئة من الإماراتي، فيما ينقل كل إنتاج النفط القطري والكويتي عبر هذا المضيق، والذي يتجه في معظمة إلى الأسواق الأسيوية وخاصة اليابان التي تعتمد بنسبة 85 في المئة من احتياجاتها من النفط على الواردات التي تمر عبر هرمز، كذا الصين والهند وكوريا الجنوبية والذي يشكل النفط المار بهرمز نسبة 70 في المئة من احتياجات هذه الدول من النفط، بخلاف الولاياتالمتحدة الذي تضمن 18 في المئة من احتياجاتها النفطية من حركة الناقلات المارة بالمضيق. اتخذت دول خليجية احتياطات تحسباً لإغلاق المضيق منها تدشين الإمارات خط أنابيب لربط حقولها النفطية في أبو ظبي بميناء الفجيرة لتجنب الحاجة إلى نقلها عبر مضيق هرمز، فيما تعمل السعودية على تطوير خطوط وموانئ النفط في الجانب الغربي مثل خط النفط الواصل إلى ميناء الدمام على البحر الأحمر. في أعقاب الثورة الإيرانية عام1979 بدأت الولاياتالمتحدة بتعزيز تواجدها العسكري في محيط المضيق لضمان عدم عرقلة حركة ناقلات النفط. وشهد عام1988 اشتباك بين قوات البحرية الأمريكية وقوات الحرس الثوري في مياه المضيق وذلك في عملية سميت ب"بفرس النبي" والتي كانت بمثابة رد انتقامي للبحرية الأمريكية بعد إصابة حاملة طائرات أمريكية بلغم بحري إيراني، واستهدفت الولاياتالمتحدة قطع البحرية الإيرانية التي كانت متواجدة في المضيق والمكونة من فرقاطة إطلاق صواريخ وزوارق سريعة. منذ عام 2002 والولاياتالمتحدة تضع في حساباتها السياسية والعسكرية مسألة إغلاق مضيق هرمز، وذلك مع تصاعد وتيرة الصراع بين الولاياتالمتحدةوإيران، ومنذ ذلك التاريخ ويهدد المسئولين الإيرانيين بإغلاق المضيق في حال شن هجوم على إيران أو حتى تعريض مصالحها الاقتصادية والنفطية للخطر. وأجرت إيران عدة مناورات بحرية سميت بمناورات " الولاية-90" لمحاكاة إغلاق المضيق استخدمت فيها زوارق حربية سريعة مزودة بطوربيدات وصواريخ مضادة للسفن، ووصف قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري أثناء المناورات إغلاق المضيق بأنه "أسهل من شرب جرعة ماء"، وهو ما جعل الولاياتالمتحدة تعزز وجودها في الخليج العربي وخليج عمان بشكل غير مسبوق بإرسال قطع بحرية متنوعة بين حاملات الطائرات والمدمرات وكاسحات الألغام، وكذلك حذت حذوها المملكة المتحدة. وفيما تعتبر إيران أن إغلاق المضيق سبيل للدفاع عنها وعن مصالحها، ترى الولاياتالمتحدة أن إغلاق المضيق "خط أحمر" وذلك حسبما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في يناير من العام الجاري أن إيران تلقت رسائل أمريكية من مختلف القنوات الدبلوماسية أن مسألة إغلاق المضيق سيستدعي بالضرورة تدخل أمريكي، وهو ما أكده رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في وقت سابق"أن إعادة فتح مضيق هرمز في حالة إغلاقه سيتطلب تدخل عسكري أمريكي وذلك عن طريق كاسحات الألغام والهجمات الجوية" وأعقب هذه التصريحات المتبادلة أنشاء ما يشبه تكتل من القوات البحرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية المشتركة في بحر العرب، شملت ثلاث حاملات طائرات وعشرة مدمرات والعديد من سفن الإسناد والإمداد وكاسحات الألغام. إغلاق المضيق من جانب إيران سيكون عن طريق نشر الألغام البحرية بعرض المضيق وخاصة مابين الجزر الإماراتية الثلاثة التي تحتلهم إيران، أو عن طريق اعتراض زوارق والطوربيدات الإيرانية لناقلات النفط والسفن الأمريكية الحربية، أو عن طريق شن ضربات موجهة بصواريخ أرض-بحر والتي أعلنت إيران أنها تمتلك وتطور باستمرار ترسانة منها أخرها تدشين الصاروخ "خليج فارس" المصمم لضرب الأهداف البحرية بشكل رأسي، بخلاف الصواريخ الأفقية التي تطلق من الزوارق والسفن الإيرانية. وعلى الرغم من تشكيك بعض المحللين العسكريين في مقدرة إيران على إغلاق المضيق نظرا لاعتبارات عسكرية وطبوغرافية، إلا أنه حتى مع تعطيل الملاحة بشكل جزئي في المضيق يعني انقلابا في أسواق النفط العالمية، وذلك سيترجم إلى أزمات اقتصادية واجتماعية متعلقة بارتفاع أسعار الوقود، فمثلاً تخشى دول أوربية عديدة من أن تطبيق الحظر على النفط الإيراني سيؤدي إلى تفجر أزمات اجتماعية حادة، وذلك لا يقارن بتداعيات منع 40في المئة من احتياجات العالم من النفط عن الدول المعنية، فيبقى إغلاق مضيق هرمز الورقة الإيرانية الأقوى في صراعها مع الولاياتالمتحدة بجانب إستهداف قواعد الدول الغربية في الخليج والصواريخ الباليستية. Comment *