بات الفشل الأمريكي في سوريا واضحا لا يقبل الشك، فعلى الرغم من محاولات إدارة الرئيس دونالد ترامب، إنقاذ الجماعات المسلحة الإرهابية في سوريا بكافة الطرق، فإن واشنطن استنفدت كل المحاولات دون جدوى حقيقية، وظل الجيش السوري يحقق الإنجازات بمساندة حلفائه الإيرانيين والروس، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية مُكرهة للتخطيط للانسحاب من سوريا، ورفع يدها والتملص من مسؤولياتها هناك، لكنها في الوقت نفسه تبحث عن حليف طيع يسد فراغ الغياب الأمريكي حتى لا تملأه أي من القوى الدولية المنافسة لها، فلم تجد أفضل من حليفها السعودي، الذي لا يمانع في الزج بقواته، وفتح المزيد من الجبهات على نفسه، وإهدار المزيد من المليارات، مقابل فقط إرضاء أمريكا وكسب ثقتها. أمريكا تبحث عن بديل عقب الفشل الذي منيت به الضربة الثلاثية التي شنتها دول العدوان أمريكاوفرنسا وبريطانيا، السبت الماضي، خرجت تسريبات إعلامية بشأن انسحاب أمريكا من سوريا، وأشار تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، الإثنين الماضي، إلى أن إدارة الرئيس ترامب تحاول تجميع قوة عربية لتحل محل قواتها في سوريا، في حال قررت سحب ألفي جندي من شمال شرق سوريا، وأضاف التقرير أن مدير الأمن القومي الجديد جون بولتون، اتصل قبل فترة بالقائم بأعمال مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل، لبحث إن كانت القاهرة مستعدة للمساهمة في العملية. وذكرت الصحيفة أن المبادرة جاءت في وقت طلبت فيه واشنطن من الإمارات العربية وقطر والسعودية المساهمة بمليارات الدولارات؛ للمساعدة في إعادة بناء شمال سوريا، وتريد من الدول العربية إرسال قوات إلى هناك أيضًا، وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس ترامب يبدو متعجلًا للخروج؛ بسبب الكلفة العالية، ومدة الإقامة، وهو ما أكده ترامب في تصريحاته عندما قال "لقد طلبنا من شركائنا تحمل مسؤولية أكبر من أجل تأمين منطقتهم، بما في ذلك المساهمة المالية"، ونقل التقرير عن مسؤول أمريكي رفيع قوله إنه "تم الاتصال مع السعودية وقطروالإمارات للمساهمة المالية ومساهمات أخرى"، فيما قال مسؤولون إن تشكيل وحدة من القوات العربية سيواجه عقبات. في ذات الإطار، أشارت الصحيفة، نقلا عن الباحث في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر، إلى أن تجميع قوة سيكون تحديًا للسعودية والإمارات المتورطتين في عدوان على اليمن، فيما رجح أن تُعرب مصر عن ترددها لحماية مناطق لا تسيطر عليها قوات الرئيس السوري بشار الأسد، مشيرًا إلى أن الدول العربية لن تقبل بالزج بقوات لها طالما لم تحتفظ الولاياتالمتحدة بنوع من الحضور العسكري، وأضاف: لا يوجد أي أساس سابق أو قاعدة موجودة لهذا التشكيل في استراتيجية ناجحة. على جانب آخر، أكدت الصحيفة أن الفكرة لفتت انتباه مدير شركة "بلاك وووتر"، إريك برينس، وهي الشركة التي تعمل على تأجير قوات أمنية أجنبية، مشيرة إلى أن برينس، ساعد الإماراتيين والصوماليين في بناء قوات أمنية خاصة، وأنه سبق أن تلقى اتصالات غير رسمية من مسؤولين عرب، حول إمكانية بناء قوة أمنية في سوريا، لكنه ينتظر ماذا سيفعل ترامب. وختمت صحيفة "وول ستريت جورنال" بالقول إن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها إدارة أمريكية طلب الدعم الإقليمي في المسألة السورية، ففي عهد الرئيس السابق باراك أوباما، دعا وزير الدفاع أشتون كارتر، السعودية والإمارات، لمشاركة فاعلة في الحرب ضد تنظيم الدولة، لكن دون جدوى. غضب سوري الحديث عن استبدال قوات عربية بالقوات الأمريكية، أثار غضب دمشق التي شددت مرارًا على أن أي قوات أجنبيه تعمل في سوريا دون موافقة الحكومة الشرعية هي قوات احتلال، سواء كانت تركية أو أمريكية، وعلقت المستشارة الإعلامية للرئيس السوري، بثينة شعبان، على التسريبات الإعلامية حول دعوة ترامب، لاستبدال القوات الأمريكية هناك بتحالف عربي، قائلة إنه "أمر غاية في الغرابة"، وأضافت: في حال صحة التسريبات فإنه أمر غريب جدًا أن تقوم دولة احتلال غير شرعي بتوجيه دعوات لأطراف أخرى كي تأتي وتحتل البلد أيضًا"، مؤكدة أن هذا الأمر سيكون سابقة في العلاقات الدولية. السعودية تتطوع لم تتوان السعودية لحظة عن تلبية النداء أو بالأحرى الأوامر الأمريكية، وظهر ذلك في الأزمة اليمنية عندما أمرت واشنطنالرياض بالتدخل لوقف نفوذ جماعة "أنصار الله" المدعومة من إيران، وفعلت