يوما بعد يوم يترسخ لدى الشعب الفلسطيني أن الحديث عن مفاوضات وحل سياسي ليس إلا شعارات للاستهلاك الإعلامي، وإعطاء الاحتلال المزيد من الوقت لفرض الأمر الواقع بأريحيه، الأمر الذي يجعل المقاومة المسلحة خيارا لا غنى عنه. عمليات المقاومة تتصاعد شهدت الأشهر الأخيرة الماضية عوده قوية للمقاومة المسلحة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، وارتفعت وتيره العمليات التي تستهدف الجنود والمستوطنين الصهاينة، فضلا عن المسيرات والفعاليات التي باتت تفرض نفسها على الأرض بشكل شبه يومي، وبات لافتا أن هذه المقاومة ليست مدعومة فصائليًا وليست مُنظمة، بل هي مقاومة شعبية فردية، تعبر عن الغضب الشعبي بعد صفعات وخيبات أمل متعددة، تارة من القيادات الفلسطينية، وتارة أخرى من الدول العربية التي تلهث وراء التطبيع والتقارب مع الكيان الصهيوني. أفاد تقرير "حصاد المقاومة" الذي صدر مطلع إبريل الجاري، أن شهر مارس الماضي شهد ارتفاع وتيرة العمليات المقاومة للاحتلال، فما بين طعن ودهس وإطلاق نار، فرضت المقاومة الشعبية نفسها، وأرعبت الاحتلال وجعلت قواته في حالة استنفار دائم، وأكد التقرير وقوع 368 عملية في الضفة الغربية، شملت عمليات إطلاق نار وإلقاء حجارة وزجاجات حارقة وعبوات ناسفة، بالإضافة للمواجهات وصد اعتداءات المستوطنين.
وتابع التقرير أن المقاومة نفذت عمليتي طعن و6 عمليات إطلاق نار، وعملية دهس واحدة، كما شهدت مناطق الضفة والقدس 153 مواجهة، أدت في مجملها لمقتل 3 إسرائيليين، اثنتان منهما دهسًا عند مدخل مستوطنة "مفتو دوتان" جنوب مدينة جنين شمال الضفة الغربيةالمحتلة، في عملية نفذها الشاب علاء قبها، من جنين، كما أصيب 16 إسرائيليًا، واستشهد 3 فلسطينيين، وأصيب 458 آخرون بجراح متفاوتة، خلال المواجهات التي اندلعت في أنحاء الضفة الغربية خلال مارس الماضي. في ذات الإطار، شهدت محافظاترام الله ونابلس والقدس أعلى معدل في عدد المواجهات بواقع 87 و68 و52 على التوالي، كما سجلت 49 مواجهة في قلقيلية والخليل بالتساوي، و33 مواجهة في بيت لحم، و15 مواجهة في أريحا، و9 في جنين، و4 في سلفيت، وانفردت طولكرم وطوباس بمواجهة واحدة في كل منهما من إجمالي 153 مواجهة في أنحاء الضفة الغربية. مسيرات تقض مضاجع الاحتلال لم تكتف المقاومة بالعمليات المسلحة فقط، بل سعت إلى قض مضاجع الاحتلال، فمنذ انطلاق "مسيرة العودة الكبرى" في 30 مارس الماضي، لا يمر يوم دون خروج مئات وآلاف الفلسطينيين للاحتشاد بالقرب من السياج الفاصل للتأكيد على خيار مقاومة الاحتلال والصمود في وجه انتهاكاته.
فالجمعة الأولى التي أطلق عليها "يوم الأرض" لتزامنها مع ذكرى "يوم الأرض الفلسطيني" شهدت مسيرات حاشدة زحف خلالها الآلاف من الشعب الفلسطيني منذ الصباح الباكر إلى "مخيمات العودة" على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وأدى الآلاف صلاة الجمعة في العراء، ومن ثم بدأ الاعتصام الشعبي السلمي، فيما ظهر الارتباك والرعب على سلطات الاحتلال، وأعلنت قواته حالة التأهب القصوى للتصدي لأي محاولات تسلل خارج القطاع، وقامت بنشر أعداد كبيرة من الجنود على طول الشريط الحدودي، وسقط خلال هذه المسيرات 7 شهداء برصاص جنود الاحتلال، كما أصيب ما يزيد على 600 آخرين بالرصاص الحي والاختناق الشديد، وفق تقرير وزارة الصحة الفلسطينية. لم يكن سقوط هذا العدد من الشهداء والجرحي رادعًا للشعب الفلسطيني أو مُحبطًا لروح المقاومة بداخله، بل تزايدت أعداد المشاركين في المسيرة التي انطلقت في الجمعه التالية، 6 إبريل الجاري، والتي أطلق عليها "جمعة الكاوتشوك"، حيث توافد آلاف الفلسطينيين إلى خيام مسيرة العودة المقامة شرق قطاع غزة قرب السياج الفاصل، وفي مواجهة المدافع والرشاشات والغازات السامة والرصاص الحي والمتفجر، اختارت المقاومة الشعبية الفلسطينية استخدام الإطارات كتعبير عن الغضب، لإعاقة آلة القتل الإسرائيلية ومنع الجنود الصهاينة من الرؤية لقنص المتظاهرين، ليتحرك المقاومون بحركة أكبر من خلف الإطارات المشتعلة، وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية، أن إجمالي عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص الجيش الإسرائيلي في جمعة الكاوتشوك، بلغ 10 شهداء بينهم صحفي، و1354 إصابة، بينهم 48 طفلا و12 امرأة، منها 491 بالرصاص الحي والمتفجر. لم تتوان المقاومة الشعبية في الخروج مجددًا الجمعة الماضية 13 إبريل، فبإصرار الأبطال وصمود الشجعان، واجهه الشعب الفلسطيني الاحتلال مجددًا، غير آبه بأعداد الشهداء والجرحي التي تتصاعد، وجرائم الاحتلال التي تتزايد، وخرج آلاف الفلسطينيين رافعين شعار "جمعة حرق العلم الإسرائيلي"، وأشعل المتظاهرون النار في ما يقرب من ألفي علم قرب السياج الأمني في غزة، فيما تم رفع العلم الفلسطيني على ارتفاع 25 مترًا، وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن حصيلة المصابين وصلت إلى 363 إصابة بقنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي. من جانبها، أعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار، أن الجمعة المقبلة سيكون الاحتشاد تحت عنوان "جمعة الشهداء والأسرى"، وأكدت أن استمرار الحشد بهذا الزخم الكبير يحيّر العدو قبل الصديق ويعكس إرادة جبارة وشجاعة منقطعة النظير، تشارك الأجيال بكل مستوياتها أطفالًا وشبابًا وشيبًا، كما تشارك المرأة إلى جانب الرجل، والسياسي إلى جانب المواطن العادي، لخوض معركة الصدور العارية، وسط توافق وانضباط منقطع النظير، وأكدت الهيئة "استمرارية الحراك حتى تحقيق أهداف العودة وكسر الحصار"، داعية، الجمعة القادمة، إلى إحياء ذكرى يوم الأسير واستشهاد القادة العظام، خليل الوزير، وعبد العزيز الرنتيسي، وأبو العباس وغيرهم بمزيد من الحشود.