تحل هذه الأيام الذكرى الرابعة والستون ل 15 أيار/ مايو الفلسطينية والحادية والأربعون المصرية. ويحدو أمتنا الأمل في وأد هذه الذكرى الأليمة، بينما يتساءل بعضنا: لماذا تعجز الأمة أمام هذا التحدي؟! وهل عجزها هذا يشي باحتمال تكرار الواقعة الفلسطينية الأليمة في غير مكان عربي؟!. لعل من فضلة القول إن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قرارها القاضي بتقسيم فلسطين في 29 /11/1947م، فاندلعت الاشتباكات المسلحة بين العصابات الصهيونية المسلحة الثلاث (الهاجاناه، والأرجون، وشتيرن) وبين المجاهدين الفلسطينيين يؤازرهم متطوعون من أقطار المشرق العربي، ورغم قلة عدد وعتاد أولئك المجاهدين، وتواضع تدريبهم، وشح ذخيرتهم، فإنهم تمكنوا من دحر العصابات الصهيونية في أكثر المواقع، ما جعل المندوب الأمريكي في الأممالمتحدة، وارين أوستن، يطلب عدول الأممالمتحدة عن التقسيم (15/3/1948)، وتفتق الذهن الصهيوني الإجرامي عن حل مرعب، بدأ في تنفيذه بمذبحة دير ياسين الشهيرة( 9/4/1948م)، وأخذت كفة العصابات الصهيونية ترجح باضطراد، ولكن ببطء، حتى كان يوم 15/5/1948م، موعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين، وعند منتصف ليلة 1415 /5 كان ديفيد بن جوريون قد أعلن قيام الكيان الصهيوني. حين دخلت القوات العربية (المصرية، والأردنية، والسورية، والعراقية، واللبنانية) أرض فلسطين، كان المجاهدون الفلسطينيون يستحوذون على نحو 82% من التراب الوطني الفلسطيني، وحين أنهت القوات العربية مهمتها في فلسطين انقلبت الآية، وأصبح الصهاينة يستحوذون على 78% من أرض فلسطين. علماً بأن الجيشين، المصري والأردني، سارعا إلى نزع سلاح المجاهدين الفلسطينيين، ومنعهم من القتال، بدل أن تستقوي الجيوش العربية بأولئك المجاهدين، الأكثر دراية بالعدو، وبالأرض، والأشد إيمانا بضرورة الحفاظ على عروبتها! لماذا النكبة؟ بانتهاء مهمة الجيوش العربية هنا، ولدت النكبة الفلسطينية، التي يؤرخ لها بيوم دخول الجيوش العربية فلسطين "لتحريرها من العصابات الصهيونية"! فلماذا كانت النكبة؟! غني عن القول بأن جملة من الأسباب كمنت وراء هزيمة الجيوش العربية في الحرب العربية الصهيونية الأولى، لعل من المفيد استعراضها. عسكريا، كان رؤساء الأركان العرب اجتمعوا، أواسط كانون الأول/ديسمبر 1947م، وقدروا بأن لدى الصهاينة ما مجموعه 64 ألف مقاتل (الصحيح أنه كان لديهم 68 ألفا، ومثلهم في الاحتياط!). مع ذلك اكتفت الدول العربية بإرسال نحو 20 ألف جندي، بينما تقضي أوليات الحرب بإرسال ثلاثة أضعاف حجم المدافعين وليس ثلثهم! ما يعني بأن قرار الهزيمة العربية اتخذ في ذلك الاجتماع تحت رعاية جامعة الدول العربية. هذا عدا عن أن الجنود العرب كانوا متواضعي التسليح، والتدريب، ويجهلون في غالبيتهم السبب الذي يقاتلون من أجله، عدا عدم إلمامهم بطبيعة الأرض التي يقاتلون فوقها، وبالعدو الذي يقاتلونه. والأنكى أن القيادة العامة لتلك الجيوش أُوكلت إلى ملك شرقي الأردن، عبد الله بن الحسين، ما جعل تلك القيادة، عملياً، من نصيب الجنرال البريطاني الشهير، جون باجوت جلوب، القائد العام للجيش الأردني حتى ربيع 1956! مع ذلك، افتقرت الجيوش العربية إلى الحد الأدنى للتنسيق فيما بينها، بل وقف كل جيش يتفرج على شقيقه، وهو يتعرض للهجمات الصهيونية المسلحة، ناهيك عن أن قيادات عربية، حرضت القيادة الصهيونية على الفتك بجيش عربي معين، وتنصل جيش تلك القيادات من مهمة نجدة الجيش الشقيق! سياسيا، كانت الأنظمة العربية ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني، مما أفقدها حرية الحركة، إلا وفق الحسابات البريطانية! فضلا عن غياب الديمقراطية عن كل الأقطار العربية، وفساد أنظمتها. أما اقتصاديا، فحدث ولا حرج، حيث البنى الاقتصادية الهشة المشوهة، التي عجزت عن توفير بنى اجتماعية مؤهلة للانتصار في الحرب. اليوم ثمة مشروع صهيوني يتم تنفيذه في فلسطين عموما، وفي الضفة الغربية على وجه الخصوص، وسط صمت رسمي عربي مريب، فبعض أنظمتنا العربية مشارك في ذلك المشروع، والبعض الثاني متواطئ، يبقى البعض الثالث العاجز. الأنكى، أن أنظمة 48 المتهاوية خفت لنجدة فلسطين، بينما وجدنا من بين أنظمة القرن الحادي والعشرين من تباهى بأنه حال دون وصول أسلحة للمقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية، عدا من أكمل الحصار الذي ضربه العدو الصهيوني من حول قطاع غزة. باختصار، لا تزال شروط هزيمة 1948م العربية المدوية ماثلة للعيان، بل ثمة ما يزيد عن تلك الشروط، بينما ازداد عدونا الصهيوني قوة، أضعاف أضعاف ما كان عليه قبل 64 عاماً. ويمكن للتاريخ أن يعيد نفسه مرتين فقط: الأولى في شكل مأساة، والثانية في شكل مسخرة. وتحضرنا هنا الجملة التي قالها بن جوريون للصهاينة، حين احتفلوا بانتصارهم على الجيوش العربية (1948):"أنتم انتصرتم بضعفهم [العرب] وليس بقوتكم"! Comment *