ما أمُرت به فتورطت في اليمن منذ ما يزيد عن 3 سنوات، كما ظهر أيضًا في التطبيع العربي الإسرائيلي الذي تقوده السعودية وتبذل فيه كافة جهودها في محاولة لإرضاء واشنطن. وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قال أمس الثلاثاء، إن الرياض مستعدة لإرسال قوات لسوريا في إطار ائتلاف أوسع إذا تم اقتراح ذلك، موضحا في مؤتمر صحفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أن بلاده عرضت على واشنطن في وقت سابق إرسال قوات إلى سوريا، لكن إدارة أوباما لم تتخذ إجراءات بهذا الشأن، وأشار إلى أن هناك مناقشات تجري في الوقت الراهن مع واشنطن حول طبيعة القوات التي يجب أن تتواجد ومن أين ستدخل، وأن الأمر لا يزال قيد النقاش، وقال: عرضنا إرسال قوات من التحالف الإسلامي ضد الإرهاب إلى سوريا، زاعمًا أن "السعودية لم ترغب في الحرب في اليمن، بل فرضها أنصار الله" على حد تعبيره. من دفع الثمن إلى التوريط الفعلي "السعودية بقرة متى جف حليبها سنذبحها".. هذه هي المقولة التي وصف ولخص بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، علاقاته مع المملكة علانية منذ الساعات الأولى لتنصيبه رئيسًا، وهي بالفعل الاستراتيجية التي لا تحيد عنها الإدارة الأمريكية حتى الآن، فالمملكة أهدرت مليارات بل وتريليونات في مقابل التكتم الأمريكي على جرائمها في اليمن، ودعم استراتيجيتها في لبنانوسوريا والعراق، وجاءت هذه الأموال في شكل صفقات تسليحية تارة واقتصادية تارة أخرى. الرئيس الأمريكي أعاد قبل أيام قليلة، تذكير المملكة بهذه الاستراتيجية مجددًا، حينما قال في مؤتمر صحفي بعد اجتماع مع قادة دول البلطيق: أنجزنا تقريبًا هدف القضاء على تنظيم الدولة في سوريا، وسوف نتخذ على وجه السرعة قرارًا مع حلفائنا في المنطقة بشأن ما يجب فعله بعد ذلك، وأضاف: السعودية مهتمة جدًا بقرارنا، وقلت لهم أنت تعلمون، إذا كنتم تريدوننا أن نبقى، فربما سيكون عليكم أن تدفعوا الثمن. حديث ترامب يتناسق مع تصريحات نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب السوري، عمار الأسد، الذي أكد قبل أيام قليلة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو من دفع ثمن العدوان الثلاثي على بلاده، وقال الأسد: ترامب قال علنًا في مرات سابقة، إن على السعودية أن تدفع ثمن عمليات قوات التحالف، وأضاف: أمريكا طلبت نحو 4 مليارات دولار، والسعودية تدفع ثمن كل العمليات العدوانية التي تقوم بها قوات التحالف في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وبن سلمان ذهب إلى فرنساوأمريكا وسدد الفاتورة قبل عمليات القصف، وهو ما ظهر في مسارعه المملكة بالترحيب ومباركة العدوان. ماذا عن المشاركة العربية؟ يبدو أن السعودية لا تمانع في فتح في جبهة جديدة على الرغم من أنها لا تزال عاجزة عن حسم عدوانها في الجبهة اليمنية، لكن الأوامر الأمريكية جاءت بفتح عدوان جديد في سوريا، وسيتم تنفيذها، ليثور التساؤل عما إذا كانت إحدى الدول العربية ستتورط إلى جانب المملكة في سوريا، فبعيدًا عن الإمارات والبحرين الذين يمكن تشبيههما بظل المملكة، فإن عمان والكويت والأردن رفضت بشكل واضح التورط في أزمات الشرق الأوسط وتحاولون الحفاظ على مواقف حيادية من الأزمات المشتعلة حاليًا، فيما يوجد خلاف واضح بين قطر والسعودية، وفي الوقت نفسه فإن الدوحة تحاول التقارب بشكل كبير مع إيران، وهو ما سيمنعها حتمًا من المشاركة في سوريا ضد الجيش السوري المدعوم من إيران وروسيا، وكذلك تركيا والسودان اللذان يقتربان أكثر فأكثر من المحور الروسي الإيراني وينفران من المحور السعودي الأمريكي، فيما يُستبعد تمامًا أن تتورط قوات مصرية في هذا المستنقع لعدة اعتبارات، أولها أن الجيش المصري حليف وثيق لنظيره السوري، وكذلك القيادة السياسية برئاسة عبد الفتاح السيسي، الذي أعرب مرارًا عن دعم الشرعية السورية، فضلا عن أن القاهرة ترفض تمامًا إرسال قوات للقتال خارج أراضيها، وإلا لكانت من باب أولى، قد أرسلت قوات إلى اليمن، كما أن مصر مُنشغلة في حربها على الإرهاب في سيناء. باكستان أيضًا ترفض إرسال قوات إلى خارج أراضيها، وهو ما أكدته عندما حاولت الرياض توريطها في اليمن، وبذلك سترفع الدول الأقوى الموجودة في التحالف الإسلامي، والتي تملك عتادا عسكريا وقوة بشرية، يدها عن هذا الملف، مما قد يدفع المملكة إلى تكرار سيناريو اليمن، والتورط وحيدة أو بمشاركة الإمارات فقط في سوريا.